الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              ( فصل ) في آداب قاضي الحاجة ثم الاستنجاء ( يقدم ) ندبا ( داخل الخلاء ) ولو لحاجة أخرى وكذا في أكثر الآداب الآتية وعبر به كالخارج للغالب [ ص: 158 ] والمراد الواصل لمحل قضاء الحاجة ولو بصحراء والتعيين فيها لغير المعد بالقصد لصيرورته به مستقذرا كالخلاء الجديد وفيما له دهليز طويل يقدمها عند بابه ووصوله لمحل جلوسه وأصل الخلاء بالمد المحل الخالي ثم خص بما تقضى فيه الحاجة قيل ، وهو اسم شيطان فيه لحديث يدل له ( يساره ) أو بدلها ككل مستقذر من نحو سوق ومحل قذر ومعصية كالصاغة فيحرم دخولها على ما أطلقه غير واحد لكن قيده المصنف في فتاويه بما إذا علم أن فيها أي حال دخوله كما هو ظاهر معصية كربا ولم تكن له حاجة في الدخول ومنه يؤخذ أن محل حرمة دخول كل محل به معصية كالزنية ما لم يحتج لدخوله أي بأن يتوقف قضاء ما يتأثر بفقده تأثرا له وقع عرفا على دخول محلها وذلك ؛ لأنها للمستقذر ( و ) يقدم ( الخارج يمينه ) كالداخل للمسجد ؛ لأنها لغير المستقذر ومن ثم كان الأوجه فيما لا تكرمة فيه ولا استقذار أنه يفعل باليمين وفي شريف وأشرف كالكعبة وبقية المسجد تتجه مراعاة الأشرف وشريفين كمسجد بلصق مسجد مثله [ ص: 159 ] يتجه التخيير وبه يعلم تخير الخطيب عند صعوده للمنبر وشريف ومستقذر بالنسبة إليه كبيت بلصق مسجد وقذر وأقذر منه كخلاء في وسط سوق يتجه مراعاة الشريف في الأولى والأقذر في الثانية

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              حاشية ابن قاسم

                                                                                                                              ( فصل )

                                                                                                                              ( قوله : في أكثر ) يخرج بقيد أكثر نحو اعتماد اليسار جالسا واستقباله القبلة واستدبارها ومن [ ص: 158 ] الأكثر أن لا يحمل ذكر الله وقوله للغالب أي فلا مفهوم لهما ( قوله : ووصوله لمحل جلوسه ) أي ، ويمشي كيف اتفق في غيرهما ؛ لأنه أقذر مما بينه وبين الباب ويحتمل أن يتخير عند وصوله لمحل جلوسه أيضا ؛ لأن جميع ما بعد الباب أجزاء محل واحد ويؤيده التخيير عند وصول ذلك إذا لم يكن دهليز أو كان قصيرا فليتأمل ( قوله : ككل ) أي كدخول ذلك وبعد الدخول يمشي كيف اتفق ( قوله أنه يفعل باليمين ) لكن قضية قول المجموع ما كان من باب التكريم بدأ فيه باليمين وخلافه باليسار يقتضي أن يكون فيها باليسار شرح م ر ( قوله : كالكعبة وبقية المسجد ) ينبغي والروضة وبقية المسجد وقوله يتجه مراعاة الأشرف قضيته تقديم اليمين في دخول [ ص: 159 ] الكعبة واليسار في الخروج منها ويحتمل مراعاة الدخول مطلقا في الكعبة وبقية المسجد لمزيد عظمتها فيقدم اليمين في دخول الكعبة وفي الخروج منها ويحتمل تقديم اليمين في دخول الكعبة والتخيير في الخروج منها ( قوله : يتجه التخيير ) يتجه تقديم اليمين عند دخول أولها ثم التخيير بعد ذلك حتى في الدخول من الأول للثاني ويتجه في مستقذرين متصلين تقديم اليسار عند دخول أولهما والتخيير بعد ذلك حتى في الدخول من أحدهما للآخر م ر ( قوله : يتجه مراعاة الشريف ) أي فيقدم عند دخوله من البيت للمسجد اليمين وعند دخوله من المسجد للبيت اليسار ؛ لأن الأول دخول للمسجد والثاني خروج منه ( قوله : والأقذر ) كأن مراده تقديم اليسار لدخول الخلاء واليمين لخروجه منه



                                                                                                                              حاشية الشرواني

                                                                                                                              ( فصل في آداب قاضي الحاجة )

                                                                                                                              والآداب بالمد جمع أدب والمراد به هنا المطلوب شرعا فيشمل المستحب والواجب ع ش .

                                                                                                                              ( قوله : ندبا ) كذا في المغني وقال النهاية اعلم أن جميع ما هو مذكور في هذا الفصل من الآداب محمول على الاستحباب إلا الاستقبال والاستدبار ا هـ قال الرشيدي قوله : إلا الاستقبال والاستدبار يعني ما يتعلق بهما إذ الأدب إنما هو تركهما إذ هما إما حرامان أو مكروهان أو خلاف الأولى أو مباحان كما يأتي ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله : ثم الاستنجاء ) أي آداب الاستنجاء بمعنى الإزالة قال النهاية يعبر عنه بالاستنجاء وبالاستطابة وبالاستجمار والأولان يعمان الماء والحجر والثالث يختص بالحجر ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله : ولو لحاجة أخرى ) كوضع متاع أو أخذه ع ش ( قوله : وكذا في أكثر الآداب ) يخرج بقيد الأكثر نحو اعتماد اليسار جالسا واستقبال القبلة واستدبارها ومن الأكثر أن لا يحمل ذكر الله و ( قوله للغالب ) أي فلا مفهوم له سم ( قوله والمراد ) إلى قوله وفيما له دهليز في النهاية والمغني ثم قالا وقياس ما تقدم أنه يقدم اليمين في الموضع الذي اختاره للصلاة [ ص: 158 ] من الصحراء ، وهو كذلك ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله : والمراد الواصل لمحل إلخ ) أي والعائد منه ( قوله ولو بصحراء ) كأنه أشار بالغاية إلى أن الخلاء مستعمل في مكان قضاء الحاجة مطلقا مجازا وإلا فالخلاء عرفا كما في المحلي البناء المعد لقضاء الحاجة ع ش ( قوله لصيرورته به إلخ ) وأما كونه مأوى الشياطين فلا بد فيه من قضائها فيه بالفعل وأما كونه معدا فلا يصير إلا بإرادة العود إليه وهذا في غير الكنيف أما هي فتصير معدة ومأوى للشياطين بمجرد تهيئتها لقضائها ، وإن لم تقض فيها بالفعل برماوي وفي ع ش ما يوافقه .

                                                                                                                              ( قوله : كالخلاء الجديد ) ظاهر التشبيه أن الخلاء الجديد لا يصير مستقذرا إلا بإرادة قضاء الحاجة فيه فلا يكفي بناؤه لذلك لكن بحث شيخنا م ر أن هذا هو المراد بالإرادة المذكورة وعليه فالتشبيه ناقص رشيدي عبارة شيخه ، وهو ع ش الظاهر أن المراد بما ذكر أن الخلاء يصير مستقذرا بالإعداد لا أنه يتوقف أي استقذاره على إرادة قضاء الحاجة فيه ا هـ وجزم به شيخنا وكذا البرماوي كما مر ( قوله : ووصوله لمحل جلوسه ) أي ، ويمشي كيف اتفق في غيرهما ؛ لأنه أقذر مما بينه وبين الباب ويحتمل م ر أن يتخير عند وصوله لمحل جلوسه أيضا ؛ لأن جميع ما بعد الباب أجزاء محل واحد ويؤيده التخيير عند وصول ذلك إذا لم يكن دهليز أو كان قصيرا فليتأمل سم على حج ، وهو موافق لما اقتضاه كلام الشارح م ر من التخيير ع ش ( قوله : وأصل الخلاء ) إلى قوله من نحو سوق في المغني ( قوله بما تقضي إلخ ) عبارة المحلي والمغني نقل إلى البناء المعد لقضاء الحاجة عرفا ا هـ وتقدم أن البناء ليس بقيد قول المتن ( يساره ) بفتح الياء أفصح من كسرها مغني ( قوله : أو بدلها ) إلى قوله فيحرم في النهاية ( قوله : أو بدلها ) أي في حق فاقدها نهاية ( قوله : ككل مستقذر إلخ ) أي كالدخول ذلك وبعد الدخول يمشي كيف اتفق سم .

                                                                                                                              ( قوله من نحو سوق إلخ ) كالحمام والمستحم نهاية قال ع ش ، وينبغي أن مثل هذه المذكورات المحلات المغضوب على أهلها ومقابر الكفار ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله : كربا ) أي وتمويه وصوغ إناء من النقد ( قوله : ومنه يؤخذ ) أي مما في فتاوى المصنف ( قوله : كالزنية ) هي بمعنى الزنا كردي وضبطه القاموس بفتح الزاي وكسرها ( قوله : وذلك ) راجع إلى المتن ( قوله : لأنها للمستقذر ) وقد روى الترمذي عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن من بدأ برجله اليمنى قبل يساره إذا دخل الخلاء ابتلي بالفقر مغني وسلطان ( قوله كان الأوجه إلخ ) خلافا للمغني والزيادي والنهاية ( قوله : ما لا تكرمة فيه إلخ ) كأخذ متاع لتحويله من مكان إلى مكان آخر ع ش ( قوله : أنه يفعل باليمين ) لكن قضية قول المجموع ما كان من باب التكريم يبدأ فيه باليمين وخلافه باليسار يقتضي أن يكون فيها باليسار نهاية ا هـ واعتمده الزيادي والمغني كما مر ( قوله : وفي شريف وأشرف إلخ ) الذي يتجه في جميع هذه المسائل أن المدخول إليه متى كان شريفا قدم اليمنى مطلقا ، وإن كان خسيسا قدم اليسرى مطلقا أي سواء تساويا في الشرف أو الخسة أو تفاوتا نظرا لكون الشرف مقتضيا للتكريم وخلافه لخلافه فتأمل إن كنت من أهله بصري .

                                                                                                                              ( قوله : كالكعبة وبقية المسجد ) ينبغي والروضة وبقية المسجد سم ( قوله : يتجه إلخ ) خلافا للنهاية عبارته يظهر مراعاة الكعبة عند دخولها والمسجد عند خروجه منها لشرفهما ا هـ قال ع ش فيقدم يمينه دخولا وخروجا فيهما خلافا لابن حجر ا هـ ، وهو موافق لما مر عن البصري ( قوله : مراعاة الأشرف ) قضيته تقديم اليمين في دخول الكعبة واليسار في الخروج منها ويحتمل م ر مراعاة الدخول مطلقا في الكعبة وبقية المسجد لمزيد عظمتها فيقدم اليمين في دخول الكعبة وفي الخروج منها ويحتمل تقديم اليمين في دخول الكعبة والتخيير في الخروج منها سم وأقرب الاحتمالين أولهما الموافق لما مر عن النهاية والبصري وما اقتضاه [ ص: 159 ] كلام الشارح أبعد من كل منهما والله أعلم ( قوله : يتجه التخيير ) يتجه تقديم اليمين عند دخول أولهما ثم التخيير بعد ذلك حتى في الدخول من الأول للثاني ويتجه في مستقذرين متصلين تقديم اليسار عند دخول أولهما والتخيير بعد ذلك حتى في الدخول من أحدهما للآخر م ر ا هـ سم .

                                                                                                                              ( قوله : تخير الخطيب إلخ ) عبارة النهاية ولا نظر إلى تفاوت بقاع المسجد شرفا وخسة ا هـ قال ع ش أي في الحسن فإن قريب المنبر مثلا لا يساوي ما قرب من الباب في النظافة ومع ذلك لا نظر إلى هذا الشرف فيتخير في مشيه من أول المسجد إلى محل جلوسه ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله : وشريف إلخ ) فائدة

                                                                                                                              وقع السؤال عما لو جعل المسجد موضع مكس مثلا ويتجه تقديم اليمنى دخولا واليسرى خروجا ؛ لأن حرمته ذاتية فتقدم على الاستقذار العارض ولو أراد أن يدخل من دنيء إلى مكان جهل أنه دنيء أو شريف فينبغي حمله على الشرافة سم على البهجة قلت بقي ما لو اضطر لقضاء الحاجة في المسجد فهل يقدم اليسار لموضع قضائها أو يتخير لما ذكره من الحرمة الذاتية فيه نظر والأقرب الثاني ؛ لأن حرمته ذاتية ع ش أقول قد ينازع فيما نقله عن سم قول الإيعاب وكالخلاء في تقديم اليسرى دخولا واليمنى انصرافا الحمام والسوق ، وإن كان محل عبادة كالمسعى الآن فيما يظهر ومكان الظلم وكل منكر ا هـ فالمسعى حرمته ذاتية ؛ لأنه موضع عبادة ومع ذلك قدم الاستقذار العارض عليه كردي .

                                                                                                                              ( قوله : وقذر وأقذر ) وليس من المستقذرين فيما يظهر السوق والقهوة بل القهوة أشرف فيقدم يمينه دخولا قاله ع ش ولا يخلو عن نظر كردي أقول والنظر ظاهر بل لا يبعد العكس في زمننا ( قوله يتجه مراعاة الشريف إلخ ) أي فيقدم عند دخوله من البيت للمسجد اليمين وعند دخوله من المسجد للبيت اليسار ؛ لأن الأول دخول للمسجد والثاني خروج منه سم ( قوله والأقذار في الثانية ) كان مراده تقديم اليسار لدخول الخلاء واليمين لخروجه منه سم ( قوله : لمحل قضاء الحاجة ) هذا يخرج الدهليز المذكور وفيه نظر سم وقد يمنع دعوى الإخراج ، ويدعي أنه إنما عبر به ليشمل ما في الصحراء بقرينة ما قدمه هناك




                                                                                                                              الخدمات العلمية