الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                            مواهب الجليل في شرح مختصر خليل

                                                                                                                            الحطاب - محمد بن محمد بن عبد الرحمن الرعينى

                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ص ( والإقالة بيع إلا في الطعام والشفعة والمرابحة )

                                                                                                                            ش : اختلف في الإقالة هل هي حل بيع ، أو بيع مبتدأ والمشهور ما ذكره المصنف أن الإقالة بيع من البيوع إلا في الطعام فليست ببيع ، وإنما هي حل للبيع السابق ولذلك جازت الإقالة منه قبل قبضه ، وإلا في الشفعة أيضا ، وذلك أن من باع حصة من عقار مشترك فللشريك الأخذ بالشفعة ، ولو تعدد البيع مرة بعد أخرى ، وله الخيار في الأخذ بأي بيع شاء ، وعهدة الشفيع على المشتري الذي يأخذ منه فلو أقال المشتري البائع أعني مالك الحصة أولا فإن ذلك لا يسقط الشفعة واختلف قول مالك في العهدة فمذهب المدونة أنه لا خيار للشفيع ، وإنما عهدته على المشتري وبه أخذ محمد وابن حبيب وقال مرة : يخير ، فإن شاء جعلها على المشتري ، أو البائع أشهب وسواء كان المستقبل هو المشتري ، أو البائع واستشكل مذهب المدونة بأن الإقالة إما حل بيع فيلزم منه بطلان الشفعة ، أو ابتداء بيع فيخير الشفيع كما لو تعدد البيع من غير البائع فلا وجه للحصر في المشتري ، وأجيب باختيار الأول ، وإنما ثبتت الشفعة ، وكانت العهدة على المشتري [ ص: 486 ] لأنهما يتهمان في قطع شفعة الشفيع قاله في باب الشفعة من التوضيح .

                                                                                                                            ( قلت : ) فيكون معنى ما اختير أن الإقالة في الشفعة أنها ملغاة ، ولا يلتفت إليها ، ولا يحكم عليها بأنها حل بيع ، ولا ابتداء بيع ، والله أعلم ، وقوله : وإلا في المرابحة ليست ببيع ، وذلك أنهم قالوا فيمن أراد أن يبيع السلعة مرابحة ، وكان قد باعها قبل ذلك ، ثم استقاله المشتري منها : يجب عليه أن يبين ذلك بخلاف لو باعها ، ثم ملكها باشتراء فإنه لا يجب عليه بيانه ، وكذا لو كانت الإقالة بزيادة في الثمن ، أو نقص ، والله أعلم .

                                                                                                                            ( تنبيه : ) وقع في كلام بعضهم أن الإقالة لا تكون إلا بلفظ الإقالة ومرادهم - والله أعلم فيما إذا وقعت في الطعام قبل قبضه ، وأما في غيره فهي بيع من البيوع ينعقد بما يدل على الرضا فيظهر ذلك بجانب كلام المدونة وكلام الشيوخ عليها .

                                                                                                                            قال في السلم : الثالث من المدونة في ترجمة الشركة والتولية : وإن أسلمت إلى رجل في طعام ، ثم سألك أن توليه ذلك ففعلت جاز ذلك إذا نقدك ، وتكون إقالة ، وإنما التولية لغير البائع .

                                                                                                                            قال أبو الحسن قال عياض : فأجاز الإقالة بغير لفظها ، وهم لا يجيزونها بلفظ البيع ابن محرز ; لأن لفظ التولية لفظ رخصة ، ولفظ الإقالة مثله فعبر بأحدهما عن الآخر بخلاف البيع ا هـ . وقال في المدونة بعد ذلك : وإن أعطاك بعد الأجل عينا ، أو عرضا فقال لك : اشتر به طعاما وكله ، ثم اقبض حقك منه لم يجز ; لأنه بيع الطعام قبل قبضه إلا أن يكون رأس المال ذهبا ، أو ورقا فيعطيك مثله صفة ووزنا فيجوز بمعنى الإقالة .

                                                                                                                            قال الشيخ .

                                                                                                                            قال عبد الحق انظر في هذا السؤال أجاز دفع مثل رأس المال في الطعام ، وجعله كالإقالة ، وهنا لم يلفظ بلفظ الإقالة ، فهل هذا يضعف ما قيل من أنه إذا قيل له : بعني هذا الطعام الذي قبلي بعشرة دنانير أنه لا يجوز حتى يلفظ بلفظ الإقالة أليس في المسألة التي قدمنا قد دفع إليه مثل رأس ماله ليشتري به طعاما فيقبضه فأين لفظ الإقالة من هذا ، وقد أجاز مالك لما كان محصول ذلك كالإقالة ; لأنه دفع رأس المال سواء إلا أن يسامح هذا ; لأنا لا ندري هل يمسك ذلك لنفسه ، أو لا يمسكه فإنما هو باب تهمة ، ولسنا على حقيقة من ذلك ألا ترى أنه إذا صح أنه إذا اشترى مضى ذلك ونفذ بينهما ، وليس كتركهما لفظ الإقالة وانفصالهما على البيع ؟ انتهى .

                                                                                                                            وقد ذكر ابن فرحون في تبصرته في الكلام بين ألفاظ حكم العقود التي تفتقر للصيغة ، ولم يذكر الإقالة ، وذكر في المسائل الملقوطة كلامه ، ولم يزد عليه .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            الخدمات العلمية