الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              ( ويجوز الدفن ليلا ) بلا كراهة خلافا للحسن وحده مع أنه استدل بخبر في مسلم لا يدل له وذلك لما صح أنه صلى الله عليه وسلم فعله وكذا الخلفاء الراشدون [ ص: 195 ] ( ووقت كراهة الصلاة ) إجماعا وكالصلاة ذات السبب الآتي ( إذا لم يتحره ) لأن سببه وهو الموت متقدم أو مقارن أما إذا تحراه في الوقت المكروه من حيث الزمن فلا يجوز كما يأتي لخبر مسلم عن عقبة بن عامر رضي الله عنه { ثلاث ساعات نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصلاة فيهن وأن نقبر فيهن موتانا وذكر وقت الاستواء والطلوع والغروب } قال في المجموع عقبه عن جمع أنهم أجابوا عنه بأن الإجماع دل على ترك العمل بظاهره في الدفن وعن آخرين أنهم أجابوا بأن النهي إنما هو عن تحري هذه الأوقات للدفن فهذا هو المكروه وهو مراد الحديث قال وهذا أحسن من الأول بخلافه من حيث الفعل وهو ما بعد صلاة الصبح إلى الطلوع والعصر إلى الغروب فلا يحرم فيه وإن تحرى كما قاله الإسنوي وغيره واستدلوا له بالخبر وكلام الأصحاب لكن نوزع فيه بأن المعتمد أنه لا فرق وعليه فليس من التحري التأخير بقصد زيادة المصلين كما هو ظاهر خلافا لما يقتضيه كلام بعضهم لتعليلهم البطلان في التحري بأن فيه مراغمة الشرع وهذا لا مراغمة فيه بوجه وإن لم يندب كما مر .

                                                                                                                              ( تنبيه ) ظاهر كلامهم بل صريحه أنه لا فرق فيما ذكروه هنا بين حرم مكة وغيره ويشكل عليه ما مر من الفرق بينهما في الصلاة ومما يؤيد اتحاد المحلين المعتمد المذكور أنه لا فرق بين الأوقات الزمانية والفعلية كهو ثم وإن الأصحاب هنا أطلقوا الكراهة عند التحري واختلفوا ثم هل تكره أو تحرم والمعتمد الحرمة قال جمع فقياسه الحرمة هنا فهذا القياس صريح في استثناء حرم مكة هنا وإن تحرى كهو ثم وافتراقهما ما مر عن الإسنوي وغيره من قصر التحريم عند التحري على الأوقات الزمانية بخلافه ثم وما قالوه هنا أنه عند عدم التحري لا كراهة بخلافه ثم ولك أن تقول ما هنا من حيز ذي السبب المتقدم أو المقارن كما تقرر وما هو كذلك لا حرمة أو كراهة فيه ثم إلا عند التحري فكذا هنا فمن ثم انتفى النهي عند عدم التحري نظرا للسبب بقسميه هنا وثم وبهذا يتجه ترجيح المعتمد المذكور أنه لا فرق بين الوقت الفعلي والزماني لأن المدار على التحري وهو عام في الوقتين ثم فكذا هنا ويفرق بين اتحادهما في ذلك كله واختلافهما في حرم مكة بأن الصلاة لما تميزت فيه عليها في غيره بالمضاعفة [ ص: 196 ] الآتية التي لا توجد أصلا في غيره ناسب أن يوسع فيه لمريدها وإن تحراها فيه ولم يؤمر بتأخيرها إلى خارجه حيازة لتلك المضاعفة التي لا توجد في غيرها وأيضا فالتحري المنتج لمراغمة الشرع لا يتصور في الصلاة فيه مع قول الشارع صلى الله عليه وسلم { لا تمنعوا أحدا طاف وصلى أية ساعة شاء } ولا كذلك الدفن في الأمرين فإنه ليس من شأن الميت أن يخرج به من الحرم فلا يخشى فوات شيء وأيضا فتحري الدفن في هذا الوقت مع حصول المقصود منه بتأخيره إلى خروج الوقت المكروه فيه مراغمة ظاهرة فتأمل ذلك فإنه مهم والحاصل أن من شأن المصلي كونه تارة في الحرم وتارة خارجه فوسع له اغتنام الحرم ولم يتصور منه مراغمة والدفن ليس من شأنه ذلك فتصورت المراغمة فيه ( وغيرهما ) أي الليل ووقت الكراهة وهو ما بقي من النهار ( أفضل ) للدفن منهما أي فاضل عليهما لأنه مندوب بخلافهما نعم إن خشي من التأخير إلى الوقت المندوب تغير حرم أو زيادة على الإسراع المطلوب ندب تركه فيما يظهر

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              حاشية ابن قاسم

                                                                                                                              [ ص: 195 ] قوله فلا يجوز ) أي ومع ذلك يصح أما أولا فلحصول المقصود وأما ثانيا فلأنه في وقت أدائه فهو نظير الصلاة المراد إذا تحرى بها وقت الكراهة كالعصر إذا تحرى بها وقت الاصفرار فإنها مع كراهة التأخير تنعقد ( قوله والغروب ) لعل المراد قرب الغروب وهو الاصفرار ( قوله بأن المعتمد إلخ ) اعتمده م ر [ ص: 196 ] قوله والدفن ليس من شأنه ذلك ) قد يعكس ذلك لأنه لما كان من شأن المصلي ما ذكر كان فيه مراغمة ( قوله فتصورت المراغمة فيه ) أي فكره الدفن عند التحري في حرم مكة ولم تكره الصلاة عند التحري فيه



                                                                                                                              حاشية الشرواني

                                                                                                                              قول المتن ( ويجوز الدفن إلخ ) أي للمسلم أما موتى أهل الذمة فسيأتي إن شاء الله تعالى في الجزية أن الإمام يمنعهم من إظهار جنائزهم نهاية ومغني ( قوله بلا كراهة ) كذا في النهاية والمغني ( قوله لما صح إلخ ) [ ص: 195 ] عبارة النهاية والمغني { لأنه صلى الله عليه وسلم دفن ليلا } وأبو بكر وعمر وعثمان كذلك بل فعله صلى الله عليه وسلم أيضا ا هـ قول المتن ( ووقت كراهة الصلاة إلخ ) أي بلا كراهة نهاية ومغني ( قوله كالصلاة إلخ ) أي وقياسا عليها ( قوله الآتي ) أي آنفا في التنبيه ( قوله متقدم ) أي باعتبار الابتداء ( أو مقارن ) أي باعتبار الاستمرار ( قوله من حيث الزمن ) سيأتي محترزه في قوله بخلافه من حيث الفعل ( قوله فلا يجوز ) أي ومع ذلك يصح إما أولا فلحصول المقصود وإما ثانيا فلأنه في وقت أدائه فهو نظير الصلاة المؤداة إذا تحرى بها وقت الكراهة كالعصر إذا تحرى بها وقت الاصفرار فإنها مع كراهة التأخير تنعقد سم عبارة النهاية فإن تحراه كره كما في المجموع ا هـ زاد المغني واقتضاه كلام الروضة وإن اقتضى المتن عدم الجواز وجرى عليه شيخنا في شرح منهجه .

                                                                                                                              ويمكن حمله على عدم الجواز المستوي الطرفين وعلى الكراهة حمل خبر مسلم عن عقبة إلخ ( قوله كما يأتي ) يعني بالمعنى الآتي عن المجموع ( قوله وأن نقبر ) بضم الباء وكسرها نهاية ( قوله وذكر إلخ ) أي رسول الله صلى الله عليه وسلم بجيرمي ( قوله والغروب ) لعل المراد قرب الغروب وهو الاصفرار سم ( قوله أجابوا عنه ) أي عن خبر مسلم الظاهر في التحريم ( قوله وهو مراد الحديث ) اعتمده النهاية والمغني ( قوله وهو إلخ ) أي وقت الكراهة من حيث الفعل ( قوله فلا يحرم إلخ ) أي ولا يكره مغني ونهاية ( قوله بالخبر ) أي المار آنفا ومفهومه ( قوله لكن نوزع فيه إلخ ) عبارة المغني والنهاية وصوب في الخادم كراهة تحري الأوقات كلها وهو الظاهر ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله فلا فرق ) أي بين الأوقات الزمانية والفعلية فيكره في كلها مع التحري ( قوله وعليه ) أي النزاع المذكور .

                                                                                                                              ( قوله لتعليلهم إلخ ) متعلق بقوله فليس إلخ ( قوله البطلان ) أي بطلان الصلاة في وقت الكراهة في غير حرم مكة ( قوله وهذا ) أي التأخير إلى وقت الكراهة بقصد زيادة المصلين ( قوله كما مر ) في قول المصنف ولا تؤخر لزيادة المصلين ( قوله فيما ذكروه إلخ ) أي من الكراهة أو الحرمة مع التحري ( هنا ) أي في الدفن ( قوله عليه ) أي عدم الفرق هنا ( قوله ما مر ) أي في الصلاة ( قوله اتحاد المحلين ) أي الدفن والصلاة ( قوله المعتمد إلخ ) فاعل يؤيد ( قوله إنه إلخ ) بيان للمعتمد المذكور ( قوله كهو ثم ) أي كعدم الفرق في الصلاة ( قوله وإن الأصحاب إلخ ) عطف على قوله المعتمد إلخ ومحط التأييد قوله قال جمع إلخ .

                                                                                                                              ( قوله فقياسه ) أي التحريم في الصلاة ( قوله كهو ثم ) أي كالاستثناء في الصلاة ( قوله وافتراقهما إلخ ) عطف على اتحاد المحلين يعني مما يؤيد افتراق المحلين أمران أحدهما ما مر قبيل التنبيه عن الإسنوي والثاني ما قالوه إلخ ولكنهما مردودان لما يظهر من قوله ولك إلخ فثبت أنهما متحدان فقوى الإشكال ثم أجاب عنه بقوله ويفرق إلخ كردي ( قوله بخلافه ثم ) أي التحريم في الصلاة فيعم الزمانية والفعلية ( قوله بخلافه ثم ) أي بخلاف المنع في الصلاة فيعم التحري وعدمه ( قوله ولك أن تقول إلخ ) أي راد التأبيد الافتراق بما ذكر .

                                                                                                                              ( قوله فمن ثم انتفى النهي إلخ ) في هذا التفريع تأمل ( قوله وبهذا ) أي بعدم افتراق المحلين فيما ذكر ( قوله واختلافهما في حرم مكة ) أي حيث يكره الدفن مع [ ص: 196 ] التحري فيه بخلاف الصلاة ( قوله الآتية ) أي في الاعتكاف كردي ( قوله فيه ) لعله متعلق بمريدها والضمير لحرم مكة ( قوله وإن تحراها ) أي أوقات الكراهة ( فيه ) أي في حرم مكة ( قوله ولم يؤمر إلخ ) عطف على قوله ناسب إلخ ( قوله إلى خارجها ) أي خارج حرم مكة والتأنيث باعتبار المضاف إليه وكذا ضمير في غيرها ( قوله في الأمرين ) أي فوت المضاعفة بالتأخير وعدم تصور المراغمة بالتحري ( وقوله فإنه إلخ ) علة لانتفاء الأمر الأول و ( قوله وأيضا إلخ ) علة لانتفاء الأمر الثاني ( قوله والحاصل إلخ ) أي حاصل الأمرين المقتضيين لاختلافهما في حرم مكة ( قوله إن من شأن المصلي كونه إلخ ) أي وقد أذن له الشارع في أن يصلي فيه في أية ساعة شاء بقرينة قوله ولم يتصور إلخ ( قوله والدفن ليس من شأنه إلخ ) أي ولم يأذن الشارع بفعله في أية ساعة أريد بل نهى عن تحري أوقات الكراهة له ( قوله فتصورت إلخ ) أي فكره الدفن عند التحري في حرم مكة ولم تكره الصلاة عند التحري فيه سم ( قوله أفضل للدفن منهما )

                                                                                                                              فرع

                                                                                                                              يحصل من الأجر بالصلاة على الميت المسبوقة بالحضور معه أي من منزله مثلا قيراط ويحصل منه بها وبالحضور معه إلى تمام الدفن لا للمواراة فقط قيراطان لخبر الصحيحين { من شهد الجنازة حتى يصلي عليها فله قيراط ومن شهدها حتى تدفن } وفي رواية البخاري { حتى يفرغ من دفنها فله قيراطان } قيل وما القيراطان قال مثل الجبلين العظيمين ولمسلم أصغرهما مثل أحد وهل ذلك بقيراط الصلاة أو بدونه فيكون ثلاثة قراريط فيه احتمال لكن في صحيح البخاري في كتاب الإيمان التصريح بالأول ويشهد للثاني ما رواه الطبراني مرفوعا { من شيع جنازة حتى يقضي دفنها كتب له ثلاثة قراريط } وبما تقرر علم أنه لو صلى عليه ثم حضر وحده ومكث حتى دفن لم يحصل له القيراط الثاني كما صرح به في المجموع وغيره لكن له أجر في الجملة ولو تعددت الجنائز واتحدت الصلاة عليها دفعة واحدة هل يتعدد القيراط بتعددها أولا نظرا لاتحاد الصلاة .

                                                                                                                              قال الأذرعي الظاهر التعدد وبه أجاب قاضي حماة البارزي وهو ظاهر مغني وكذا في النهاية إلا قوله قيل إلى وبما تقرر قال ع ش قوله م ر لو صلى عليه ثم حضر وحده إلخ أي مشى وحده إلى محل الدفن ومثله ما لو سار من موضع الصلاة مع المشيعين ا هـ أي ولم يصل على الجنازة ( قوله أي فاضل ) إلى قوله نعم في النهاية إلا قوله أو زيادة إلى المتن قوله بل يجبان نظير ما مر وكذا في المغني إلا قوله وسيعلم إلى المتن ( قوله بخلافهما ) أي فإنهما خلاف السنة .




                                                                                                                              الخدمات العلمية