الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              ( تنبيه ) أطلقوا الغائب وقيدوا الحاضر بالبلد فاقتضى أن المراد بالغائب الغائب عن البلد ولو لدون مسافة العدوى ثم قالوا وهو قضاء على غائب فاقتضى أنه بمسافة العدوى وحينئذ تنافى مفهوما الحاضر والغائب فيمن بدون مسافة العدوى والذي يتجه فيه أنه كالحاضر فإن سهل سؤاله وجب ورتب عليه ما مر وإن لم يسهل وقف الأمر إلى حضوره ولا تسمع عليه حجة إلا نحو تعزز أو توار ثم انصراف الخصومة عنه في الصور السابقة والوقف إلى قدوم الغائب إنما هو بالنسبة للعين المدعاة أما بالنسبة لتحليفه فلا إذ للمدعي طلب يمينه أنه لا يلزمه التسليم إليه فإن نكل حلف المدعي وأخذ بدل العين المدعاة بناء على الأظهر السابق أواخر الإقرار أنه لو أقر له به غرم له بدله للحيلولة بينهما بإقراره الأول ولو أقام المدعي بينة بدعواه والمدعى عليه بينة بأنها للغائب عمل بينته إن ثبتت وكالته وإلا لم تسمع بالنسبة لثبوت ملك الغائب . والحاصل أن المقر متى زعم أنه وكيل الغائب احتاج في ثبوت الملك للغائب إلى إثبات وكالته وأن العين ملك الغائب فإن أقامها بالملك فقط لم تسمع إلا لدفع التهمة عنه [ ص: 310 ] وكذا لو ادعى لنفسه حقا فيها كرهن مقبوض وإجارة فتسمع بينته أنها ملك فلان الغائب ؛ لأن حقه لا يثبت إلا إن ثبت ملك الغائب فيثبت ملكه بهذه البينة ووقع هنا لغير واحد من الشراح ما لا ينبغي فاحذره .

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              حاشية ابن قاسم

                                                                                                                              ( قوله : والحاصل أن المقر متى زعم أنه وكيل الغائب إلخ ) في الروض في هذا البحث المسألة السادسة يطالب المدعى عليه بالكفيل بعد قيام البينة وإن لم تعدل لا قبلها فإن لم يكفل أي : يقيم كفيلا حبس قال في شرحه لامتناعه من إقامة كفيل لا لثبوت الحق وامتناعه منه ا هـ . ( قوله : فإن أقامها بالملك فقط لم تسمع إلخ ) عبارة الروض وشرحه فإن لم يثبت أي : يقيم بينة بوكالة له عن الغائب وأثبت أي : أقام بينة بالملك للغائب سمعت بينته لا لتثبت العين للغائب ؛ لأنه ليس نائبا عنه بل ليندفع عنه اليمين وتهمة الإضافة إلى الغائب سواء تعرضت بينته لكونهما في يده بعارية أو غيرها أم لا فهذه الخصومة خصومة للمدعي [ ص: 310 ] مع المدعى عليه وللمدعي مع الغائب خصومة أخرى ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله : فتسمع بينته أنها ملك فلان الغائب ) قد يؤيد هذا ما تقدم بالهامش قبيل أو ادعى نكاحا عن ابن الصلاح والسبكي إلا أن يفرق



                                                                                                                              حاشية الشرواني

                                                                                                                              ( قوله [ ص: 309 ] بمسافة العدوى ) صوابه فوق مسافة العدوى ( قوله ثم انصراف الخصومة ) إلى قوله وكذا في المغني وإلى قوله أي أو كان عينا في النهاية . إلا قوله ووقع إلى التنبيه . ( قوله في الصور إلخ ) لعل الجمع نظرا لما أفاده الشارح بقوله : ثم التقييد به إلخ وقوله : والذي يتجه إلخ ، وإلا فما تقدم في المتن إلا صورة واحدة هي ما إذا أقر لحاضر ثم رأيت قال الرشيدي : قوله في الصور لعله في الصورة بزيادة تاء بعد الراء أي : إذا أقر بهما لحاضر ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله أما بالنسبة لتحليفه فلا إلخ ) وفي الروض فرع لو ادعى على غيره ووقف دار بيده عليه ، وأقر بها ذو اليد لفلان وصدقه المقر له لم يكن له تحليف المقر ليغرمه أي قيمتها ؛ لأن الوقف لا يعتاض عنه وفيه نظر ا هـ . وفي شرحه ؛ لأن الوقف يضمن بالقيمة عند الإتلاف ، والحيلولة في الحال كالإتلاف ، أما إذا كذبه المقر له فيترك في يد المقر كما مر نظيره ، ولو أقام المقر له فيما مر بينة على الملك لم يكن للمدعي تحليف المقر ليغرمه ؛ لأن الملك استقر بالبينة ، وخرج الإقرار أن تكون الحيلولة به ، صرح به الأصل انتهى .

                                                                                                                              وقوله فيما مر كأنه إشارة إلى قوله قبل الفرع المذكور ، وله أي للمدعي تحليفه أي المدعى عليه حيث انصرفت الخصومة عنه أي : بأن أقر بالمدعى به لغائب أنه لا يلزمه تسليمها إليه ، أو أن ما أقر به ملك للمقر له رجاء أن يقر أو ينكل فيحلف ويغرمه القيمة بناء على أن من أقر بشيء لشخص بعدما أقر به لغيره يغرم القيمة للثاني انتهى . وبهذا يظهر إشكال قوله السابق عن فتاوى القفال ثم تدعي الزوجة عليه إن أريد على الزوج المقر للتحليف فليتأمل سم . أي : وأما إذا رجع الضمير إلى المدعي كما هو الأقرب ، فلا إشكال ، بل الظاهر عدم صحة رجوع الضمير للزوج المقر فتأمل .

                                                                                                                              ( قوله إذ للمدعي طلب يمينه إلخ ) وحينئذ فلم يبق فرق بين قولنا : لا تنصرف عند الخصومة فيما مر وبين قولنا هنا : تنصرف ، إلا أن هناك يأخذ منه العين إذا أثبتها على ما مر فيه ، وهنا يأخذ بدلها مطلقا ، وإلا ففي كل من الموضعين يحلفه ويقيم عليه البينة كما علم رشيدي وفي قوله : ويقيم عليه إلخ بالنسبة للإقرار لمعين حاضر نظر ظاهر .

                                                                                                                              ( قوله أنه لا يلزمه التسليم إلخ ) عبارة المغني والروض مع شرحه : تنبيه للمدعي تحليف المدعى عليه حيث انصرفت الخصومة عنه أنه لا يلزمه تسليمها إليه ، أو أن ما أقر به ملك للمقر له رجاء أن يقر به له أو ينكل فيحل ويغرمه القيمة بناء على أن من أقر لشخص بشيء بعدما أقر به لغيره يغرم القيمة للثاني ، فإن نكل عن اليمين وحلف المدعي اليمين المردودة ، أو أقر له بالعين ثانيا أي : وأقر المقر له وغرم له القيمة ثم أقام المدعي بينة بالعين أو سلمت بعد نكول المقر له ، رد القيمة وأخذ العين ؛ لأنه أخذها للحيلولة وقد زالت ا هـ . زاد الأنوار على ذلك ما نصه : ولو رجع الغائب وكذب المقر في الإقرار له ، فالحكم كما لو أضاف إلى حاضر فكذبه ولو أقام المقر له الحاضر أو الغائب بعد الرجوع بينة بالملك لم يكن للمدعي تحليف المقر ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله أنه لو أقر له به إلخ ) أي بعد أن أقر به لآخر كما يعلم من قوله بإقراره الأول رشيدي ( قوله عمل ببينته ) أي المدعى عليه لزيادة قوتها إذا بإقرار ذي اليد له أسنى ومغني . ( قوله والحاصل إلخ ) وفي الروض في هذا المبحث المسألة السادسة يطالب المدعى عليه بالكفيل بعد قيام البينة ، وإن لم تعدل لا قبلها فإن لم يكفل أي يقم كفيلا حبس ا هـ . قال في شرحه : لامتناعه من إقامة كفيل لا لثبوت الحق وامتناعه منه انتهى ا هـ . سم . ( قوله فإن أقامها بالملك فقط لم تسمع إلخ ) عبارة المغني والروض مع شرحه : فإن لم يقم بينة بوكالته عن الغائب وأقام بينة بالملك ، سمعت بينته لا لتثبيت العين للغائب ؛ لأنه ليس نائبا عنه ، بل لتندفع عنه اليمين وتهمة الإضافة إلى الغائب ، سواء أتعرضت بينته لكونها في يده بعارية أو غيرها أم لا ، وهذه الخصومة خصومة للمدعي مع المدعى عليه ، وللمدعي [ ص: 310 ] مع الغائب خصومة أخرى انتهى ا هـ . سم .

                                                                                                                              ( قوله وكذا لو ادعى لنفسه حقا فيها إلخ ) وفاقا للنهاية وخلافا للروض وشرحه وللمغني والأنوار عبارته : وإن تعرضت أي بينة المقر مع ذلك أي : كونه ملكا للغائب لكونه في إجارة الحاضر أو رهنه سمعت لصرف الخصومة وانصراف التحليف ، ورجحت بينة المدعي ، فإذا حضر الغائب ، فإن أعاد البينة أو أقام غيرها قدمت على بينة المدعي ، وإن لم يقم فيقرر الملك على الملك ، ولو قال للقاضي : زد في الكتاب أنه عاد ولم يدع أو لم يقم البينة يلزمه الإجابة ا هـ . ( قوله فتسمع بينة إلخ ) أي إذا تعرضت لكونها في إجارة الحاضر أو رهنه أخذا مما مر عن الأنوار . ( قوله فيثبت ملكه بهذه البينة ) ولا ينافيه ما مر من أنه ليس له إثبات مال لغريمه حتى يأخذ دينه منه ؛ لأن محل ذلك في أصل العين الذي لا علقة له فيها ، وهنا في حق التوثق أو المنفعة مع تعلق حقه بها نهاية . وقوله : لأن محل ذلك إلخ أي على مختاره ، وأما عند الشارح فمحله في الدين كما مر في القضاء على الغائب ويأتي في ضابط الحالف .




                                                                                                                              الخدمات العلمية