الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              ( ويحرم ضرب الكوبة ) بضم أوله ويحرم استماعه أيضا ( وهي طبل طويل ضيق الوسط ) واسع الطرفين لكن أحدهما الآن أوسع من الآخر الذي لا جلد عليه للخبر الصحيح { أن الله حرم الخمر والميسر } أي : القمار والكوبة ؛ ولأن في ضربها تشبها بالمخنثين فإنه لا يعتادها غيرهم وتفسيرها بذلك هو الصحيح خلافا لمن فسرها بالنرد وقضية كلامه حل ما عداها من الطبول وهو كذلك وإن أطلق العراقيون تحريم الطبول واعتمده الإسنوي فقال : الموجود لأئمة المذهب تحريم الطبول ما عدا الدف ( لا الرقص ) فلا يحرم ولا يكره ؛ لأنه مجرد حركات على استقامة أو اعوجاج ؛ ولأنه صلى الله عليه وسلم أقر الحبشة عليه في مسجده يوم عيد رواه الشيخان واستثنى بعضهم أرباب الأحوال فلا يكره لهم وإن قلنا بكراهته التي جرى عليها جمع ورده البلقيني بأنه إن كان باختيارهم فهم كغيرهم وإلا فليسوا مكلفين ، ثم اعتمد القول بتحريمه إذا كثر بحيث أسقط المروءة وما ذكره آخرا فيه نظر وأولا واضح جلي يجب طرده في سائر ما يحكى عن الصوفية مما يخالف ظواهر الشرع فلا يحتج به ؛ لأنه إن صدر عنهم في حال تكليفهم [ ص: 222 ] فهم كغيرهم أو مع غيبتهم لم يكونوا مكلفين به وقد مر في الردة في رد كلام اليافعي ما يجب استحضاره هنا ونقل الإسنوي عن العز بن عبد السلام أنه كان يرقص في السماع يحمل على مجرد القيام والتحرك لغلبة وجد وشهود وارد أو تجل لا يعرفه إلا أهله نفعنا الله بهم آمين ، ومن ثم قال الإمام إسماعيل الحضرمي في موقف الشمس لما سئل عن قوم يتحركون في السماع هؤلاء قوم يروحون قلوبهم بالأصوات الحسنة حتى يصيروا روحانيين فهم بالقلوب مع الحق وبالأجساد مع الخلق ومع هذا فلا يؤمن عليهم العدو فلا يرى عليهم فيما فعلوا ولا يقتدى بما قالوا . ا هـ .

                                                                                                                              وعن بعضهم تقبل شهادة الصوفية الذين يرقصون على الدف لاعتقادهم أن ذلك قربة كما تقبل شهادة حنفي شرب النبيذ لاعتقاده إباحته وكذا كل من فعل ما اعتقد إباحته . ا هـ .

                                                                                                                              ورد بأنه خطأ قبيح ؛ لأن اعتقاد الحنفي نشأ عن تقليد صحيح ولا كذلك غيره وإنما منشؤه الجهل والتقصير فكان خيالا باطلا لا يلتفت إليه ( إلا أن يكون فيه تكسر كفعل المخنث ) بكسر النون وهو أشهر وفتحها وهو أفصح فيحرم على الرجال والنساء وإن نازع فيه الإسنوي وغيره وهو من يتخلق بخلق النساء حركة وهيئة وعليه حملت الأحاديث بلعنه ، أما من يفعل ذلك خلقة من غير تكلف فلا يأثم به

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              حاشية ابن قاسم

                                                                                                                              ( قوله : لا الرقص ) سيأتي تفصيل إسقاط الرقص المروءة ( قوله : ثم اعتمد القول بتحريمه ) والأوجه خلافه ش م ر



                                                                                                                              حاشية الشرواني

                                                                                                                              ( قوله : بضم أوله ) أي : وإسكان الواو مغني . ( قوله : لكن أحدهما الآن إلخ ) عبارة النهاية ومنه أيضا الموجود في زمننا ما أحد طرفيه أوسع إلخ قال ع ش أفاد التعبير بمنه أن الكوبة لا تنحصر فيما سد أحد طرفيه بالجلد دون الآخر بل هي شاملة لذلك ولما لو سد طرفاه معا . ا هـ .

                                                                                                                              . ( قوله : وتفسيرها بذلك إلخ ) عبارة المغني قال في المهمات : تفسير الكوبة بالطبل خلاف المشهور في كتب اللغة قال الخطابي : غلط من قال إنها الطبل بل هي النرد . ا هـ .

                                                                                                                              لكن في المحكم الكوبة الطبل والنرد فجعلها مشتركة بينهما فلا يحسن التغليط . ا هـ .

                                                                                                                              . ( قوله : وقضية كلامه إلخ ) عبارة المغني قضية كلامه إباحة ما عداها من الطبول من غير تفصيل كما قاله صاحب الذخائر قال الأذرعي : لكن مرادهم ما عدا طبول اللهو كما صرح به غير واحد وممن جزم بتحريم طبول اللهو العمراني وابن أبي عصرون وغيرهما . ا هـ .

                                                                                                                              وفيه ميل إلى ما قاله الأذرعي خلافا للشارح والنهاية وكذا مال إليه الأسنى حيث قال في شرح قول الروض ولا يحرم من الطبول إلا الكوبة ما نصه ونازع الإسنوي في الحصر المذكور فقال : هذا ما ذكره الغزالي فتبعه عليه الرافعي والموجود لأئمة المذهب هو التحريم فيما عدا الدف ورده الزركشي بأن أكثرهم قيدوه بطبل اللهو قال : ومن أطلق التحريم أراد به اللهو أي فالمراد إلا الكوبة ونحوها من الطبول التي تراد للهو . ا هـ .

                                                                                                                              . ( قوله : حل ما عداها إلخ ) دخل فيه ما يضربه الفقراء ويسمونه طبل الباز ومثله طبلة المسحر فهما جائزان ع ش عبارة البجيرمي والقاعدة أن كل طبل حلال إلا الكوبة المذكورة ، وكل مزمار حرام ولو من برسيم أو قربة إلا مزمار النفير للحجاج قال الحلبي : وكل ما حرم حرم التفرج عليه ؛ لأنه إعانة على المعصية وهل من الحرام لعب البهلوان واللعب بالحيات والراجح الحل حيث غلبت السلامة ويجوز التفرج على ذلك انتهى . ا هـ .

                                                                                                                              وقوله إن كل طبل حلال إلا الكوبة قد مر ما فيه . ( قوله : واعتمده الإسنوي إلخ ) تقدم رده آنفا عن الأسنى ( قول المتن لا الرقص ) سيأتي تفصيل إسقاط الرقص المروءة سم . ( قوله : فلا يحرم ) إلى قوله ، ثم اعتمد في المغني وإلى قوله ؛ لأنه إن صدر في النهاية . ( قوله : ولا يكره ) بل يباح مغني وشيخ الإسلام . ( قوله : واستثنى بعضهم إلخ ) عبارة المغني وقيل يكره وجرى عليه القفال وفي الإحياء التفرقة بين أرباب الأحوال الذين يقومون بوجد فيجوز لهم أي بلا كراهة ويكره لغيرهم قال البلقيني : ولا حاجة لاستثناء أرباب الأحوال ؛ لأنه ليس باختيار فلا يوصف بإباحة ولا غيرها . ا هـ .

                                                                                                                              وهذا ظاهر إذا كانوا موصوفين بهذه الصفة وإلا فتجد أكثر من يفعل ذلك ليس موصوفا بهذه ولذا قال ابن عبد السلام : الرقص لا يتعاطاه إلا ناقص العقل ولا يصلح إلا للنساء . ا هـ .

                                                                                                                              . ( قوله : جمع ) منهم القفال كما [ ص: 222 ] مر آنفا . ( قوله : فهم كغيرهم ) أي في الإباحة على الراجح والكراهة على خلافه . ( قوله : ثم اعتمد القول بتحريمه إلخ ) والأوجه خلافه نهاية ولكن ترد به الشهادة كما يأتي ع ش . ( قوله : وما ذكره آخرا ) أي اعتماد القول بتحريمه إذا كثر إلخ وقوله وأولا أي الرد بأنه إن كان إلخ . ( قوله : لأنه إن صدر إلخ ) الأخصر المناسب لاحتمال صدوره عنهم بغير اختيار . ( قوله : يحمل ) أي المنقول . ( قوله : هؤلاء قوم إلخ ) مقول القول . ( قوله : العدو ) أي الشيطان والنفس . ( قوله : فلا يرى ) أي لا يعترض . ( قوله : بما قالوا ) أي وفعلوا . ( قوله : وعن بعضهم تقبل إلخ ) قد يؤيد قول هذا البعض قبول شهادة المبتدع الذي لا يكفر ببدعته بالأولى ، ولا يرد عليه قول الشارح ورد بأنه إلخ فتدبره إن كنت من أهله . ا هـ .

                                                                                                                              سيد عمر أقول قد يفرق بوجوب تقليد غير المجتهدين له بالاتفاق في الفروع وعدمه في الأصول وأيضا قد تقدم عن المغني عن السبكي ما يوافق الرد المذكور بزيادة تشديد . ( قوله : بكسر النون ) إلى قوله وروى الخطيب في النهاية إلا قوله : وإن نازع فيه الإسنوي وغيره وكذا في المغني إلا ما أنبه عليه . ( قوله : وهو أشهر وفتحها وهو أفصح ) وفي البجيرمي عن عبد البر عكسه ، ويوافقه قول المغني وهو بكسر النون أفصح من فتحها وبالمثلث من يتخلف إلخ وفي ع ش ما نصه قد يتوقف في كونه أي الفتح أفصح بل في صحته مع تفسيره بالمتشبه بالنساء فإنه يقتضي تعين الكسر إلا أن يقال في توجيه الفتح أن غير الفاعل يشبه الفاعل بالنساء فيصير معناه مشتبه بالنساء . ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله : فيحرم على الرجال إلخ ) ومما عمت به البلوى ما يفعل في وفاء النيل من رجل يزين بزينة امرأة ويسمونه عروس البحر فهذا ملعون فقد { لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المتشبهين من الرجال بالنساء } فيجب على ولي الأمر وكل من له قدرة على إزالة ذلك منعه منه مغني وفي هامشه بلا عزو ما نصه ومنه أيضا ما يفعل في الأفراح من تزيين شاب أمرد بفاخر زينة النساء وتحركه بحركتهن ، ورفع صوته بكلامهن بل ويأتي هو ورفقته بأقبح من فعالهن ، وأشنع من كلامهن ويسمون ذلك خيال شاميات قبحهم الله وجلساءهم أهل الضلالات المقرين لهم على تلك القبيحات المحرمات . ا هـ .

                                                                                                                              . ( قوله : حركة إلخ ) أي فيها مغني ( قوله : وهيئة ) الواو بمعنى أو ع ش أي كما عبر به المغني ( قوله : وعليه ) أي تكلف ذلك




                                                                                                                              الخدمات العلمية