الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              [ ص: 198 ] ( ولو بنى ) نفس القبر لغير حاجة مما مر كما هو ظاهر أو نحو تحويط أو قبة عليه خلافا لمن زعم أن المراد الثاني وهل من البناء ما اعتيد من جعل أربعة أحجار مربعة محيطة بالقبر مع لصق رأس كل منها برأس الآخر بجص محكم أو لا لأنه لا يسمى بناء عرفا والذي يتجه الأول لأن العلة السابقة من التأبيد موجودة هنا ( في مقبرة مسبلة ) وهي ما اعتاد أهل البلد الدفن فيها عرف أصلها ومسبلها أم لا ومثلها بالأولى موقوفة بل هذه أولى لحرمة البناء فيها قطعا قال الإسنوي واعترض بأن الموقوفة هي المسبلة وعكسه ويرد بأن تعريفها يدخل مواتا اعتادوا الدفن فيه فهذا يسمى مسبلا لا موقوفا فصح ما ذكره ( هدم ) وجوبا لحرمته كما في المجموع لما فيه من التضييق مع أن البناء يتأبد بعد انمحاق الميت فيحرم الناس تلك البقعة وقد أفتى جمع بهدم كل ما بقرافة مصر من الأبنية حتى قبة إمامنا الشافعي رضي الله عنه التي بناها بغض الملوك وينبغي أن لكل أحد هدم ذلك ما لم يخش منه مفسدة فيتعين الرفع للإمام أخذا من كلام ابن الرفعة في الصلح ولا يجوز زرع شيء من المسبلة وإن تيقن بلى من بها لأنه لا يجوز الانتفاع بها بغير الدفن فيقلع وقول المتولي يجوز بعد البلى محمول على المملوكة

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              حاشية ابن قاسم

                                                                                                                              [ ص: 198 ] قوله في المتن ولو بنى إلخ ) لا يبعد أن مثل البناء ما لو جعل عليه دارة خشب كمقصورة لوجود العلة أيضا فليتأمل ( قوله والذي يتجه الأول ) لا يبعد أن يستثنى عليه ما لو كان جعل الأحجار المذكورة لحفظه من النبش والدفن عليه ( قوله لأن العلة السابقة ) في أي محل نعم ستأتي الإشارة إليه ( قوله ويرد بأن تعريفها يدخل مواتا ) هل يجوز إحياء موضع من هذا الموات دارا أو غيرها ويملك المحيي ذلك ويفرق بين ذلك وحرمة البناء للقبر بأنه ليس للتملك ويؤدي إلى التحجير أولا ويكون اعتياد الدفن فيه مانعا من الإحياء فيه نظر وقد يؤيد الأول إطلاقهم صحة إحياء الموات ( قوله وقد أفتى جمع إلخ ) الأوجه خلاف هذا الإفتاء ما لم يتحقق التعدي في بناء بعينه وإلا فما من بناء لم يتحقق أمره إلا وهو محتمل للوضع بحق فليتأمل ( قوله محمول على المملوكة ) هل المراد كالمملوكة في [ ص: 199 ] ذلك



                                                                                                                              حاشية الشرواني

                                                                                                                              قول المتن ( ولو بنى إلخ ) لا يبعد أن مثل البناء ما لو جعل عليه دارة خشب كمقصورة لوجود العلة أيضا فليتأمل سم على حج وهي التضييق ع ش ( قوله مما مر ) أي في شرح والبناء ( قوله أو نحو تحويط إلخ ) أي كبيت أو مسجد أو غير ذلك مغني ونهاية ( قوله من جعل أربعة أحجار مربعة إلخ ) أي مسماة بالتركيبية ع ش ( قوله والذي يتجه الأول ) لا يبعد أن يستثنى عليه ما لو جعل الأحجار المذكورة لحفظه من النبش والدفن عليه قبل بلائه سم وع ش ( قوله لأن العلة السابقة إلخ ) في أي محل نعم سيأتي الإشارة إليها سم قول المتن ( في مقبرة مسبلة ) ومن المسبل كما قال الدميري وغيره قرافة مصر فإن ابن عبد الحكم ذكر في تاريخ مصر أن عمرو بن العاص أعطاه المقوقس فيها مالا جزيلا وذكر أنه وجد في الكتاب الأول أي التوراة أنها تربة أهل الجنة فكاتب عمر بن الخطاب في ذلك فكتب إليه إني لا أعرف أي أعتقد تربة الجنة إلا لأجساد المؤمنين فاجعلوها لموتاكم وقد أفتى جماعة من العلماء بهدم ما بني فيها مغني .

                                                                                                                              زاد النهاية ويظهر حمله على ما إذا عرف حاله في الوضع فإن جهل ترك حملا على وضعه بحق كما في الكنائس التي نقر أهل الذمة عليها في بلدنا وجهلنا حالها وكما في البناء الموجود على حافة الأنهار والشوارع ا هـ ويندفع بذلك قول الشارح الآتي حتى قبة إمامنا الشافعي رضي الله عنه ( قوله بالأولى ) الأولى ليظهر الإضراب الآتي إسقاطه ( قوله ويرد بأن تعريفها يدخل مواتا إلخ ) هل يجوز إحياء موضع من هذا الموات دارا أو غيرها ويملك المحيي ذلك ويفرق بين ذلك وحرمة البناء للقبر بأنه ليس للتملك ويؤدي إلى التحجير أولا ويكون اعتياد الدفن فيه مانعا من الإحياء فيه نظر وقد يؤيد الأول إطلاقهم صحة إحياء الموات سم ويؤيده أيضا قول الأسنى والنهاية قال الأذرعي ويقرب إلحاق الموات بالمسبلة لأن فيه تضييقا على المسلمين بما لا مصلحة ولا غرض شرعي فيه بخلاف الإحياء ا هـ ويأتي آنفا عن الإيعاب ما قد يصرح بذلك مع ما فيه .

                                                                                                                              ولكن قول الشارح الآتي ولا يجوز زرع شيء إلخ صريح في الثاني وهو الظاهر والله أعلم ( قوله يدخل مواتا إلخ ) قد يقال وكذا يدخل موقوفة للدفن اعتادوا الدفن فيه فلا يصح ما ذكره الإسنوي المقتضي للمباينة بينهما ( قوله وجوبا ) إلى قوله مع أن البناء في النهاية والمغني ( قوله وقد أفتى جمع إلخ ) الأوجه خلاف هذا الإفتاء ما لم يتحقق التعدي في بناء بعينه وإلا فما من بناء لم يتحقق أمره إلا وهو محتمل للوضع بحق فليتأمل سم وتقدم عن النهاية ما يوافقه ( قوله حتى قبة إمامنا الشافعي رضي الله عنه إلخ ) هذا الإفتاء مردود لأن قبة إمامنا كانت قبل الوقف دار ابن عبد الحكم ع ش ( قوله محمول على المملوكة ) هل الموات كالمملوكة في ذلك سم .

                                                                                                                              أقول قد يصرح بذلك قول الشارح في الإيعاب ما نصه ويجوز زرع تلك الأرض أي التي تيقن بلاء من بها وبناؤها وسائر وجوه الانتفاع والتصرف باتفاق الأصحاب ذكر ذلك كله في المجموع وينبغي فرضه في مقبرة مملوكة أو موات لا مسبلة لحرمة نحو البناء فيها مطلقا ا هـ لكن صنيع الشارح هنا مع قوله المتقدم ويرد بأن تعريفها يدخل مواتا إلخ كالصريح في خلافه ويمكن أن يجمع بينهما بأن يحمل ما في الإيعاب على ما إذا ترك أهل البلد الدفن في ذلك الموات حالا مع عزمهم على تركه استقبالا أيضا وما هنا على خلافه فليراجع




                                                                                                                              الخدمات العلمية