الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              ( وشرط ) إجزاء الاقتصار على ( الحجر ) وما في معناه أو المراد بالحجر ما يعمهما ( أن ) لا يكون به رطوبة كالمحل ولو من عرق على ما اعتمده الأذرعي وفيه نظر والذي يتجه أنه لا يؤثر ويؤيده ما يأتي وأن ( لا يجف النجس ) الخارج أو بعضه وإلا تعين الماء في الجاف وكذا غيره إن اتصل به ، وإن بال أو تغوط مائعا ثانيا [ ص: 180 ] ولم يبل غير ما أصابه الأول كما اقتضاه إطلاقهم لتعين الماء بالجفاف فلا يرتفع بما حدث لكن قال جمع متقدمون بإجزائه حينئذ وكأنه لكون الطارئ من جنس الأول فصارا كشيء واحد وبه يعلم رد بحث بعضهم فيمن بال ثم أمنى أنه يجزئه الحجر ولو غسل ذكره ثم بال قبل الجفاف لم ينجس غير مماس البول كما يعلم من قوله في شروط الصلاة وإلا فغير المنتصف ( و ) أن ( لا ينتقل ) الخارج الملوث عما استقر فيه عند خروجه إذ لا ضرورة لهذا الانتقال فصار كتنجسه بأجنبي ( و ) أن ( لا يطرأ ) على المحل المتنجس بالخارج ( أجنبي ) نجس مطلقا أو طاهر جاف اختلط بالخارج لما مر في التراب أو رطب ولو ماء لغير تطهيره [ ص: 181 ] لا عرق إلا إن سال وجاوز الصفحة أو الحشفة إذ لا يعم الابتلاء به حينئذ خلافا لمن زعمه

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              حاشية ابن قاسم

                                                                                                                              ( قوله : الذي يتجه أنه لا يؤثر ) هل مثل ذلك بلل المحل فيما إذا استنجى بالماء ثم قضى حاجته أيضا قبل جفافه ثم أراد الاستنجاء بالحجر فليتأمل ( قوله : ولم يبل غير ما أصابه إلخ ) يتأمل وقوله لكن قال جمع متقدمون بإجزائه حينئذ عبارة شرح الروض ويستثنى مما إذا جف ما لو جف بوله ثم بال ثانيا فوصل بول إلى ما وصل إليه بوله الأول فيكفي فيه الحجر صرح به القاضي والغزالي .

                                                                                                                              وقوله فوصل بوله إلخ صريح في أنه لا يشترط على هذا أن يزيد الثاني على محل الأول بل يكفي أن يكون بقدره ، وهو الوجه خلافا لما أشار إليه الكنز لشيخنا الإمام البكري من [ ص: 180 ] اعتبار زيادة الثاني على الأول فليتأمل ( قوله : على المحل المتنجس بالخارج إلخ ) فيه أمران الأول أنه قد يقال حيث كان المطر وعليه هو المحل المتنجس بالخارج كان من لازم ذلك أن الطارئ اختلط بالخارج وهذا ينافي قوله مطلقا في النجس أي سواء اختلط بالخارج أو لا بدليل ما بعده وقوله اختلط بالخارج في الطاهر ؛ لأنه على هذا التقدير لا يكون إلا مختلطا .

                                                                                                                              والثاني أن القياس فيما لم يختلط بالنجس عدم منع إجزاء الحجر في النجس ، وإن كان الطارئ النجس يحتاج للماء فكيف يحكم بالمنع مطلقا فليتأمل ( قوله : لغير تطهيره ) إن أراد لغير تطهير [ ص: 181 ] المحل بمعنى أنه إذا أراد تطهير المحل بالماء لا يضر وصول ذلك الماء إليه فهذا معلوم لا يحتاج إليه ، وهو ليس مما نحن فيه ؛ لأن الكلام في الاستنجاء بالحجر ، وإن أراد لغير - تطهير نفسه بمعنى أنه إذا قدم الوضوء على الاستنجاء فأصاب ماء وضوئه المحل بأن تقاطر عليه منه شيء لم يمنع إجزاء الحجر فهو ممنوع مخالف لصريح كلامهم لا يقال يؤيده قولهم لا يضر الاختلاط بماء الطهارة ؛ لأنا نقول محل ذلك في نجاسة عفي عنها فلم تجب إزالتها والنجاسة التي في هذا المحل تجب إزالتها ولا يعفى عنها فيضر اختلاطها بالماء نعم إن أصاب المحل بعد الاستنجاء بالحجر رشاش طهارة نحو الوجه لم يبعد العفو فليتأمل ( قوله : لا عرق ) هذا في الطارئ ولو استنجى بالأحجار فعرق محله ، فإن سال منه وجاوزه لزمه غسل ما سال إليه وإلا فلا لعموم البلوى به م ر



                                                                                                                              حاشية الشرواني

                                                                                                                              ( قوله : ما يعمهما ) وهو جامد طاهر إلخ ( قوله أن لا يكون به رطوبة ) فلو استنجى بحجر مبلول لم يصح استنجاؤه ؛ لأن بلله يتنجس بنجاسة المحل ثم ينجسه فيتعين الماء نهاية ومغني وشرح بافضل ( قوله : كالمحل ) أي ولو كان من أثر نحو استنجاء قليوبي ( قوله : والذي يتجه إلخ ) وفاقا للنهاية والمغني ( قوله أنه ) أي بلل المحل من عرق لا يؤثر أي ؛ لأنه ضروري مغني وقليوبي .

                                                                                                                              قال سم هل مثل ذلك بلل المحل فيما إذا استنجى بالماء ثم قضى حاجته أيضا قبل جفافه ثم أراد الاستنجاء بالحجر فليتأمل ا هـ أقول تقدم عن القليوبي ، ويأتي عنه نفسه خلافه بل اقتصارهم على استثناء العرق وتعليلهم له بالضرورة كالصريح في أنه يتعين في ذلك الماء ثم رأيت أن ع ش عقب كلام سم المذكور بما نصه أقول الأقرب عدم كونه مثله ؛ لأن العرق مما تعم به البلوى بخلاف البلل المذكور ونحوه ، ويشمل ذلك قوله م ر رطوبة من غير عرق ا هـ وقوله ما يأتي أي في شرح ولا يطرأ أجنبي قول المتن ( لا يجف ) بالكسر وفتحه لغة مختار ا هـ ع ش .

                                                                                                                              ( قوله : وإلا تعين إلخ ) ؛ لأن الحجر لا يزيله هذا ضابط الجفاف المانع من إجزاء الحجر كما يفهمه كلام الإمداد والنهاية وغيرهما ( قوله : وإن بال [ ص: 180 ] إلخ ) غاية لقوله وإلا تعين إلخ كردي ( قوله : ولم يبل غير ما أصابه إلخ ) يتأمل سم عبارة النهاية والمغني وبل الثاني ما بله الأول ا هـ قال ع ش قوله : وبل الثاني إلخ صادق بما إذا زاد عليه ، وهو متجه ( قوله : لتعين الماء إلخ ) جرى عليه في شروح الإرشاد والعباب كردي .

                                                                                                                              ( قوله : لكن قال جمع متقدمون بإجزائه إلخ ) اعتمده النهاية والمغني قال الكردي وشيخ الإسلام في شرح البهجة والروض وغيرهم ، وهو المعتمد قال ابن عبد الحق وسم ، ويلحق بما لو كان الثاني بقدر الأول فقط ما لو زاد على ما وصل إليه الأول على الأوجه لا ما لو نقص عنه ولا يشترط أن يزيد الثاني على محل الأول بل يكفي أن يكون بقدره ا هـ واعتمد الإلحاق القليوبي وشيخنا ( قوله رد بحث إلخ ) وفاقا للرملي عبارة ع ش ظاهر عبارة الشارح م ر اعتبار الجنس حتى لو جف بوله ثم خرج منه دم وصل لما وصل إليه بوله لم يجز الحجر ويحتمل خلافه سم على البهجة وأفتى الشارح م ر رحمه الله تعالى بأن طرو المذي والودي مانع من الإجزاء فليسا كالبول ونقل بالدرس عن تقرير الزيادي رحمه الله تعالى خلافه أقول والأقرب ما أفتى به الشارح م ر لاختلافهما ا هـ .

                                                                                                                              ووافق الزيادي القليوبي وكذا شيخنا عبارته ، فإن جف كله أو بعضه تعين الماء ما لم يخرج بعده خارج ولو من غير جنسه ، ويصل ما وصل إليه الأول كأن يخرج نحو مذي وودي ودم وقيح بعد جفاف البول وإلا كفى الاستنجاء بالحجر وتقييد بعضهم بما إذا خرج بول للغالب ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله : وأن لا ينتقل الخارج إلخ ) ، فإن انتقل عنه بأن انفصل عنه تعين في المنفصل الماء وأما المتصل بالمحل ففيه تفصيل يأتي مغني عبارة الكردي قال في الإيعاب محل هذا في انتقال لا ضرورة إليه كما يعلم مما يأتي في الانتقال الحاصل من عدم الإرادة ، فإن انتقل تعين الماء ، وإن لم يجاوز الصفحة والحشفة ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله الخارج ) إلى قوله إلا إن سال في النهاية والمغني إلا قوله مطلقا وقوله جاف إلى رطب وقوله ولو ماء لغير تطهيره ( قوله : قبل الجفاف لم ينجس ) لكن ينبغي هنا عدم إجزاء الحجر أخذا من قوله السابق أن لا يكون به رطوبة كالمحل سم قول ( المتن ولا يطرأ أجنبي ) أي ولو من الخارج كرشاشه شرح بافضل ( قوله على المحل المتنجس إلخ ) فيه أمران الأول أنه قد يقال حيث كان المطر وعليه هو المحل المتنجس بالخارج كان من لازم ذلك أن الطارئ اختلط بالخارج وهذا ينافي قوله مطلقا في النجس أي سواء اختلط بالخارج أو لا بدليل ما بعده وقوله اختلط بالخارج في الطاهر ؛ لأنه على هذا التقدير لا يكون إلا مختلطا والثاني أن القياس فيما لم يختلط بالنجس عدم منع إجزاء الحجر في النجس ، وإن كان الطارئ النجس يحتاج للماء فكيف يحكم بالمنع مطلقا سم .

                                                                                                                              ( قوله : جاف إلخ ) خلافا للمغني والنهاية وشيخنا لكن الرشيدي اعتمد ما قاله الشارح ( قوله : لما مر ) أي في شرح كل جامد طاهر إلخ ( قوله : أو رطب ) أي ولو ببل الحجر مغني ( قوله : ولو ماء لغير تطهيره ) عبارة بافضل مع شرحه وأن لا يصيبه ماء غير مطهر له ، وإن كان طهورا أو مائع آخر بعد الاستجمار أو قبله لتنجسهما وكالمائع ما لو استنجى بحجر رطب ا هـ قال الكردي قوله : غير مطهر له لا يخلو عن تشويش فإن ذلك ينجر إلى أنه لا يضر في جواز الاستجمار بالحجر طرو ماء على المحل مطهر له ، وإذا طهره الماء لا حاجة إلى الحجر فما معنى هذا الاستثناء وفي حواشي التحفة لسم .

                                                                                                                              قوله : لغير تطهيره إن أراد لغير تطهير المحل بمعنى أنه إذا أراد تطهير المحل بالماء لا يضر وصول ذلك الماء إليه فهذا معلوم لا يحتاج إليه ، وهو ليس مما نحن فيه ؛ لأن الكلام في الاستنجاء بالحجر ، وإن أراد لغير تطهير نفسه بمعنى أنه إذا قدم الوضوء على الاستنجاء فأصاب ماء وضوئه المحل بأن تقاطر عليه منه شيء لم يمنع إجزاء الحجر فهو ممنوع مخالف لصريح كلامهم انتهى وحاول الهاتفي في حواشي التحفة أن يجيب عن إيراد سم فلم يجب بشيء ، عبارته يعني إذا لاقاه لتطهيره فالأمر حينئذ ظاهر أنه لا يكفيه إلا الماء وأما إذا لاقاه لغير تطهيره كأن أصابته [ ص: 181 ] نقطة ماء أو مائع سواء أكان الماء ماء وضوئه فيما إذا قدم الوضوء على الاستنجاء فأصاب ماء وضوئه المحل بأن تقاطر عليه شيء منه أو لم يكن ماء وضوئه فيكون الماء متعينا أيضا لما نقلناه عن المجموع هكذا يفهم المقام انتهى وعليه فلا فرق بين الماء المطهر له وغيره وحينئذ فلا يحتاج لقوله لغير تطهيره بل هذا الاستثناء يوهم خلاف المقصود إلا أن يقال لم ينبه عليه الشارح لوضوح أنه حيث طهره الماء لا يحتاج للحجر كما قال الهاتفي فالأمر حينئذ ظاهر إلخ وبالجملة فهو غير صاف من كل الوجوه فحرره ا هـ .

                                                                                                                              وأجاب ع ش بما نصه ويمكن أن يقال احترز بقوله لغير تطهيره عما لو تقاطر من وجهه مثلا حال غسله ماء على محل الاستنجاء فلا يضر ؛ لأنه تولد من مأمور به على نجس معفو عنه فأشبه ما لو تساقط على ثوبه الملوث بدم البراغيث ا هـ أقول قوله : فلا يضر في سم ما يوافقه لكن رده الكردي بما نصه هذا يخالف قول الشارح في هذا الكتاب وأن لا يصيبه ماء غير مطهر إلخ إذ ماء طهارة نحو الوجه غير مطهر للمحل فلا فرق بين أن يصيبه بعد الاستجمار أو قبله ا هـ ولو سلم والكلام هنا فيما قبل الاستجمار فلا يلاقيه كلام ع ش المفروض فيما بعده ( قوله : لا عرق إلخ ) هذا في الطارئ فلو استنجى بالأحجار فعرق محله ، فإن سال منه وجاوزه لزمه غسل ما سال إليه وإلا فلا لعموم البلوى به م ر ا هـ سم وكذا في النهاية وشرح بافضل قال ع ش قوله : م ر لزمه غسل ما سال إلخ شامل لما لو سال لما لاقى الثوب من المحل فيجب غسله وفيه مشقة وقد يقال يعفى عما يغلب وصوله إليه من الثوب وعبارة الشارح م ر في شروط الصلاة بعد قول المصنف ويعفى عن محل استجماره نصها ، وإن عرق محل الأثر وتلوث بالأثر غيره لعسر تجنبه كما في الروضة والمجموع هنا انتهى ا هـ وعبارة الكردي ظاهره الاكتفاء بالحجر في غير المجاوز وكذلك ظاهر عبارة الإمداد وشرح البهجة والنهاية وهذا ظاهر مع التقطع أما مع الاتصال فلم يظهر لي وجهه بل الذي يظهر وجوب غسل الجميع وذلك ؛ لأن استيعاب غسل المجاوز يتوقف على غسل جزء من الباطن ، وإذا غسل جزءا من الباطن فقد طرأ عليه أجنبي ، وهو ماء الغسل فيتعين الماء في الجميع ا هـ .

                                                                                                                              أقول إن قوله ظاهره الاكتفاء بالحجر إلخ يمنعه أن الكلام في العرق الطارئ بعد الاستنجاء بالحجر كما مر عن سم فمفاد عبارتهم المذكورة عدم لزوم الاستنجاء في غير المجاوز حينئذ مطلقا ، وأن قوله أما مع الاتصال إلخ يمكن أن يلتزم ما تقتضيه العبارة المذكورة من العفو عن غير المجاوز لتولد الطارئ عليه من مأمور به نظير ما مر عن ع ش وسم آنفا




                                                                                                                              الخدمات العلمية