الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ص ( وبسببه وهو زوال عقل وإن بنوم ثقل ولو قصر لا خف وندب إن طال ) ش لما فرغ من الكلام على القسم الأول من نواقض الوضوء وهو الأحداث شرع في الكلام على القسم الثاني وهو الأسباب وتقدم الكلام عليه لغة وشرعا وأن المراد به هنا هو ما أدى إلى خروج الحدث ، قال ابن الحاجب : وهو ما نقض بما يؤدي إليه قال ابن راشد : يعني أنه غير ناقض في نفسه وإنما ينقض ; لأنه يؤدي إلى الحدث قال ابن عبد السلام : هذا التعريف وقع بحكم من أحكام المحدود وهو مجتنب في التعريفات ، ولو قال : وهو ما كان مؤديا إلى خروج الحدث لكان أبين ونقله في التوضيح وقال : لكان أحسن مكان أبين وحصر المصنف الأسباب في ثلاثة أشياء : زوال العقل ولمس من يشتهى ومس الذكر .

                                                                                                                            وكذلك فعل ابن الحاجب قال في التوضيح : قال ابن هارون : ترد عليه الردة ورفض الوضوء والشك فإنه لم يذكرها في الأحداث ولا في الأسباب ولعله قصد حصر المتفق عليه ، انتهى يعني كلام ابن هارون . قال في التوضيح : وقد يقال : لا نسلم أن هذه الأشياء نواقض لأنها ليست أحداثا ولا تؤدي إلى خروج الحدث وإنما يجب الوضوء عند من أوجبه بها لمعنى آخر ، والله أعلم ، انتهى . يعني والله أعلم أن الردة إنما توجب الوضوء ; لأنها تحبط الأعمال ومن جملتها الوضوء والرفض إنما يبطله لوقوع الخلل في النية والشك في الحدث إنما يوجبه ; لأن الصلاة في الذمة بيقين فلا يبرأ منها إلا بالإتيان بها بيقين ، والطهارة شرط فيها والشك في حصول الشرط يوجب الشك في حصول المشروط ، والله تعالى أعلم .

                                                                                                                            وظاهر كلام المصنف رحمه الله تعالى أن زوال العقل بغير النوم ، ولا يفصل فيه كما يفصل في النوم وهو ظاهر المدونة والرسالة قال في المدونة : ومن نام جالسا أو راكبا الخطوة ونحوها فلا وضوء عليه ، وإن استثقل نومه وطال ذلك فعليه الوضوء ونومه راكبا قدر ما بين العشاءين طويل ولا وضوء على من [ ص: 295 ] نام محتبيا في يوم جمعة وشبهها ; لأنه لا يثبت ، قال أبو هريرة : ليس على المحتبي النائم ولا على القائم النائم وضوء .

                                                                                                                            قال ابن شهاب : السنة فيمن نام راكبا أو ساجدا أن عليه الوضوء قال ابن وهب : قال ابن أبي سلمة : من استثقل نوما على أي حال كان فعليه الوضوء ، ثم قال : ومن خنق قائما أو قاعدا توضأ ولا غسل عليه ومن فقد عقله بإغماء أو سكر أو جنون توضأ ، انتهى . وقال في الرسالة ويجب الوضوء من زوال العقل بنوم مستثقل أو إغماء أو سكر أو تخبط جنون ، وقال ابن عبد السلام : فالأول وزوال العقل بجنون أو إغماء أو سكر ، ولم يتعرض المصنف يعني ابن الحاجب لكيفية نقضها في طول أو قصر وذلك يدل على أنها ناقضة مطلقا وهو الحق خلافا لبعضهم ، انتهى .

                                                                                                                            وقال ابن بشير : والقليل في ذلك كالكثير ، انتهى . وقال ابن ناجي في شرح الرسالة : ظاهر كلامه أن الجنون والإغماء حدثان لكونه لم يشترط فيهما الثقل كما اشترطه في النوم وهو كذلك قاله مالك وابن القاسم ونقل اللخمي عن عبد الوهاب أنهما سببان وخرج على القول من جن قائما أو قاعدا بحضرة قوم ولم يحسوا أنه خرج منه شيء واعترض كلام اللخمي من وجهين الأول لابن بشير أن عبد الوهاب أطلق عليهما أنهما سببان إلا أنه أوجب عنهما الوضوء دون تفصيل ، والثاني لبعض شيوخنا أنه لا يلزم من عدم إحساسهم عدم الحدث ويلزمه مثل ذلك في النوم ، انتهى . وأصل هذا الكلام لابن عرفة نقله عن اللخمي ولفظه وكون الجنون والإغماء حدثا أو سببا نقلا اللخمي عن ابن القاسم مع مالك والقاضي إلخ .

                                                                                                                            وحاصله أن مالكا وابن القاسم قالا : إن الجنون والإغماء ينقضان دون تفصيل ففهم اللخمي عنهما أنهما عندهما حدثان ولا يلزم ذلك لما تقدم .

                                                                                                                            وأما النوم فاختلف فيه قال ابن عرفة : وقال أبو الفرج : روي عن ابن القاسم أنه حدث والمشهور أنه سبب ، انتهى .

                                                                                                                            قلت طريقة اللخمي وهي التي مشى عليها المصنف أن الثقيل الطويل ينقض بلا خلاف والثقيل القصير فيه خلاف والمشهور النقض والقصير الخفيف لا ينقض بلا خلاف والطويل الخفيف يستحب منه الوضوء ، قال الشيخ زروق في شرح الرسالة : وعلامة الاستثقال سقوط شيء من يده أو انحلال حبوته أو سيلان ريقه أو بعده عن الأصوات المتصلة به ولا يتفطن لشيء من ذلك ، انتهى .

                                                                                                                            قال في المدونة ولا وضوء على من نام محتبيا قال ابن هارون في شرحه : يعني إذا استيقظ لحل حبوته وأما لو لم يشعر بحلها لزمه الوضوء وكذلك من بيده مروحة واستيقظ لسقوطها فلا وضوء عليه وإلا توضأ ، انتهى .

                                                                                                                            ( فرع ) قال ابن المنير في تيسير المقاصد : ويغتفر النعاس الخفيف والأولى لأئمة المساجد تجديد الوضوء .

                                                                                                                            ( تنبيهات الأول ) ظاهر كلام المدونة أن خنق الجن غير الجنون وهكذا قال في الذخيرة المظنة الرابعة الخنق من الجن ، الخامسة الإغماء السادسة ذهاب العقل بالجنون لا بالجن .

                                                                                                                            ( الثاني ) قال أبو الحسن قوله أو سكر يريد وإن كان من حلال قال في الأم : أو سكر من لبن .

                                                                                                                            ( الثالث ) قال الفاكهاني في شرح الرسالة : قوله من زوال العقل الأولى أن يقول من استتاره ; لأن العقل لا يزول بالنوم ولا بإغماء والسكر إنما يستتر خاصة ، وكذا القول في المجنون يخبطه الجن ثم يعود إلى حاله هذا هو الذي يقوى في النفس ، والله أعلم . بخلاف المجنون المطبق الذي لا يفيق فإنه قد زال عقله لا محالة فلا ينبغي أن يقال : زوال العقل إلا على طريق الاتساع والمجاز ، انتهى .

                                                                                                                            ( الرابع ) ما ذكر ابن عرفة وابن ناجي عن اللخمي يقتضي أنه نقل أن مالكا وابن القاسم نصا على أنهما حدثان وكلام اللخمي يقتضي أنه إنما فهم ذلك من كلامهما ونصه ويختلف في المغمي عليه والمجنون فقال مالك : عليه الوضوء وقال ابن القاسم لو خنق قائما أو قاعدا كان عليه الوضوء وهذا موافق لما ذكر عنه أولا أن النوم [ ص: 296 ] حدث .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            الخدمات العلمية