الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                            مواهب الجليل في شرح مختصر خليل

                                                                                                                            الحطاب - محمد بن محمد بن عبد الرحمن الرعينى

                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ص ( وندب لمن لم يحصله )

                                                                                                                            ش : قال في المدونة : ومن صلى وحده فله إعادتها في جماعة انتهى .

                                                                                                                            وقال المشذالي في حاشيته : هنا مسألة لا أعلمها منصوصة لأهل الفروع بل لأئمة الأصول ، وهي لو صلى وحده مثلا ظهر يوم الأحد ثم وجد جماعة ترتبت عليهم تلك الصلاة بعينها من يومها فقد نص ابن رشد ، وغيره أنه يصح لهم قضاؤها جماعة يوم اتفاقا ، ومن يومين قولان ، فهل يصح له إعادتها معهم ظاهر الكتاب : يجوز وعرضته على ابن عرفة فقال : ظاهر المدونة كما قلت ، والذي [ ص: 84 ] عندي : أنه لا يفعل قال : لأن تعليلهم الإعادة بتحصيل فضيلة الوقت يقتضي اختصاص الإعادة بالوقت المشذالي إنما عللوا الإعادة بتحصيل فضيلة الجماعة ، وذلك مقتضى الإعادة في المسألة المفروضة انتهى .

                                                                                                                            ويمكن أن يقال : الإعادة لتحصيل فضيلة الجماعة ، وذلك إنما هو في الوقت أما لو صلى شخص في الوقت وحده ثم وجد جماعة يصلون تلك الصلاة بعد الوقت فالظاهر أنه لا يطلب بالإعادة معهم فكذلك من صلى ظهر يوم الأحد ثم وجد جماعة يصلون تلك الصلاة ; لأنهم قد صرحوا بأن السلام من الفائتة يخرج وقتها ، والله أعلم .

                                                                                                                            وانظر قوله : يصح لهم قضاؤها جماعة ظاهره أنهم لا يطلبون به ، وقد صرح البرزلي بأنهم يطلبون بذلك في رسم ضاع من سماع عيسى كما تقدم في أول الباب ، والله أعلم .

                                                                                                                            ثم رأيت لسند التصريح بأن الإعادة لتحصيل فضيلة الجماعة مختصة بالوقت ذكره في الكلام على من أخطأ القبلة ونصه إثر قول الإمام : مسألة فيمن لم يعلم بأنه صلى إلى غير القبلة حتى فرغ من الصلاة أنه يعيد في الوقت ، فإن خرج الوقت ، فلا يعيد ، أما قول مالك - رحمه الله - : يعيد في الوقت فقد بينا أن إعادة الصلاة في وقت الأداء على الوجه الأكمل مرغب فيه في الشرع ، وله إعادة الفذ في جماعة ما دام وقت الصلاة ، ولا يعيد إذا خرج الوقت انتهى .

                                                                                                                            ، وقال ابن عرفة : والمذهب لمن صلى جماعة أن يعيد في جماعة بأحد المساجد الثلاث لا غيرها انتهى .

                                                                                                                            ونقله أبو عمر بن عبد البر في التمهيد في الحديث التاسع عشر لزيد بن أسلم عن مالك ثم قال ابن عرفة : إن صلاها في أحد المساجد الثلاث فذا إنه لا يعيدها في جماعة إثر كلامه السابق ، ونقله ابن بشير عن ابن حبيب فقط قصور وإلزام ، اللخمي عليه إعادة جامع في غيرها فذا فيها يرد بأن جماعتها أفضل من فذها وتمسك المازري معه بقوله فيها : من أتى أحد المساجد الثلاث ، وقد جمع فيه راجيا جماعة في غير صلاته فذا فيه أفضل منها جماعة في غيره يرد بأنه لا يلزم من ترجيح فعل مفضول عنه جواز إعادته بعد فعل مفضوله ; لأنه حكم مضى كترجيح جماعة كبرى على صغرى ، وإمام فاضل على مفضول بل اللازم أحروية إعادة فذ فيه ; لأن الفذ يعيد في جماعة في غيرها انتهى .

                                                                                                                            ونقله ابن ناجي وقيد به المدونة ، وقال الرجراجي من صلى في جماعة بأحد المساجد الثلاث ، فلا خلاف بين كل مخالف وموافق أنه لا يعيدها في جماعة لحصول المقصود بالمضعفة ، فإذا كنا نقول : إن صلاها في أحد المساجد الثلاث فذا أنه لا يعيدها في جماعة في غيرها ، فإذا صلاها في جماعة أولى فإن صلاها في ثلاثة في غير المساجد الثلاث ثم أدرك تلك الصلاة في أحد المساجد الثلاث ، فلا إشكال أنه يعيدها ; لأنا نأمره بالإعادة في الجماعة إذا صلى فذا ليحصل له خمس وعشرون درجة فكيف لا نأمره بالإعادة في الجماعة إذا صلى فذ ليحصل له الألف والمئون فإن صلاها في جماعة ثم أدركها في جماعة أخرى في غير المساجد الثلاث ، فهل يعيدها فهذا مما اختلف فيه فقهاء الأمصار ، فذهب مالك وأبو حنيفة إلى أنه لا يعيدها وذهب أحمد وداود إلى أنه يعيد انتهى .

                                                                                                                            قال في النوادر : ومن مختصر الواضحة قال عبد الملك : ومن صلى في بيته أو غير بيته مع رجل فصاعدا ثم أتى المسجد هو والذي صلى معه فأقيمت الصلاة فليخرج ، ولا يصليها معهم ، وكذلك من صلى في جماعة في مسجد أو غير مسجد لم يعدها في جماعة إلا تكون التي صلى في جماعة بمكة أو المدينة أو بإيلياء ثم دخل المسجد الحرام أو مسجد النبي صلى الله عليه وسلم أو بيت المقدس فوجدهم في الصلاة أو أقيمت عليه تلك فإنه يؤمر أن يصلي معهم ، وذلك لفضل الصلاة فيها على غيرها واستحب مالك لمن صلى في جماعة في غير هذه المساجد ثم دخل هذه المساجد ، وهم في الصلاة أن يصليها معهم ، وكذلك قال مالك أيضا فيمن أتى مسجدا فوجد أهله قد فرغوا من الصلاة فطمع أن يدركها في مسجد آخر أو في جماعة يجمعها معهم ، فلا بأس أن يخرج إن أحب ويذهب إلى [ ص: 85 ] حيث يرجو إدراك الصلاة فيه مع الجماعة إلا أن يكون ذلك في أحد المساجد الثلاث المفضلة ، فلا يخرج عنها وليصل وحده فيها فإن صلاته فيها فذا خير من الجماعة في غيرها انتهى .

                                                                                                                            ، وقال في الذخيرة قال صاحب الطراز : قال ابن حبيب يعيد من صلى مع الواحد في المسجد الحرام ومسجد المدينة وبيت المقدس لفضل تلك البقاع ، وظاهر المذهب : خلافه انتهى .

                                                                                                                            ونص كلام صاحب الطراز قال : مالك : كل من صلى في جماعة ، وإن لم يكن معه إلا واحد ، فلا يعيد تلك الصلاة في جماعة أخرى قال ابن حبيب : إلا أن يكون صلى جماعة بمكة أو بالمدينة أو بيت المقدس فإنه يصلي معهم ، وذلك لفضل الصلاة فيها على غيرها ، وحكي مثله عن مالك ، وظاهر المذهب : يخالف ما قال ، فإنه يمنع إعادة ذلك في سائر الكتب المذهبية ، ولا يستفصل ، وإنما يعرف في المذهب أن الصلاة فرادى في هذه المساجد أفضل من الجماعة في غيرها ، وذلك ; لأن مالكا - رحمه الله تعالى - قال فيمن تفوته جماعة المسجد : إنه يخرج إلى جماعة أخرى إلا المسجد الحرام أو مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى آخر ما تقدم ، فلا يبعد في هذا أن يعيدها في جماعة من جمع في غيرها ، وله وجه بين ; لأن صلاة الجماعة لما تضاعفت على صلاة الفذ بخمس وعشرين درجة أعيدت صلاة الفذ في جماعة لتحصيل هذا التضعيف فكيف بما يضاعف ألف ضعف انتهى .

                                                                                                                            فانظر قول القاضي سند ومن تبعه أن قول ابن حبيب خلاف ظاهر المذهب ، وكذا اللخمي مع أن المنصوص في ذلك لمالك كما تقدم عن ابن عبد البر والنوادر ولذا اعترض ابن عرفة على ابن بشير ومن تبعه لعزوهم ذلك لابن حبيب مع أنه المذهب والله أعلم .

                                                                                                                            ( تنبيهات الأول ) مسجد بيت المقدس لم ينص عليه مالك في الأم ، وإنما هو رأي ابن القاسم ، ونصها قال مالك : إذا أتى الرجل المسجد ، وقد صلى أهله ، وطمع أن يدرك جماعة أخرى من الناس في مسجد آخر أو غير مسجد ، فلا بأس أن يخرج إلى تلك الجماعة قال ، وإن أتى قوم ، وقد صلى أهل المسجد ، فلا بأس أن يخرجوا من المسجد فيجمعوا ، وهم جماعة إلا أن يكون المسجد الحرام أو مسجد الرسول ، فلا يخرجوا وليصلوا وحدانا ; لأن المسجد الحرام ومسجد الرسول أعظم أجرا لهم من صلاتهم في الجماعة ، قال ابن القاسم وأرى مسجد بيت المقدس مثله مالك عن عبد الرحمن بن المجبر قال دخلت مع سالم بن عبد الله مسجد الجحفة ، وقد فرغوا من الصلاة فقالوا : ألا نجمع الصلاة فقال سالم : لا تجمع صلاة واحدة في مسجد مرتين انتهى .

                                                                                                                            لفظ الأم ( الثاني ) قال عياض في التنبيهات : قال شيوخنا : معناه لمن قد دخل هذه المساجد لا لمن لم يدخلها ، وكذا جاء مفسرا في العتبية من سماع أشهب وابن نافع قال مالك : ومن لم يبلغ مسجد الرسول حتى صلى أهله له أن يجمع تلك الصلاة في غيره ، وهو ظاهر المدونة ; لأنه إنما تكلم على من دخل انتهى .

                                                                                                                            ، وقال ابن ناجي ( قلت ) ظاهر قوله : فليصلوا فيه أفذاذا ، وهو أعظم لأمرهم يقتضي أن الدخول وصف طردي ، وأنه إن لم يدخل فإنه يذهب إليه ويصلي فيه منفردا ، ولا يصلي دونه في جماعة ، وعلى هذا حمل ابن رشد قولها انتهى .

                                                                                                                            وقال اللخمي : لا مفهوم لقوله : أن يخرجوا انتهى .

                                                                                                                            ( الثالث ) قال الأقفهسي : لو صلى خلف إمام ثم تبين أنه محدث فإن صلاة المأموم صحيحة ، ولا يطلب منه إعادتها في جماعة ، ولو تبين أن المأموم محدث ، فهل يعيد الإمام في جماعة أم لا قولان انتهى .

                                                                                                                            وقال الجزولي إذا ذكر المأموم أنه صلى بلا وضوء فإن الإمام يعيد في جماعة ، وبعضهم توقف ، وتقدم عند قول المصنف في فصل السهو : وإن بعد شهر هل من أدرك التشهد فذا أو في جماعة ، والله أعلم .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            الخدمات العلمية