الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              ( والسقط ) بتثليث أوله من السقوط ( إن ) علمت حياته كأن ( استهل ) من أهل : رفع صوته ( أو بكى ) بعد انفصاله كذا قيد به بعضهم وليس في محله لأن هذا مستثنى من أنه إذا انفصل بعضه لا يعطى حكم المنفصل كله وكذا حز رقبته حينئذ فيقتل حازه وفي الروضة وغيرها أخرج رأسه وصاح فحزه آخر قتل لأنا تيقنا بالصياح حياته وما عدا هذين فحكمه فيه حكم المتصل ( ككبير ) للخبر الصحيح على كلام فيه { إذا استهل الصبي ورث وصلي عليه } ( وإلا ) تعلم حياته ( فإن ظهرت أمارة الحياة كاختلاج ) اختياري ( صلي عليه ) وجوبا ( في الأظهر ) لاحتمال الحياة بظهور هذه القرينة عليها ويغسل ويكفن ويدفن قطعا .

                                                                                                                              ( وإن لم تظهر ) أمارة الحياة ( ولم يبلغ أربعة أشهر ) حد نفخ الروح فيه ( لم يصل عليه ) أي لم تجز الصلاة عليه لأنه جماد ومن ثم لم يغسل ( وكذا إن بلغها ) وأكثر منها كما صرحوا به في قولهم فإن بلغ أربعة أشهر [ ص: 163 ] فصاعدا ، ولم تظهر أمارة الحياة فيه حرمت الصلاة عليه ( في الأظهر ) لمفهوم الخبر وبلوغ أوان النفخ لا يستلزم وجوده بل وجوده لا يستلزم الحياة أي الكاملة وكذا النمو لا يستلزمها بدليل ما قبل الأربعة ومن ثم قال بعضهم قد يحصل النمو للتسعة مع تخلف نفخ الروح فيه لأمر أراده الله تعالى ا هـ .

                                                                                                                              ولك أن تقول سلمنا النفخ فيه هو لا يكتفى بوجوده قبل خروجه ، وإذا قال جمع بأن استهلاله الصريح في نفخ الروح فيه قبل تمام انفصاله لا يعتد به فكيف به وهو كله في الجوف ومن ثم تعين أن الخلاف في وجودها قبل تمام انفصاله لا يأتي في وجودها في الجوف لو فرض العلم بها عنه فإفتاء بعضهم في مولود لتسعة لم يظهر فيه شيء من أمارات الحياة بأنه يصلى عليه إنما يأتي على الضعيف المقابل ، وزعم أن النازل بعد تمام أشهره لا يسمى سقطا لا يجدي لأنه بتسليمه يتعين حمله على أنه لا يسماه لغة إذ كلامهم هنا مصرح كما علمت بأنه لا فرق في التفصيل الذي قالوه بين ذي التسعة وغيره ثم رأيت عبارة أئمة اللغة وهي السقط الذي يسقط من بطن أمه قبل تمامه وهي محتملة لأن يريدوا قبل تمام خلقه بأن يكون قبل التصوير أو قبل نفخ الروح فيه أو قبل تمام مدته .

                                                                                                                              وحينئذ يحتمل أن المراد بمدته أقل مدة الحمل أو غالبها أو أكثرها وحينئذ فلا دلالة في عبارتهم هذه بوجه ثم رأيت شيخنا أفتى بما ذكرته ويغسل ويكفن ويدفن قطعا إن ظهرت خلقة آدمي والأسن ستره بخرقة ودفنه وفارقت الصلاة غيرها بأنها أضيق منه لما مر أن الذمي يغسل ويكفن ويدفن ولا يصلى عليه وأفهمت تسوية المتن بين الأربعة وما دونها أنه لا عبرة بها بل بما تقرر من ظهور خلق الآدمي وغيره ولم يبين ما به الاعتبار نظرا للغالب من ظهور الخلق عندها وعدمه قبلها .

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              حاشية ابن قاسم

                                                                                                                              ( قوله : بعد انفصاله كذا قيد به بعضهم إلخ ) في شرح العباب ولو انفصل بعضه واستهل ثم انفصل الباقي فقال جمع : لا يثبت له حكم الحياة وقال آخرون محققون : يثبت له ولعله الأقرب أما لو لم ينفصل الباقي فلا يصلى عليه لأن الجنين متى لم ينفصل كله يكون كما لو لم ينفصل منه شيء إلا في بعض المواضع وقول الأذرعي الوجه الجزم بالصلاة عليه فيه نظر بل الوجه ما قلناه ا هـ ولا يخفى أن قضية الأول أنه لا يثبت له حكم الحياة إلا إذا كان الاستهلال أي مثلا بعد تمام الانفصال وأنه لو علمت حياته حال اجتنانه قبل انفصال شيء منه ثم مات وانفصل ميتا أنه لا يثبت له حكم الحياة في هذه الحالة وفيه نظر ولعل الأوجه الثبوت فليحرر ( قوله : لأن هذا مستثنى ) على هذا لو مات بعد استهلاله ثم تقطع بعضه ونزل دون باقيه فهل يجري في النازل ما تقدم في قوله ولو وجد عضو مسلم إلخ ( قوله : وما عدا هذين ) يدخل فيما عداهما ما لو طلقها بعد انفصال بعضه ثم انفصل باقيه فتنقضي به العدة ( قوله : ومن ثم لم يغسل ) .

                                                                                                                              [ ص: 163 ] أي لم يجب غسله ( قوله : فإفتاء بعضهم ) هو شيخنا الشهاب الرملي ( قوله : فإفتاء بعضهم في مولود إلخ ) في إفتاء السيوطي سقط لم يستهل ولم يختلج وقد بلغ سبعة أشهر فصاعدا هل تجب الصلاة عليه أم لا فأجاب بقوله قد يفهم من عبارة الرافعي في شرحه حيث قال : وإن بلغ أربعة أشهر فصاعدا ولم يتحرك ولا استهل ففي الصلاة عليه قولان أظهرهما لا يصلى عليه ولو بلغ سبعة أشهر مثلا حيث قال فصاعدا وكذا من تعليله بأنه لا يرث ولا يورث ومن تعليل غيره أنه قد يتخلف نفخ الروح لأمر أراده الله تعالى والأشبه تخصيص قوله فصاعدا بما إذا لم يجاوز ستة أشهر فإن جاوزها دخل في حكم المولود لا السقط وقد قال ابن الرفعة في الكفاية نقلا عن الشيخ أبي حامد السقط من ولد قبل تمام مدة الحمل وقيل : هو من ولد ميتا فترجيحه القول الأول يدل على أن المولود بعد ستة أشهر مولود لا سقط فلا يدخل ضابط أحكام السقط ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله : والأسن ستره بخرقة ودفنه ) أي دون غيرهما ( قوله : بل بما تقرر إلخ ) ما معنى هذا مع أن المتن إنما تعرض للصلاة ولا صلاة مطلقا ( قوله : نظرا للغالب من ظهور الخلق عندها وعدمه قبلها ) أي فعندها يجب ما عدا الصلاة أي بناء على الغالب [ ص: 164 ] من ظهور خلق الآدمي عندها فإن لم يظهر حينئذ وجب ما عدا الصلاة وعبارة المنهج وإلا أي وإن لم تعلم حياته ولم تظهر أمارتها وجب تجهيزه بلا صلاة إن ظهر خلقه والأسن ستره بخرقة ودفنه ا هـ .



                                                                                                                              حاشية الشرواني

                                                                                                                              قول المتن ( والسقط إلخ ) وهو كما عرفه أئمة اللغة الولد النازل قبل تمام أشهره وبه يعلم أن الولد النازل بعد تمام أشهر وهو ستة أشهر يجب فيه ما يجب في الكبير من صلاة وغيرها وإن نزل ميتا ولم يعلم له سبق حياة إذ هو خارج من كلام المصنف كغيره كما أفتى بذلك الوالد رحمه الله تعالى وهو داخل في قولهم يجب غسل الميت المسلم وتكفينه والصلاة عليه ودفنه نهاية وفي المغني نحوه وفي سم عن إفتاء السيوطي ما يوافقه خلافا لما يأتي في الشرح وفاقا لشيخ الإسلام قال ع ش قوله : م ر يجب فيه ما يجب في الكبير أي وإن لم يظهر فيه تخطيط ولا غيره حيث علم أنه آدمي ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله : لأن هذا ) أي من استهل أو بكى قبل تمام انفصاله ( قوله : مستثنى إلخ ) قضية هذا أنه لو مات بعد استهلاله ثم تقطع بعضه ونزل دون باقيه يجري في النازل ما تقدم في قول المصنف ولو وجد عضو مسلم إلخ كما مال إليه سم ( قوله : وما عدا هذين ) أي ما عدا القصاص ونحو الصلاة قال سم يدخل فيما عداهما ما لو طلقها بعد انفصال بعضه ثم انفصل باقيه فتنقضي به العدة ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله : وإلا تعلم حياته ) أي بأن لم يستهل ولم يبك نهاية ومغني قول المتن ( كاختلاج ) أي أو تحرك نهاية ومغني أي ولو دون أربعة أشهر إن فرض ع ش ( قوله : اختياري ) بماذا يتميز عن الاضطراري بصري ( قوله : لاحتمال الحياة ) إلى قوله ومن ثم في النهاية والمغني ( قوله : عليها ) أي الحياة أي الدالة عليها .

                                                                                                                              قول المتن ( ولم يبلغ أربعة أشهر ) أي مائة وعشرين يوما أي لم يظهر خلقه نهاية ومغني ( قوله : ومن ثم لم يغسل ) أي لم يجب غسله سم قول المتن ( وكذا إن بلغها ) أي أربعة أشهر أي مائة وعشرين يوما نفخ الروح فيه عادة أي ظهر خلقه فالعبرة فيما ذكر بظهور خلق الآدمي وعدم ظهوره كما تقرر فالتعبير ببلوغ أربعة أشهر وعدم بلوغها جرى على الغالب من ظهور خلق الآدمي عندها وعبر بعضهم بزمن إمكان نفخ الروح وعدمه وبعضهم بالتخطيط وعدمه وكلها وإن تقاربت فالعبرة بما ذكر مغني وعبارة النهاية واعلم أن للسقط أحوالا حاصلها أنه إن لم يظهر فيه خلق آدمي لا يجب فيه شيء نعم يسن ستره بخرقة ودفنه وإن ظهر فيه خلقة ولم تظهر فيه الحياة وجب فيه ما سوى الصلاة أما هي فممتنعة كما مر فإن ظهر فيه أمارة الحياة فكالكبير ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله : كما صرحوا به في قولهم [ ص: 163 ] إلخ ) ويأتي عن السيوطي ما يخالفه ( قوله : فصاعدا ) والأشبه تخصيصه بما إذا لم يجاوز ستة أشهر فإن جاوزها دخل في حكم المولود لا السقط انتهى ا هـ سم وتقدم عن النهاية والمغني ما يوافقه ( قوله : لمفهوم الخبر ) أي المتقدم في شرح ككبير وقد يقال إن مفهومه ينافي الأظهر السابق آنفا ( قوله : وبلوغ أوان النفخ ) إلخ رد لدليل مقابل الأظهر ( قوله : وجوده ) أي النفخ ( قوله : للتسعة ) اللام بمعنى " إلى " ( قوله : هو إلخ ) الأسبك " وهو إلخ " بالواو ( قوله : قبل خروجه ) أي من الجوف ( قوله : وإذا قال جمع إلخ ) أي كما تقدم في شرح أو بكى .

                                                                                                                              ( قوله : قبل تمام إلخ ) متعلق باستهلاله و ( قوله : لا يعتد به ) خبر " أن " ( قوله : فكيف به ) أي بوجود النفخ في السقط ( قوله : ومن ثم ) أي لأجل أن الاعتداد بنفخ الروح فيه وهو كله في الجوف في غاية البعد ( قوله : أن الخلاف ) أي السابق في شرح " أو بكى " ( قوله : في وجودها ) أي الحياة ( قوله : منه ) أي في الجوف فمن بمعنى في ( قوله : فإفتاء بعضهم ) هو شيخنا الشهاب الرملي سم أي ووافقه النهاية والمغني ومن بعدهما ( قوله : لتسعة ) بل لستة كما مر عن النهاية وغيره ( قوله : المقابل ) أي مقابل الأظهر .

                                                                                                                              ( قوله : وزعم أن النازل إلخ ) وبهذا أفتى الرملي فقال السقط هو النازل قبل تمام أشهره أي أقل مدة الحمل أما النازل بعد تمامها وهي ستة أشهر ولحظتان فلا يسمى سقطا فيجب فيه ما يجب في الكبير من وجوب الغسل والتكفين والدفن والصلاة عليه وإن نزل ميتا والتفصيل إنما هو في السقط كردي ( قوله : لا يجدي لأنه بتسليمه يتعين إلخ ) هذا غير صحيح نهاية ( قوله : مصرح إلخ ) تقدم ما فيه ( قوله : في التفصيل إلخ ) أي بظهور أمارة الحياة وعدمه ( قوله : محتملة لأن يريدوا إلخ ) وظاهر أن المتبادر هو الاحتمال الأخير فينبغي حملها عليه وفي سم عن إفتاء السيوطي ما نصه قال ابن الرفعة في الكفاية نقلا عن الشيخ أبي حامد السقط من ولد قبل تمام مدة الحمل وقيل هو من ولد ميتا فترجيحه الأول يدل على أن المولود بعد ستة أشهر مولود لا سقط فلا يدخل تحت ضابط أحكام السقط ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله : وحينئذ ) أي حين أخذ الاحتمال الأخير ( قوله : يحتمل أن المراد بمدته أقل مدة الحمل ) وظاهر أن هذا هو المتبادر فتتعين إرادته ( قوله : بما ذكرته ) أي من أنه لا فرق في التفصيل الذي قالوه إلخ ( قوله : ويغسل ) إلى قوله لتوهم إلخ في المغني إلا قوله : أو فاعل إلى المتن وكذا في النهاية إلا قوله حي بنص القرآن ( قوله : والأسن ستره بخرقة ودفنه ) أي دون غيرهما سم ( قوله : بها ) أي بالأربعة ( قوله : بما تقرر إلخ ) ما معنى هذا مع أن المتن إنما تعرض للصلاة ولا صلاة مطلقا أي فيما قرره سم ؟ ولك أن تقول إن معناه بيان مورد الخلاف بين الأظهر الثاني ومقابله ( قوله : وغيره ) أي وعدمه ( قوله : ما به الاعتبار ) وهو ظهور خلق الآدمي وعدمه ( قوله : نظرا للغالب من ظهور الخلق عندها إلخ ) أي فعندها يجب ما عدا الصلاة أي بناء على الغالب من ظهور خلق الآدمي عندها فإن لم يظهر [ ص: 164 ] حينئذ وجب ما عدا الصلاة سم .




                                                                                                                              الخدمات العلمية