الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              ( و ) الماء ( دونهما ) أي القلتين ولم يبال بكون إضافتها إلى الضمير ضعيفة في العربية ؛ لأنها شائعة على الألسنة مع دعاية الاختصار الذي هو بصدده ، فزعم أن دونهما مبتدأ في كلامه وهي لا تتصرف على الأصح ليس في محله على أن تصرفها قرئ به في ومنا دون ذلك بالرفع فلا بدع فيه هنا بالأولى .

                                                                                                                              والكلام في دون الظرفية التي هي نقيض فوق فما بمعنى غير متصرفة وفي الكشاف معنى دون أدنى مكان من الشيء ، وتستعمل لتفاوت حال كزيد دون عمرو أي شرفا ، ثم اتسع فيه [ ص: 88 ] فاستعمل لتجاور حد إلى حد ك { أولياء من دون المؤمنين } أي لا يتجاوزوا ولاية المؤمنين إلى ولاية الكافرين ( ينجس ) حيث لم يكن واردا وإلا ففيه تفصيل يأتي ، ومنه فوار أصاب النجس أعلاه وموضوع على نجس يترشح منه ماء فلا ينجس ما فيه إلا إن فرض عود الترشيح إليه ( بالملاقاة ) أي بوصول النجس الغير المعفو عنه له لمفهوم حديث القلتين السابق المخصص لعموم خبر { الماء طهور لا ينجسه شيء } واختار كثيرون من أصحابنا مذهب مالك أن الماء لا ينجس مطلقا إلا بالتغير وكأنهم نظروا للتسهيل على الناس ، وإلا فالدليل صريح في التفصيل كما ترى ، وإنما تنجس المائع مطلقا ؛ لأنه ضعيف لا يشق حفظه بخلاف الماء فيهما وحيث كان المتنجس الملاقي ماء اشترط أن لا يبلغ قلتين كما علم من قوله ( فإن بلغهما بماء ) ولو متنجسا أو متغيرا أو مستعملا أو ملحا مائيا أو ثلجا أو بردا ذاب وتنكير الماء ليشمل الأنواع الثلاثة الأول لا ينافيه حدهم المطلق بأنه ما يسمى ماء ؛ لأن هذا حد بالنظر للعرف الشرعي ، ولهذا لو حلف لا يشرب ماء اختص بالمطلق وما في المتن تعبير بالنظر لمطلق العرف وهو شامل للمطلق وغيره ( ولا تغير ) به ( فطهور ) لكثرته حينئذ ومن بلوغهما به [ ص: 89 ] ما لو كان النجس أو الطاهر بحفرة أو حوض آخر وفتح بينهما حاجز ، واتسع بحيث يتحرك ما في كل بتحرك الآخر تحركا عنيفا وإن لم تزل كدورة أحدهما ومضى زمن يزول فيه تغير لو كان أو بنحو كوز واسع الرأس بحيث يتحرك كما ذكر ممتلئ غمس بماء ، وقد مكث فيه بحيث لو كان ما فيه متغيرا زال تغيره لتقويه به حينئذ بخلاف ما لو فقد شرط من ذلك ، وينبغي في أحواض تلاصقت الاكتفاء بتحرك الملاصق الذي يبلغ به القلتين دون غيره .

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              حاشية ابن قاسم

                                                                                                                              ( قوله والماء ) مبتدأ وقوله دونهما حال من مرفوع ينجس ( قوله بالأولى ) القائل بعدم تصرفها يقول إنه غير مقيس فلا ينافي وروده شذوذا وهو لا يجوز استعماله فضلا عن الأولوية ( قوله فما بمعنى غير متصرفة ) هذه مناسبة هنا فتأمله [ ص: 88 ] قوله إلا إن فرض عود الترشيح ) ينبغي أو وقف عن الترشيح واتصل الخارج بما فيه ؛ لأنه حينئذ ماء قليل متصل بنجاسة ( قوله بالملاقاة )

                                                                                                                              فرع

                                                                                                                              لو تنجست يده اليسرى مثلا ثم غسل إحدى يديه وشك في المغسول أهو اليمنى أم اليسرى ثم أدخل اليسرى في مائع لم تنجس كما أفتى به شيخنا الشهاب الرملي لأصل طهارته مع الاعتضاد باحتمال طهارة اليسرى انتهى ( قوله وهو شامل للمطلق وغيره ) ينازع فيه ما نقلوه عن إمام الحرمين [ ص: 89 ] في توجيه إطلاق المتغير كثيرا بما لا يضر التغير به فراجعه يظهر لك ذلك ( قوله بتحرك الملاصق إلخ ) الوجه أن يقال بالاكتفاء بتحرك كل ملاصق بتحريك ملاصقه ، وإن لم يتحرك بتحريك غيره إذا بلغ المجموع قلتين فليتأمل .



                                                                                                                              حاشية الشرواني

                                                                                                                              ( قوله والماء ) مبتدأ وقوله دونهما حال من مرفوع ينجس سم أي ومن الماء عند سيبويه المجوز لمجيء الحال من المبتدأ ( قوله : لأنها ) أي تلك الإضافة ( قوله مع دعاية إلخ ) بالدال المهملة بخط الشارح مصطفى الحموي ( قوله إليها ) متعلق بالدعاية والضمير للإضافة ( قوله فزعم إلخ ) تفريع على تقدير الماء المبتدأ ( قوله وهي لا تنصرف ) أي ملازمة للنصب على الظرفية ( قوله على الأصح ) أي عند سيبويه وجمهور البصريين ويجوز تصرفها الأخفش والكوفيون مغني ونهاية أي وعليه فهي مبتدأ بلا تقدير ع ش .

                                                                                                                              ( قوله ليس في محله ) أي ؛ لأن دون هنا منصوب على الظرفية والمبتدأ الماء المقدر ( قوله ومنا دون ذلك ) نائب فاعل قرئ ( قوله والكلام ) أي الخلاف ( قوله بالأولى ) القائل بعدم تصرفها يقول إنه أي التصرف غير مقيس فلا ينافي في وروده شذوذا ، وهذا لا يجوز استعمالها فضلا عن الأولوية سم ( قوله فما بمعنى غير إلخ ) هذه مناسبة هنا فتأمله سم ( قوله وفي الكشاف معنى دون إلخ ) [ ص: 88 ] استطرادي قول المتن ( ينجس ) أي هو ورطب غيره كزيت وإن كثر مغني عبارة بافضل مع شرحه ينجس الماء القليل وهو ما ينقص عن القلتين بأكثر من رطلين وغيره من المائعات ، وإن كثر وبلغ قلالا كثيرة بملاقاة النجاسة وإن لم يتغير ا هـ .

                                                                                                                              ويأتي في الشرح ما يوافقه ( قوله ففيه تفصيل يأتي ) أي في باب النجاسة في قول المصنف والأظهر طهارة غسالة إلخ ( قوله ومنه ) أي الوارد ( فوار أصاب النجس أعلاه ) فلا ينجس أسفله بتنجس أعلاه كعكسه أسنى ومغني ( قوله أي بوصول النجس ) وإن لم يتغير الماء أو كان الواقع مجاورا أو عفي عنها في الصلاة فقط كثوب فيه قليل دم أجنبي غير مغلظ أو كثير من نحو براغيث ومثل الماء القليل كل مائع وإن كثر وجامد لاقى رطبا نعم لو تنجست يده اليسرى مثلا ، ثم غسل إحدى يديه وشك في المغسول أهو يده اليمنى أم اليسرى ، ثم أدخل اليسرى في مائع لم ينجس بغمسها كما أفتى به الوالد رحمه الله تعالى ؛ لأن الأصل طهارته ، وقد اعتضد باحتمال طهارة اليد اليسرى نهاية زاد المغني ويعفى عما تلقيه الفئران من النجاسة في حياض الأخلية وذرق الطيور الواقع فيها لمشقة الاحتراز عن ذلك ما لم يغير ما ذكر ا هـ .

                                                                                                                              قال ع ش قوله م ر أو عفي عنها في الصلاة قيد به لئلا ينافي ما قدمه من أن المعفو عنها لا ينجس بملاقاتها ، والحاصل أن ما عفي عنه هنا كالذي يدركه الطرف غير ما عفي عنه في الصلاة ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله إلا إن فرض إلخ ) ينبغي أو وقف عن الترشح واتصل الخارج بما فيه ؛ لأنه ماء قليل متصل بنجاسة سم على حج ا هـ ع ش عبارة المغني ولو وضع كوز على نجاسة وماؤه خارج من أسفله لم ينجس ما فيه ما دام يخرج فإن تراجع تنجس كما لو سد بنجس ( مهمة )

                                                                                                                              إذا قل ماء البئر وتنجس لم يطهر بالنزح ؛ لأنه وإن نزح فقعر البئر يبقى نجسا ، وقد تتنجس جدران البئر أيضا بالنزح بل بالتكثير كأن يترك أو يصب عليه ماء ليكثر ولو كثر الماء ، وتفتت فيه شيء نجس كفأرة تمعط شعرها فهو طهور ويعسر استعماله باغتراف شيء منه كدلو إذ لا يخلو مما تمعط فينبغي أن يخرج الماء كله ليخرج الشعر معه فإن كانت العين فوارة وتعسر نزح الجميع نزح ما يغلب على الظن أن الشعر كله خرج معه فإن اغترف منه قبل النزح ولم يتيقن فيما اغترفه شعرا لم يضر ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله له ) أي للماء القليل متعلق بوصول إلخ ( قوله المخصص ) أي المفهوم ( قوله مطلقا ) أي قليلا أو كثيرا راكدا أو جاريا تغير أم لا ( قوله والدليل إلخ ) أي كمفهوم حديث القلتين ( قوله وإنما تنجس المائع إلخ ) ويلتحق بالمائعات الماء الكثير المتغير بطاهر نهاية قال عميرة فلو زال بعد ذلك فالوجه عدم الطهورية انتهى وعليه فلينظر بم تحصل طهارته ، ثم رأيت في نسخة من عميرة بدل لفظ عدم إلخ عود الطهورية ا هـ وهي واضحة ع ش وتقدم في شرح فنجس تفصيل آخر راجعه .

                                                                                                                              ( قوله لا يشق ) هو في كلام غيره بالواو ( قوله فيهما ) أي في الضعف وعدم المشقة ( قوله الملاقى ) اسم مفعول أي ما لاقاه النجس كردي أقوى عدم بلوغ الملاقى اسم مفعول قلتين هو موضوع المسألة فلا معنى لعلم اشتراطه مما يأتي ، فالظاهر أنه بصيغة اسم الفاعل ( قوله ولو متنجسا ) إلى قوله بحيث يتحرك في النهاية ( قوله ومتنجسا ) أي لا نجسا كبول بجيرمي ( قوله أو متغيرا ) بنحو زعفران مغني عبارة النهاية بمستغنى عنه ا هـ أي وخالص الماء قلتان كما يأتي ، ومر أيضا رشيدي ( قوله أو ملحا مائيا أو ثلجا إلخ ) في جعلها غاية للماء تسامح ( قوله الثلاثة الأول ) ، أي : المتنجس والمتغير والمستعمل ( قوله وهو شامل ) أي الماء في العرف ( قوله لكثرته ) إلى قوله وينبغي في المغني ( قوله لكثرته ) عبارة المغني والنهاية لزوال العلة وهي القلة حتى لو فرق بعد ذلك لم يضر ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله ومن بلوغهما إلخ ) عبارة المغني ويكفي الضم وإن لم يمتزج صاف بكدر لحصول القوة بالضم لكن إن انضما بفتح حاجز اعتبر اتساعه ومكثه زمنا يزول فيه التغير لو كان أخذا من قولهم ولو غمس كوز ماء واسع الرأس في ماء كمله قلتين وساواه بأن كان الإناء ممتلئا أو امتلأ بدخول الماء فيه ومكث قدرا يزول فيه تغير [ ص: 89 ] لو كان واحد الماءين نجس أو مستعمل طهر ؛ لأن تقوي أحد الماءين بالآخر إنما يحصل بذلك فإن فقد شرط من ذلك بأن كان ضيق الرأس أو واسعه بحيث يتحرك ما فيه بتحرك الآخر تحركا عنيفا لكن لم يكمل الماء قلتين أو كمل لم يمكث زمنا يزول فيه التغير لو كان أو مكث لكن لم يساوه الماء ولم يطهر ا هـ .

                                                                                                                              وبذلك علم ما في كرم الشارح من الإيجاز ( قوله لو كان النجس أو الطاهر إلخ ) حق التعبير ليظهر عطف قوله الآتي أو بنحو كوز إلخ لو كان أحد الماءين النجس والطاهر بحفرة أو حوض ، والآخر بآخر وفتح حاجز بينهما ( قوله واتسع إلخ ) أي الفتح وهو قوله الآتي ومضى إلخ عطف على قوله فتح ( قوله تحركا عنيفا إلخ ) الظاهر أنه مفعول مطلق لتحرك الآخر لا ليتحرك بصري ، وجرى عليه أي على كون عنيفا قيد التحرك الآخر فقط ع ش والحنفي وشيخنا والبجيرمي خلافا للحلبي والقليوبي حيث اشترطا تبعا للبرلسي التحرك العنيف في المحرك وما يليه كما مر كله ( قوله وإن لم تزل كدورة أحدهما ) يعني أن المعتبر في المكاثرة الضم والجمع دون الخلط حتى لو كان أحد الحوضين صافيا ، والآخر كدرا وانضما زالت النجاسة من غير توقف على الاختلاط المانع من التميز والكدرة كردي ( قوله ومضى ) أي بعد الفتح وقوله أو بنحو كوز عطف على بحفرة كردي .

                                                                                                                              ( قوله من ذلك ) أي من الشروط المذكورة ( قوله بتحرك الملاصق إلخ ) الوجه أن يقال بالاكتفاء بتحرك كل ملاصق بتحريك ملاصقه ، وإن لم يتحرك بتحريك غيره إذا بلغ المجموع قلتين سم واعتمده ع ش والبجيرمي وشيخنا كما مر .




                                                                                                                              الخدمات العلمية