الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              ( وطين الشارع ) [ ص: 130 ] يعني محل المرور ولو غير شارع كما هو ظاهر ( المتيقن نجاسته ) ولو بمغلظ ما لم تبق عينه متميزة وإن عمت الطريق على الأوجه خلافا للزركشي لندرة ذلك فلا يعم الابتلاء به وفارق ما مر نحو ما لا يدركه طرف وما يأتي في دم الأجنبي بأن عموم الابتلاء به هنا أكثر بل يستحيل عادة الخلو هنا عنه بخلافه في تلك الصور وكالتيقن إخبار عدل رواية به ( يعفى عنه ) أي في الثوب والبدن وإن انتشر بعرق أو نحوه مما يحتاج إليه نظير ما يأتي دون المكان كما هو ظاهر إذ لا يعم الابتلاء به فيه ( عما يتعذر الاحتراز عنه غالبا ) بأن لا ينسب صاحبه لسقطة أو قلة تحفظ وإن كثر كما اقتضاه قول الشرح الصغير لا يبعد أن يعد اللوث في جميع أسفل الخف وأطرافه قليلا بخلاف مثله في الثوب والبدن ا هـ . أي أن زيادة المشقة توجب عد ذلك قليلا وإن كثر عرفا فما زاد على الحاجة هنا هو الضار وما لا فلا من غير نظر لكثرة ولا قلة وإلا لعظمت المشقة جدا فمن عبر بالقليل كالروضة أراد ما ذكرناه ( ويختلف ) ذلك ( بالوقت وموضعه من الثوب والبدن ) فيعفى في زمن الشتاء وفي الذيل والرجل عما لا يعفى عنه في زمن الصيف وفي اليد والكم سواء في ذلك الأعمى وغيره كما يصرح به إطلاقهم نظرا لما من شأنه من غير خصوص شخص بعينه ومع العفو عنه لا يجوز تلويث نحو المسجد بشيء منه وخرج بالمتيقن نجاسته [ ص: 131 ] مظنونها منه ومن نحو ثياب خمار وقصاب وكافر متدين باستعمال النجاسة وسائر ما تغلب النجاسة في نوعه فكأنه طاهر للأصل نعم يندب غسل ما قرب احتمال نجاسته وقولهم من البدع المذمومة غسل الثوب الجديد محمول على غير ذلك .

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              حاشية ابن قاسم

                                                                                                                              ( قوله أي في الثوب والبدن ) وبحث الزركشي وغيره العفو عن قليل منه متعلق بالخف وإن مشى فيه بلا نعل شرح م ر وأقول قد يقال قياس هذا البحث العفو عن قليل تعلق بالرجل إذا مشى فيه حافيا ( قوله والرجل ) هل وإن مشى حافيا ( قوله تلويث نحو المسجد ) ظاهره وإن كان من ضرورة الصلاة في المسجد .



                                                                                                                              حاشية الشرواني

                                                                                                                              قول المتن ( وطين الشارع إلخ ) خرج به عين النجاسة كالبول الذي بالشارع قبل اختلاطه بطينه فلا يعفى عن شيء منه ومثله ما لو نزل كلب في حوض مثلا أو نزل عليه مطر أو ماء رشه السقاء وانتفض وأصاب المارين منه شيء فلا يعفى عنه ونقل عن شيخنا الشيخ سالم الشبشيري العفو عما تطاير من طين الشوارع عن ظهر الكلب لمشقة الاحتراز عنه وفيه وقفة ومثله أيضا ما جرت عادة الكلاب به من طلوعهم على الأسبلة ورقودهم في محل وضع الكيزان وهناك رطوبة من أحد الجانبين فلا يعفى عنه ومما يشمله طين الشارع ما يقع من المطر أو الرش في الشوارع وتمر فيه الكلاب وترقد فيه بحيث يتيقن نجاسته بل ، وكذا لو بالت فيه واختلط بولها بطينه أو مائه بحيث لم يبق للنجاسة عين متميزة فيعفى منه عما يعسر الاحتراز عنه فلا يكلف غسل رجليه منه وينبغي أن مثل ذلك في العفو ما وقع السؤال عنه من ممشاة لمسجد برشيد متصلة بالبحر وطولها نحو مائة ذراع ترقد عليها الكلاب [ ص: 130 ] وهي رطبة لمشقة الاحتراز عن ذلك ويحتمل عدم العفو فيما لو مشى على محل تيقن نجاسته منها ، وهو الأقرب ويفرق بينه وبين طين الشارع بعموم البلوى في طين الشارع دون هذا إذ يمكن الاحتراز عن المشي عليها دون الشارع ع ش وفي الكردي والبجيرمي ومثل طينه ماؤه ا هـ . وفيما مر عن ع ش ما يفيده ( قوله يعني ) إلى قوله وإن عمت في النهاية ( قوله يعني محل المرور إلخ ) أي المعد لذلك كما هو ظاهر رشيدي وعبارة ع ش أي المحل الذي عمت البلوى باختلاطه بالنجاسة كدهليز الحمام وما حول الفساقي مما لا يعتاد تطهيره إذا تنجس كما يؤخذ من قول المصنف عما يتعذر الاحتراز عنه غالبا ، وأما ما جرت العادة بحفظه وتطهيره إذا أصابته نجاسة فلا ينبغي أن يكون مرادا من هذه العبارة بل متى تيقنت نجاسته وجب الاحتراز عنه ولا يعفى عن شيء منه ومنه ممشاة الفساقي فتنبه له ولا تغتر بما يخالفه ا هـ .

                                                                                                                              وبذلك يندفع ما كتبه السيد البصري هنا من الإشكال ( قوله ولو بمغلظ ) أي ولو دم كلب وإن لم يعف عن المحض منه وإن قل ع ش ( قوله وإن عمت إلخ ) أي النجاسة المتميزة العين بحيث يشق المشي في غير محلها ومنها تراب المقابر المنبوشة ع ش ( قوله خلافا للزركشي ) مال إليه النهاية عبارته ، نعم إن عمتها فللزركشي احتمال بالعفو وميل كلامه إلى اعتماده كما لو عم الجراد أرض الحرم ا هـ . قال ع ش قوله م ر وميل كلامه اعتماده معتمد وعبارته م ر على العباب أما لو عمت جميع الطريق فالأوجه العفو عنها وقد خالف فيه حج ا هـ . قال الكردي وكذا الشارح وافقه أي الزركشي في فتاويه فقال بالعفو فيما إذا عمت عين النجاسة جميع الطريق ولم ينسب صاحبه إلى سقطة ولا إلى كبوة وقلة تحفظ إلخ . ( قوله لندرة ذلك ) أي عموم الطريق ( قوله وفارق ) إلى المتن في النهاية ( قوله وفارق ) أي المغلظ المختلط بالطين حيث عفي عنه و ( قوله ما مر ) أي من أنه لا يعفى عن دم المغلظة .

                                                                                                                              ( قوله بل يستحيل إلخ ) لا سيما في موضع تكثر فيه الكلاب مغني ( قوله وكالتيقن إلخ ) إنما احتاج إلى هذا بالنسبة لمفهوم قول المصنف يعفى عنه إلخ لا لمنطوقه ؛ لأنه إذا عفي عن متيقن النجاسة من ذلك فمظنونها أولى رشيدي ( قوله أي في الثوب إلخ ) وبحث الزركشي وغيره العفو عن قليل منه تعلق بالخف وإن مشى فيه بلا نعل شرح م ر أقول قد يقال قياس هذا البحث العفو عن قليل تعلق بالقدم إذا مشى فيه حافيا سم و ع ش ( قوله نظير ما يأتي ) أي آنفا ( قوله دون المكان إلخ ) فإن صلى في الشارع المذكور لم تصح صلاته حيث لا حائل لملاقاته النجس ولا ضرورة للصلاة فيه حتى يعذر ع ش ( قوله إذ لا يعم إلخ ) قد يتوقف فيه بالنسبة لمن اطردت عادتهم بحمل ثوب للصلاة عليه واستصحابه دائما في الطرقات كالمكيين بصري قول المتن ( عما يتعذر ) أي يتعسر نهاية ومغني ولا فرق في ذلك بين أن يستعمل لباس الشتاء في زمنه أو زمن الصيف ع ش ( قوله بأن لا ينسب إلخ ) في النهاية والمغني ما يوافقه ( قوله لسقطة ) أي ولو بسقوط مركوبه ع ش ( قوله أراد ما ذكرناه ) أي ما لا يزيد على الحاجة ( قوله ذلك ) أي المعفو عنه نهاية ومغني ( قوله فيعفى ) إلى قوله سواء في المغني ( قوله والرجل ) أي وإن مشى حافيا كما مر عن سم و ع ش ( قوله لا يجوز تلويث نحو المسجد إلخ ) ظاهره وإن كان من ضرورة الصلاة في المسجد سم ( قوله وخرج ) إلى قوله نعم في المغني والنهاية ( قوله [ ص: 131 ] مظنونها إلخ )

                                                                                                                              ( فروع ) ماء الميزاب الذي تظن نجاسته ولم تتيقن طهارته فيه الخلاف في طين الشوارع واختار المصنف الجزم بطهارته ، وسئل ابن الصلاح عن الجوخ الذي اشتهر على ألسنة الناس أن فيه شحم الخنزير فقال لا يحكم بنجاسته إلا بتحقق النجاسة وسئل عن الأوراق التي تعمل وتبسط وهي رطبة على الحيطان المعمولة برماد نجس فقال لا يحكم بنجاستها أي عملا بالأصل ومحل العمل به إذا كان مستند النجاسة إلى غلبتها وإلا أي بأن وجد سبب يحال عليه عمل بالظن فلو بال حيوان في ماء كثير وتغير وشك في سبب تغيره أهو البول أو نحو طول المكث حكم بتنجسه عملا بالظاهر لاستناده إلى سبب معين مغني ، وكذا في النهاية إلا مسألة الجوخ قال ع ش قوله م ر المعمولة إلخ أي التي جرت العادة أن تعمل بالرماد أما ما شوهد بناؤه بالرماد النجس فإنه ينجس ما أصابه إذ لا أصل للطهارة يعتمد عليه حينئذ وقوله م ر أي عملا بالأصل وعليه فلا تنجس الثياب الرطبة التي تنشر على الحيطان المعمولة بالرماد عادة لهذه العلة ، وكذا اليد الرطبة إذا مس بها الحيطان المذكورة ا هـ ع ش وقال الرشيدي قوله م ر لا يحكم بنجاستها أي الأوراق إذا لم تتحقق نجاسة الرماد ولكن الغالب فيه النجاسة أخذا مما علل به أما إذا تحققت فيه النجاسة فظاهر أنه ليس بطاهر لكن يعفى عن الأوراق الموضوعة قال ابن العماد في معفواته

                                                                                                                              والنسخ في ورق آجره عجنوا به النجاسة عفو حال كتبته ما نجسا قلما منه وما منعوا
                                                                                                                              من كاتب مصحفا من حبر ليقته

                                                                                                                              ا هـ .

                                                                                                                              ويعلم مما ذكر أنه لا يحكم بنجاسة السكر الإفرنجي الذي اشتهر أن فيه دم الخنزير ما لم يشاهد خلط الدم به بخصوصه ولا عبرة بمجرد جري عادة الكفار بعمل السكر بخلطه لكن الورع لا يخفى ( قوله منه ) الجار والمجرور حال من مضمونها والضمير لطين الشارع و ( قوله ومن نحو ثياب خمار إلخ ) معطوف على قوله منه على طريق التساهل للاختصار وإلا فكان حقه أن يقال ومثله مظنونها من نحو ثياب خمار إلخ ( قوله وقصاب إلخ ) أي وأطفال مغني ( قوله فكله طاهر إلخ ) سئل شيخنا الزيادي عما يعتاده الناس من تسخين الخبز في الرماد النجس ثم إنهم يفتونه في اللبن ونحوه فأجاب بأنه يعفى عنه حتى مع قدرته على تسخينه في الظاهر ولو أصابه شيء من نحو ذلك اللبن لا يجب غسله كذا بهامش ، وهو وجيه مرضي بل يعفى عن ذلك وإن تعلق به شيء من الرماد وصار مشاهدا سواء ظاهره وباطنه بأن انفتح بعضه ودخل فيه ذلك كدود الفاكهة والجبن ومثله الفطير الذي يدفن في النار المأخوذة من النجس ع ش أقول وهذا صريح فيما مر عن الرشيدي في مسألة الأوراق المبسوطة على حيطان الرماد النجس خلافا للشبراملسي .




                                                                                                                              الخدمات العلمية