الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ص ( ثم لفطر رمضان )

                                                                                                                            ش : قال البساطي بالأكل والشرب ، فإن قلت قيدت ذلك بالأكل والشرب لماذا قلت : الكفارة بالجماع مجمع عليها وكان ذلك مقصود أهل المذهب حيث لا يقولون إلا كفارة الفطر انتهى . وهذا الذي قاله غير ظاهر ; لأن المفطر يعم كذلك ولم أر أحدا قيده بما قال فالصواب حمله على الإطلاق ، والله أعلم .

                                                                                                                            ص ( ثم المبتل ومدبر المرض )

                                                                                                                            ش : يعني أنهما في مرتبة واحدة ، فإن لم يحملها الثلث تحاصا ، قال في التوضيح : وهذا إذا كان في فور واحد ولو بدأ بأحدهما ثم ذكر الآخر بدأ بالأول ; لأنه ثبت له ما لا رجوع فيه أشهب والكلام المتصل لا صمات فيه كاللفظة الواحدة ، وقال ابن القاسم ما كان في كلمة واحدة وفور واحد فهما معا ، وما كان في فور بعد فور ، فالأول مبدأ انتهى . وقال ابن عرفة الباجي هذا إذا كان في لفظ واحد أو في حكم اللفظ الواحد ، قال في الموازية والعتبية والمجموعة إن كانا في كلام واحد في مرضه ، فقال هذا مدبر وهذا حر بتلا تحاصا ، وقاله ابن القاسم ولو بدأ بأحدهما ثم ذكر الآخر بدأ بالأول ; لأنه ثبت له ما لا يرجع فيه ولأشهب في المجموعة الكلام المتصل لا صمات فيه كاللفظ الواحد ولابن القاسم في الواضحة ما كان في كلمة واحدة وفور واحد فهما معا ، وما كان في فور بعد فور ، فالأول مبدأ ، قال أشهب إن قال : فلان حر بتلا ثم سكت سكوتا يعرف أنه لم يرد غيره ثم يبدأ له ببتل غيره بدئ الأول فالأول ا هـ . وكلام أشهب هذا الأخير هو الذي أشار المؤلف إليه بقوله : آخر العتق إلا أن يرتب فيتبع ، والله أعلم .

                                                                                                                            وكذلك إذا دبر واحدا بعد واحد في كلمة واحدة الحكم واحد ، وقد تقدم في لفظ المدونة ، قال في المقدمات : والنذر الذي يوجبه على نفسه في المرض ينبغي أن يكون بمنزلة المبتل في المرض ، والمدبر فيه انتهى .

                                                                                                                            ص ( ثم الموصى بعتقه معينا )

                                                                                                                            ش : لم يتكلم المؤلف رحمه الله تعالى على صدقة [ ص: 381 ] المريض المبتلة ، قال ابن عرفة وقال ابن دينار : صدقة المبتل مقدمة على الوصية بعتق معين إذ له أن يرجع عنه ، وقاله المغيرة وعبد الوهاب ، قال سحنون كانت العطية قبل وصيته أو بعدها ، وروى ابن القاسم أن مالكا توقف في تبدئة صدقة المبتل على الوصايا وكذلك في العتبية : وتبدأ أحب إلي وأما على العتق بعينه فيبدأ العتق ، ابن زرقون الذي في سماع ابن القاسم من الوصايا أن الوصية يحاص بها مع صدقة المريض ، وفي كتاب المرابحة من العتبية الصدقة مبدأة انتهى . وفي رسم طلق بن حبيب من سماع ابن القاسم من كتاب الوصايا بعد أن ذكر الرواية قال ابن رشد ظاهر هذه الرواية أن السؤال فيها إنما هو عن الوصية بالصدقة والوصية على سبيل العطية ، فقال : إنهما يتحاصان ولا خلاف أحفظه في ذلك ، وقد رأيت لابن دحون أنه قال : قد قيل إن الصدقة تقدم على الوصية ; لأنها للفقراء ، والوصية للأغنياء ولا أعرف هذا القول ولا وجه له إذ قد يتصدق على الغني ويعطى للفقير ، ويلزم أن تبدأ الوصية للفقير على الوصية للغني وذلك خلاف الإجماع ، وإنما الاختلاف المعلوم في الصدقة المبتلة في المرض والوصية هل يتحاصان أو تبدأ الصدقة المبتلة من أجل أنه إن صح لزمته فروى الحارث عن ابن وهب قال سمعت مالكا يقول في الرجل يتصدق بالصدقة في مرضه ويوصي لناس بوصايا ثم يموت فيريد أهل الوصايا أن يدخلوا على المتصدق عليه قال لا أرى ذلك لهم ; لأنه لو عاش ثم أراد أن يرجع في صدقته لم يكن له ذلك ومثل هذا في المختصر الكبير لابن عبد الحكم عن مالك ومثل هذا في كتاب ابن حبيب وقد اختلف قول مالك في هذا الأصل انتهى . فحاصله أن الصدقة المبتلة ، ومثلها العطية المبتلة يقدمان على الوصايا على القول المروي عن مالك وعن أكثر أصحابه ، وهل يقدمان على الموصى بعتقه اختار ابن القاسم تبدئة الموصى بعتقه ، والله أعلم .

                                                                                                                            وهل تحتاج العطية في المرض إلى حوز ففي المنتقى عدم احتياجها انظره فيه بعد يشير ، والله أعلم إلى قول الباجي في المنتقى في الوصايا في ترجمة الوصية في الثلث في شرح قوله في الحديث إياهم وثلث مالي قال لا فضل إن حملنا قوله أنا أتصدق بثلث مالي على بتل الصدقة في المرض ، والنبي عليه السلام منع من ذلك وعلى هذا فقهاء الأمصار أنه لا يجوز للمريض أن يبتل من ماله إلا ثلثه بصدقة أو هبة أو عتق أو محاباة في بيع ، فإن زاد على ذلك فالزيادة موقوفة ، فإن أفاق من مرضه ذلك لزمه جميعه ، وإن مات من مرضه ذلك فحكمه حكم الوصية إن أجازه الورثة ، وإلا رد إلى الثلث ولا يعتبر في ذلك قبض الهبة ; لأن حكمه حكم الوصية وشذ أهل الظاهر ، وقالوا : يلزمه الجميع إذا قبض الهبة أو الصدقة انتهى . والمراد منه قوله : ولا يعتبر في ذلك قبض الهبة ; لأن حكمه حكم الوصية والوصية لا يشترط فيها الحوز فتأمل ذلك ، والله أعلم .

                                                                                                                            وألحق صاحب المقدمات بهذه الأربعة التي ذكرها المؤلف الموصى له بكتابته إذا عجل الكتابة ، والله أعلم .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            الخدمات العلمية