الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              ( تنبيه ) .

                                                                                                                              اختلف مشايخنا في نذر مقترض مالا معينا لمقرضه كل يوم ما دام دينه في ذمته فقال بعضهم : لا يصح لأنه على هذا الوجه الخاص غير قربة بل يتوصل به إلى ربا النسيئة ، وقال بعضهم يصح ؛ لأنه في مقابلة حدوث نعمة ربح القرض إن اتجر فيه أو اندفاع نقمة المطالبة إن احتاج لبقائه في ذمته لإعسار أو إنفاق ؛ ولأنه يسن للمقترض أن يرد زيادة عما اقترضه فإذا التزمها بنذر انعقد ولزمته فهو حينئذ مكافأة إحسان ، لا وصلة للربا إذ هو لا يكون إلا في عقد كبيع ، ومن ثم لو شرط عليه النذر في عقد القرض كان ربا ا هـ وقد يجمع بحمل الأول على ما إذا قصد أن نذره ذلك في مقابلة الربح الحاصل له [ ص: 80 ] والثاني على ما إذا جعله في مقابلة حصول النعمة أو اندفاع النقمة المذكورين ويتردد النظر في حالة الإطلاق والأقرب الصحة ؛ لأن إعمال كلام المكلف حيث كان له محمل صحيح خير من إهماله وما مر عن القفال في إن جامعتني والحاصل بعده يؤيد ما ذكرته من الجمع فتأمله .

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              حاشية ابن قاسم

                                                                                                                              ( قوله : وقال بعضهم : يصح ) وأفتى به شيخنا الشهاب الرملي . ( قوله : وقال بعضهم يصح ؛ لأنه في مقابلة حدوث نعمة ربح القرض إلخ ) وذهب بعضهم إلى الفرق بين مال اليتيم وغيره ولا وجه له ولو اقتصر على قوله في نذره ما دام مبلغ القرض في ذمته ، ثم دفع المقترض شيئا منه بطل حكم النذر ؛ لانقطاع الديمومة ش م ر .



                                                                                                                              حاشية الشرواني

                                                                                                                              ( قوله : اختلف ) إلى قوله انتهى في النهاية ( قوله مشايخنا ) عبارة النهاية من أدركناه من العلماء . ا هـ . ( قوله : ما دام دينه ) أو شيء منه ولو اقتصر على قوله في نذره ما دام مبلغ القرض في ذمته ثم دفع المقترض شيئا منه بطل حكم النذر لانقطاع الديمومة . ا هـ . نهاية قال ع ش : ولو دفع للمقرض مالا مدة ولم يذكر له حال الإعطاء أنه عن القرض أو النذر ثم بعد مدة ادعى أنه نوى دفعه عن القرض قبل منه فإن كان المدفوع استغرق القرض سقط حكم النذر من حينئذ وله مطالبته بمقتضى النذر إلى براءة ذمته بخلاف ما لو ذكر حال الدفع فلا يقبل دعواه بعد أن قصد غيره وكاعترافه بأنه عن نذر القرض ما جرت به العادة من كتابة الوصولات المشتملة على أن المأخوذ عن نذر المقرض حيث اعترف حال كتابتها أو بعدها بما فيها . ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله : وقال بعضهم يصح إلخ ) وأفتى به الوالد رحمه الله تعالى وذهب بعضهم إلى الفرق بين مال اليتيم وغيره ولا وجه له أي : الفرق . ا هـ . نهاية ( قوله : يصح ؛ لأنه في مقابلة إلخ ) ومحل الصحة حيث نذر لمن ينعقد [ ص: 80 ] نذره له بخلاف ما لو نذر لأحد بني هاشم والمطلب فلا ينعقد لحرمة الصدقة الواجبة كالزكاة والنذر والكفارة عليهم ومر أنه لو نذر شيئا لذمي أو مبتدع جاز صرفه لمسلم أو سني وعليه فلو اقترض من ذمي ونذر له بشيء ما دام دينه في ذمته انعقد نذره لكن يجوز دفعه لغيره من المسلمين فتفطن له فإنه دقيق وهذا بخلاف ما لو اقترض الذمي من مسلم ونذر له ما دام الدين عليه فإنه لا يصح نذره لما مر من أن شرط الناذر الإسلام . ا هـ . ع ش وأقره البجيرمي

                                                                                                                              أقول ما قاله ثانيا من جواز إبدال ذمي بمسلم هنا مخالف لما مر عن سم من أن محله في غير المعين وإلا امتنع ا هـ وما قاله أولا من عدم انعقاد النذر لأحد بني هاشم والمطلب فيه توقف لاحتمال أن المراد بحرمة النذر عليهم النذر لغير المعين فيكون ذلك مستثنى من قولهم إن الواجب بالنذر كالواجب بالشرع كبقية المستثنيات

                                                                                                                              وقد يؤيده انعقاد النذر لكافر معين مع أنه لا يجوز صرف التصدق المنذور على أهل بلد للكافر منهم ولا صرف الواجب بالشرع له فليراجع ثم رأيت تأليفا للسيد عبد الله بن عمر المشهور بصاحب البقرة بسط فيه أدلة واضحة ونقولا سديدة مصرحة بأن النذر لأهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم صحيح لا شك فيه ولا خلاف فيه في مذهب الشافعي وإنما الخلاف في النذر المطلق أو المقيد بكونه لنحو الفقراء فجرى شيخ الإسلام والتحفة والنهاية والمغني على أنه كالزكاة فيحرم على أهل البيت ورجح السيد السمهودي والسيد عمر البصري ومحمد بن أبي بكر بافضل أنه لا يحرم عليهم فمتى قيد الناذر نذره بأهل البيت إما بلفظه أو قصده أو اطراد العرف بالصرف إليهم صح النذر لهم سواء كان القيد خاصا بهم ذاتيا كفلان وبني فلان أو وصفيا كعلماء بلد كذا وليس بها عالم من غيرهم أو شاملا لهم ولغيرهم كعلماء بلد كذا وفيها علماء منهم ومن غيرهم ثم قال بعد أن بين أن كلام شيخ الإسلام والتحفة والنهاية والمغني إنما هو في النذر المطلق والنذر المقيد بنحو الفقراء وأثبته بأدلة من كلامهم وكلام غيرهم

                                                                                                                              وبهذا تبين فساد قول ع ش في حاشية النهاية في نذر المقترض لمقرضه ومحل الصحة حيث نذر إلخ ونحو ذلك من عبارات المتأخرين عن ابن حج والرملي فإنهم فهموا ذلك من كلام الأذرعي والتحفة والنهاية وهو فهم فاسد يرده ما أسلفناه وانتقال من عدم الصرف لأهل البيت من نذر صح إلى أن النذر لا ينعقد لهم وشتان ما بينهما . ا هـ . عبارة باصبرين في حاشية فتح المعين قوله : ما لم يعين شخصا أي : وإلا فيتعين صرفه إلى ذلك الشخص ولو كان من بني هاشم وبني عبد المطلب فنذر غير السيد للسيد بخصوصه ونذر السيد للسيد بخصوصه صحيح كنذر الوالد لولده وكالنذر لغني بخصوصه . ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله : على ما إذا جعله إلخ ) ينبغي أو قصد الإحسان برد الزائد المندوب له أخذا مما مر . ا هـ . سيد عمر ( قوله يؤيد ما ذكرته إلخ ) فيه تأمل فإن ما مر يؤيد الثاني على إطلاقه كما جرى عليه النهاية




                                                                                                                              الخدمات العلمية