الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                            مواهب الجليل في شرح مختصر خليل

                                                                                                                            الحطاب - محمد بن محمد بن عبد الرحمن الرعينى

                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ص ( ومغشوش بمثله )

                                                                                                                            ش : ظاهره ولو لم يتساو غشهما ، وهو ظاهر كلام ابن رشد وغيره ولم يلتفت المصنف إلى قول ابن عبد السلام : ولعل ذلك مع تساوي الغش ; لأنه لم يجزم به ولعسر تحقق تساوي ذلك ولأنهم جعلوا ذلك كالعدم ، ولذا أجازوا مراطلة المغشوش بالخالص وعلى هذا فقول صاحب الشامل : وقيد إن تساوى الغش وإلا فلا ، غير ظاهر .

                                                                                                                            ص ( وبخالص والأصح خلافه )

                                                                                                                            ش : يعني ويجوز مراطلة المغشوش بالخالص على القول الراجح المأخوذ من كلام المدونة وغيرها واستظهر ابن رشد أنه لا يجوز وجعل صاحب الشامل الأول هو المذهب ، قال : وصحح منعه بخالص ، والمذهب جوازه ، وقال ابن عرفة : هو اختيار ابن محرز .

                                                                                                                            ( تنبيه ) قال في التوضيح بعد أن ذكر الخلاف وإذا تقرر هذا علمت أنهم إنما تكلموا في المغشوش الذي لا يجري بين الناس ويؤخذ من كلامهم جواز بيع المغشوش بصنفه الخالص إذا كان يجري بين الناس ، كما بمصر عندنا انتهى . وبذلك جزم في الشامل فقال بعد كلامه السابق : أما مغشوش يتعامل به فيباع بنصفه وزنا انتهى .

                                                                                                                            ( قلت ) فظاهر كلامهما أنه يجوز بلا خلاف ، وظاهر ما نقله ابن عرفة عن ابن رشد دخول الخلاف في ذلك ، ونصه في أواخر المراطلة ابن رشد في كون الدنانير المشوبة بفضة أو نحاس ، والدراهم المشوبة به يعتبر وزن كلها بما فيها كوزن خالص واعتبار قدر الخالص فيها فقط في المراطلة والنكاح والزكاة والسرقة قولان للشيوخ ا هـ . ثم ذكر أن ابن محرز اختار الجواز ، وهو الظاهر الجاري على ما تقدم في الزكاة ، والله أعلم .

                                                                                                                            ص ( لمن يكسره أو لا يغش وكره لمن لا يؤمن وفسخ ممن يغش )

                                                                                                                            ش : قال ابن غازي كذا هو بواو العطف في أوله فهو أعم من أن يكون في بيع أو في صرف أو مراطلة ا هـ .

                                                                                                                            ( قلت ) كأنه وقع في نسخته كذلك والموجود في النسخ بغير واو ، وهو صحيح ; لأنه ، وإن كان سياق الكلام في المراطلة فحكم البيع بها وصرفها يستفاد من ذلك ; لأن العلة إنما هي خوف الغش بها فتأمله ، والله أعلم . وجعل المصنف المسألة على أربعة أقسام الأول أن يبيع المغشوش أو يصرفه أو يراطل به من يكسره فهذا جائز قال ابن رشد : باتفاق لكن قيد ابن الحاجب ذلك بما إذا أمن أن يغش به مع كسره قال في التوضيح : وإن لم يؤمن ذلك فلا بد من سبكه ، وهو ظاهر ، وأصله في المدونة قال فيها : وإذا قطعه جاز بيعه إذا لم يكن يغر به الناس ولم يكن يجوز بينهم ا هـ . فالمدار على انتفاء الغش به ، وقال في المدونة بعد هذا الكلام قال أشهب إذا كسر الستوق جاز بيعه إن لم يخف أن يسبك فيجعل دراهم أو يسبك فيباع على وجه الفضة فإن خاف ذلك فليصنه حتى تباع فضته [ ص: 336 ] على حدة ونحاسه على حدة ا هـ . وقال أبو الحسن : هذا وفاق لابن القاسم على ما نبه عليه ابن يونس والستوق قال عياض : بضم السين والتاء وتشديدهما ، كما ضبطتها ، والصواب : بفتح السين ، وهو مما يغلط فيه العامة ، وهو الرديء ، وقال ابن يونس : هو الذي عليه النحاس وتقدم أيضا تعريفه قبل هذا .

                                                                                                                            الثاني أن يبيعه لمن يعلم أنه لا يغش به ، وهو أيضا جائز باتفاق ، الثالث أن يبيعه ممن لا يؤمن أن يغش به قال ابن رشد كالصيارفة فهذا يكره له ذلك .

                                                                                                                            الرابع أن يبيعه ممن يعلم أنه يغش به فهذا لا يحل له ذلك وزاد ابن رشد خامسا ، وهو أن يبيعه ممن لا يدري ما يصنع به فأجازه ابن وهب وكرهه ابن القاسم ، وهذا القسم داخل في قول المصنف وكره لمن لا يؤمن ، كما هو قول ابن القاسم وروايته عن مالك ، قاله في التوضيح واختلف في بيعها ممن لا يدرى ما يصنع بها ، فأجازه ابن وهب وجماعة من السلف وكرهه ابن القاسم ورواه عن مالك ا هـ . على أن ابن عرفة نازع ابن رشد في قوله بالكراهة فيمن لا يؤمن ، وقال : لفظ الرواية إن كان ممن يغر بها الناس كالصيارفة ، وغيرهم فلا أرى ذلك قال : فظاهر لفظ لا أرى المنع الذي هو أشد من الكراهة ا هـ . المسألة في رسم القسمة من سماع عيسى من كتاب الصرف قال ابن رشد : تحصيل القول فيها أن الدراهم والدنانير المغشوشة بالنحاس لا يحل لأحد أن يغش بها فيعطيها على أنها طيبة ولا أن يبيعها ممن يعلم أنه يغش بها ويكره له أن يبيعها ممن لا يأمن أن يغش بها كالصيارفة وغيرهم ويختلف هل يجوز له أن يبيعها ممن لا يدري ما يصنع بها فأجاز ذلك ابن وهب .

                                                                                                                            وروى إجازته عن جماعة من السلف وكرهه ابن القاسم ورواه عن مالك هنا وفي المدونة والذي أجازه ابن وهب أن يباع لمن لا يدري ما يصنع به ما كان فيه منفعة ويمكن الغش به لمن أراده ، ويجوز أن يباع باتفاق ممن يكسرها أو ممن يعلم أنه لا يغش بها إلا على قياس قول سحنون في نوازله من كتاب السلم فإن باعها ممن يخشى أن يغش بها لم يكن عليه غير الاستغفار ، وإن باعها ممن يعلم أنه يغش بها فواجب عليه أن يستصرفها منه إن قدر على ذلك واختلف إن لم يقدر فيما يجب عليه فيما بينه وبين خالقه على ثلاثة أقوال .

                                                                                                                            ثم ذكر الأقوال الثلاثة التي ذكرها المصنف وقد علم أن الفسخ إنما هو فيما إذا باعها ممن يعلم أنه يغش بها وكأنه سقط من نسخة الشارح في الكبير قول المصنف " ممن يغش " فجعل قوله " وفسخ " راجعا لقوله " وكره " لمن لا يؤمن وأما في الوسط فيوجد في بعض النسخ على الصواب ، والله تعالى أعلم .

                                                                                                                            ص ( فهل يملكه )

                                                                                                                            ش : نقص المصنف من هذا القول فإن ظاهر كلام المصنف أنه لا يستحب التصدق له به ، ونصه في كلام ابن رشد والثالث أنه لا يجب عليه أن يتصدق بشيء منه إلا على وجه الاستحباب مراعاة للخلاف ، ونقله في التوضيح بلفظ " الثالث : أنه لا يجب عليه أن يتصدق بشيء منها لكنه مستحب " ثم قال ابن رشد وقد مضى توجيه هذا الاختلاف في رسم البيوع الأول من سماع أشهب من كتاب التجارة إلى أرض الحرب يشير إلى ما ذكره في مسألة من باع سلاحا من العدو أو ممن يغازي به المسلمين ويخرج به عليهم أو ممن يحمل ذلك إليهم وتاب ولم يعلم من باعه منه ولا قدر عليه فذكر الأقوال الثلاثة ، ثم وجه القول بأنه لا يتصدق بالجميع بأن البيع غير منعقد ، وأنها باقية على ملكه فيجب عليه رد الثمن إلى المبتاع إن علمه والصدقة به عنه إن جهله ، ووجه القول بأنه يتصدق بالزائد بأن البيع إنما يفسخ في قيام السلعة ، ويمضي في الفوات بالقيمة ووجه القول بأنه لا يتصدق بشيء إلا على جهة الاستحباب بأن البيع لا يفسخ ولو عثر عليه بل يباع ذلك على المبتاع ، والله أعلم .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            الخدمات العلمية