الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              [ ص: 177 ] ( و ) حينئذ ( يعزى المسلم بالمسلم ) أي يقال في تعزيته ( أعظم الله أجرك ) أي جعله عظيما بزيادة الثواب والدرجات فاندفع ما جاء عن جمع من كراهته لأنه دعاء بتكثير المصائب ووجه اندفاعه أن إعظام الأجر غير منحصر في تكثير المصائب كما تقرر قال تعالى { ومن يتق الله يكفر عنه سيئاته ويعظم له أجرا } على أن هذا هنا رواه الطبراني عنه صلى الله عليه وسلم لما { عزى معاذا بابن له } ( تنبيه ) وقع للعز بن عبد السلام أن المصائب نفسها لا ثواب فيها لأنها ليست من الكسب بل في الصبر عليها فإن لم يصبر كفرت الذنب إذ لا يشترط في المكفر أن يكون كسبا بل قد يكون غير كسب كالبلاء فالجزع لا يمنع التكفير بل هو معصية أخرى ورد بنقل الإسنوي كالروياني عن الأم في باب طلاق السكران ما يصرح بأن نفس المصيبة يثاب عليها لتصريحه بأن كلا من المجنون والمريض المغلوب على عقله مأجور مثاب مكفر عنه بالمرض فحكم بالأجر مع انتفاء العقل المستلزم لانتفاء الصبر ويؤيده خلافا لمن زعم أن ظاهر النصوص مع ابن عبد السلام خبر الصحيحين { ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه } مع الحديث الصحيح { إذا مرض العبد أو سافر كتب له مثل ما كان يعمله صحيحا مقيما } ففيه أنه يحصل له ثواب مماثل لفعله الذي صدر منه قبل بسبب المرض فضلا من الله تعالى .

                                                                                                                              وحينئذ أفاد مجموع الحديثين أن في المصيبة المرض وغيره جزاءين أي أحدهما لنفسها والآخر للصبر عليها وحينئذ اندفع ما مر أنه لا ثواب إلا مع الكسب وحمل النص على مريض صبر عند ابتداء مرضه ثم استمر صبره إلى زوال عقله يرده أنه سوى بين المريض والمجنون في الثواب ومثل ذلك لا يتصور في المجنون فالحمل المذكور غلط منشؤه الغفلة عما ذكره في المجنون ثم رأيت بعضهم قال عقب هذا الحمل وفيه نظر وكأنه لمح ما ذكرته والحاصل أن من أصيب وصبر حصل له ثوابان غير التكفير لنفس المصيبة وللصبر عليها ومنه كتابة مثل ما كان يعمله من الخير وغير ذلك مما ورد في السنة وبينته في كتابي في العيادة وأن من انتفى صبره فإن كان لعذر كجنون فهو كذلك [ ص: 178 ] أو لنحو جزع لم يحصل له من ذينك الثوابين شيء فإن قلت المقرر في المذهب وإن اختير خلافه أن من تخلف عن الجماعة لعذر كمرض لا يحصل له ثوابها قلت يتعين حمله على أنه لا يحصل له ثواب الفعل بكماله ضرورة التفاوت بين الفاعل حقيقة وغيره فهو على حد قراءة الإخلاص تعدل ثلث القرآن وما في معناه ولا شاهد لابن عبد السلام في { وأن ليس للإنسان إلا ما سعى } لأنه عام مخصوص بالإجماع على أن الميت يصل إليه دعاء الغير وصدقته فيثاب عليهما وبغيره كالحديث المذكور ( وأحسن عزاءك ) بالمد أي جعل سلوك وصبرك حسنا ( وغفر لميتك ) وقدم المعزى لأنه المخاطب وقيل يقدم الميت لأنه أحوج

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              حاشية ابن قاسم

                                                                                                                              ( قوله ووجه اندفاعه أن إعظام الأجر غير منحصر في تكثير المصائب ) وقد يقال المراد إعظام أجر هذه المصيبة التي وقعت ، ولا بد وهذا لا يقتضي طلب مثلها وهو مستفاد من كلام الشارح ( قوله وحينئذ أفاد مجموع الحديثين أن في المصيبة المرض وغيره جزاءين ) يتأمل فيه فإن الحديث الأول أفاد مجرد التكفير لا الثواب والثاني أفاد ثواب ما كان يعمل قبل لا ثوابا على نفس المرض وابن عبد السلام لا يخالف في التكفير ( قوله ومثل ذلك لا يتصور في المجنون ) قد يمنع [ ص: 178 ] ذلك بأنه يتصور في ابتداء الشروع في الجنون قبل تمام زوال التمييز ( قوله أو لنحو جزع لم يحصل له من ذينك الثوابين شيء ) سكت عن التكفير فظاهره حصول مع الجزع كما تقدم عن ابن عبد السلام ( قوله قلت يتعين حمله إلخ ) في التعين كالمحمول نظر ظاهر إذ لا مانع من ظاهر الأحاديث أنه يحصل كمال الثواب ( قوله فيثاب عليهما ) فيه نظر في الأول



                                                                                                                              حاشية الشرواني

                                                                                                                              ( قوله حينئذ ) أي حين إذ سنت التعزية أو حين إذ أرادها قول المتن ( ويعزى إلخ ) بفتح الزاي نهاية قول المتن ( أعظم الله أجرك إلخ ) ويستحب أن يبدأ قبله بما ورد من تعزية الخضر أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بموته أن في الله عزاء من كل مصيبة وخلفا من كل هالك ودركا من كل فائت فبالله ثقوا وإياه فارجوا فإن المصاب من حرم الثواب مغني زاد النهاية وورد { أنه صلى الله عليه وسلم عزى معاذا بابن له بقوله عظم الله أجرك وألهمك الصبر ورزقنا وإياك الشكر } ومن أحسنه كما في المجموع أن لله ما أخذ وله ما أعطى وكل شيء عنده بأجل مسمى ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله أي جعله ) إلى قوله على أن هذا في النهاية ( قوله ووجه اندفاعه أن إعظام الأجر إلخ ) وقد يقال المراد إعظام أجر هذه المصيبة التي وقعت ولا بد وهذا لا يقتضي طلب مثلها وهو مستفاد من كلام الشارح سم ( قوله أن هذا ) أي الدعاء المذكور ( هنا ) أي في التعزية ( قوله لتصريحه ) أي الأم وكذا الضمير المستتر في فحكم ( قوله ويؤيده ) محل تأمل بصري ويأتي عنه وعن سم ما يتبين به وجه التأمل ( قوله خبر الصحيحين إلخ ) فاعل يؤيد ( قوله من نصب ) أي تعب ( ولا وصب ) أي مرض ( قوله لفعله إلخ ) أي لثوابه هذا إذا كان قوله ثواب مماثل تركيبا وصفيا وأما إذا كان تركيبا إضافيا فلا حذف ولا تقدير ( قوله وحينئذ أفاد إلخ ) مما يتعجب منه بصري ( قوله وحينئذ أفاد مجموع الحديثين إلخ ) يتأمل فيه فإن الحديث الأول أفاد مجرد التكفير لا الثواب والثاني أفاد ثواب ما كان يعمل قبل لا ثوابا على نفس المرض وابن عبد السلام لا يخالف في التكفير سم زاد البصري ولك أن تقول إن كلا من الثواب والعقاب قد يطلق على نعمة ونقمة تصل إلى العبد من ربه في مقابلة كسب يناسبه وهذا المعنى هو الذي يكثر دورانه في الإطلاقات الشرعية وقد يطلق بإزاء النعمة والنقمة الواصلان إلى العبد من مولاه ومنه قولهم في الكتب الكلامية أن له عز وجل إنابة العاصي وتعذيب المطيع فيجوز أن يكون الواقع في كلام العز من الأول وفي النص من الثاني .

                                                                                                                              فلا تعارض لتغير المورد وفي تعليل العز إشعار بأنه لم ينف مطلق الثواب بل الثواب المنوط بالكسب وفي النص إناطة الثواب بالمرض الذي ليس من الكسب في شيء فتأمله سالكا جادة الإنصاف مغضيا عن ثنية التكلف والاعتساف ا هـ أقول قولهما لا ثوابا إلخ ظاهر المنع وما زاده السيد عمر البصري ناشئ عن كمال العلم لكنه مشوب بالتكلف ( قوله إنه إلخ ) أي النص ( قوله ومثل ذلك لا يتصور في المجنون ) قد يمنع ذلك بأنه يتصور في ابتداء الشروع في الجنون قبل تمام زوال التمييز سم ولك أن تجيب بعروض بعض أفراد الجنون دفعة بلا تدريج وبأن النص كالصريح في حصول الأجر لأجل مرض بعد زوال العقل مطلقا ( قوله لنفس المصيبة وللصبر إلخ ) أي ثواب لنفس المصيبة وثواب آخر للصبر عليها ( قوله ومنه ) أي من الغير ( قوله وأن من انتفى إلخ ) عطف على قوله أن من أصيب إلخ ( قوله فإن كان لعذر كجنون إلخ ) يقتضي حصول ثواب الصبر أيضا وهو محل تأمل اللهم إلا إذا كان شأنه الصبر على المصائب وهو عازم عليه فمحتمل أخذا من الحديث المار [ ص: 178 ] بصري وقوله وهو عازم عليه لا يظهر تصويره .

                                                                                                                              ( قوله أو لنحو جزع ) سكت عن التكفير فظاهره حصوله مع الجزع كما تقدم عن ابن عبد السلام سم ( قوله لم يحصل إلخ ) فيه وقفة فإن قياس الصلاة في المغصوب أن يحصل له ثواب المصيبة ومعصية الجزع ( قوله فإن قلت إلخ ) أي معترضا على قول الشارح ومنه كتابة إلخ ( قوله قلت يتعين حمله إلخ ) في التعين كالمحمول نظر ظاهر إذ لا مانع من ظاهر الأحاديث أنه يحصل كمال الثواب سم ( قوله وما في معناه ) أي ونظائره من الأحاديث ( قوله ولا شاهد لابن عبد السلام إلخ ) فيه الشاهد الواضح ما لم يثبت مخصص بأن نفس المرض ونحوه من المصائب يترتب عليها ثواب غير التكفير وقد علمت أن كلا من الحديثين السابقين لا دلالة فيهما على ذلك بصري وقوله وقد علمت إلخ مر ما فيه ( قوله عام مخصوص ) أي منه دعاء الغير وصدقته ونحو المرض وقول الكردي يعني مخصوص بغير من أصابته المصيبة بسبب الإجماع ا هـ فيه نظر ظاهر كما يظهر مما مر آنفا عن البصري ( قوله على أن إلخ ) متعلق بالإجماع ( قوله فيثاب عليهما ) فيه نظر في الأول سم ويجاب عنه بأن المراد بالإثابة على الدعاء حصول خير له بسببه ( قوله وقدم المعزى ) بفتح الزاي




                                                                                                                              الخدمات العلمية