الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              ( وكذا لو وافق عادة تطوعه ) كأن اعتاد سرد الصوم أو صوم نحو الاثنين أو صوم يوم وفطر يوم فوافق يوم الشك يوم صومه لخبر الصحيحين بذلك قال بعضهم وتثبت العادة هنا بمرة ( وهو ) أي : يوم الشك الذي يحرم صومه بسببين كونه يوم شك وكونه بعد النصف من شعبان ( يوم الثلاثين من شعبان إذا تحدث الناس ) أي : جمع منهم [ ص: 419 ] بحيث يتولد من تحدثهم الشك في الرؤية فيما يظهر وأما قول الروض الذي يتحدث فيه بالرؤية من يظن صدقه فهو مخالف لعبارة أصله وعجيب كون شيخنا لم ينبه على ذلك وهي إذا وقع في الألسن أنه رئي ولم يقل عدل أنا رأيته أو قاله ولم يقبل الواحد أو قاله عدد من النساء أو العبيد أو الفساق وظن صدقهم انتهت فظن الصدق إنما اشترطه في قول غير الأهل لا في التحدث .

                                                                                                                              فالوجه أنه لا يشترط فيه ظن صدق بل تولد شك كما ذكرته ( برؤيته ) أي : بأن الهلال رئي ليلته وإن أطبق الغيم على الأوجه ولم يعلم من رآه ( أو شهد ) أي : أخبر ؛ إذ لا يشترط ذكر ذلك عند حاكم ومن ثم عبر أصله بقال ( بها صبيان أو عبيد أو فسقة ) أو نساء وظن صدقهم أو عدل ورد ويكفي اثنان من كل على ما أخذ من كلام الروضة واشترط العدد هنا بخلاف ما مر في النية احتياطا فيهما فإن فقد ذلك حرم صومه لكونه بعد النصف لا لكونه يوم شك .

                                                                                                                              ومر أول الباب أن من اعتقد صدق من أخبره من هؤلاء لزمه الصوم ويقع عن رمضان وقد جمعوا بين ما أوهمه كلامه من التنافي ثم وفي النية وهنا بأمور كثيرة ذكرتها مع ما فيها في شرح العباب ومن أحسنها ما قدمته في مبحث النية ( وليس إطباق الغيم بشك ) ؛ لأنا تعبدنا فيه بإكمال العدد كما مر

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              حاشية ابن قاسم

                                                                                                                              [ ص: 418 ] قوله في المتن وكذا لو وافق عادة تطوعه ) لو اختلفت عادته فينبغي اعتبار عام آخر العادات وأظن شيخنا أفتى به .

                                                                                                                              ( قوله قال بعضهم وتثبت العادة بمرة ) أفتى بذلك شيخنا الشهاب الرملي وقد يستشكل تصور العادة ؛ إذ لا يجوز صوم يوم الشك ابتداء بلا سبب والمرة الأولى التي تثبت بها العادة لا سبب لها فيمتنع ويجاب بتصورها بأن يصوم قبل النصف يوما معينا كالاثنين فإذا وافق يوم الشك الاثنين فله صومه ثم رأيته في شرح العباب أشار إلى ذلك حيث قال وقد عبر العباب بدل العادة بالورد ما نصه وهل يثبت الورد بمرة حتى لو صام الاثنين قبل نصف شعبان مثلا بمرة جاز له صوم يوم الشك إذا وافق ذلك فيه نظر وقياس كلامهم في الحيض وغيره نعم إلا أن يفرق ثم رأيت الزركشي قال : لم يتعرضوا لضابط العادة ثم أبدى احتمالين تقديرها بمرة أو بالعرف ا هـ بقي أنه لو اعتاد صوم شعبان أو نصفه الثاني مع اليوم الذي قبله فهل له الاقتصار على صوم يوم الشك ؛ لأنه من جملة العادة فيه نظر فإن صح ذلك صح التصوير به أيضا فليتأمل فإن الظاهر أن ذلك صحيح ؛ إذ كل يوم من نصفه الثاني صار عادة له ولو تقدمت هذه المسألة واختلفت عادته اعتبر عام آخر العادات [ ص: 419 ] قوله عن الروض من يظن صدقه ) معناه من من شأنه أن يظن صدقه بأن يكون حاله مما يصلح لظن صدقه لكنه لم يظن احترازا عما ليس كذلك فإن تحدث لا يؤثر شيئا ولا شكا وحينئذ فلا إشكال على الروض ولا عجب في سكوت شرحه فليتأمل .

                                                                                                                              ( قوله احتياطا ) يتأمل معنى الاحتياط بالنسبة لما هنا فإنه إن وجد المجوز لصحة ما بعد النصف من نحو وصل بما قبله أو عادة جاز الصوم مطلقا وإلا لم يجز مطلقا ( قوله ومر أول الباب أن من اعتقد صدق من أخبره من هؤلاء لزمه الصوم ويقع عن رمضان وقد جمعوا إلخ ) قال الأذرعي يجوز أن يكون الكلام في يوم الشك في عموم الناس لا في أفرادهم فيكون شكا بالنسبة إلى غير من ظن صدقهم وهو أكثر الناس دون أفراد من اعتقد صدقهم ألا ترى أنه ليس بشك بالنسبة إلى من رآه من الفساق والعبيد [ ص: 420 ] والنساء بل هو رمضان في حقهم قطعا ا هـ وهو حسن جدا .



                                                                                                                              حاشية الشرواني

                                                                                                                              قول المتن ( وكذا لو وافق عادة إلخ ) ولو صام يوم الشك قضاء عن صوم يستحب قضاؤه لم يحسب ذلك وردا له حتى يصومه عن القابل إيعاب قال سم لو اختلفت عادته فينبغي اعتبار عام آخر العادات وأظن شيخنا الشهاب الرملي أفتى بذلك ا هـ وقال ع ش وكتب سم على شرح البهجة وقد يشكل تصوير العادة ابتداء ؛ لأن ابتداء الصوم بعد النصف بلا سبب ممتنع فيحتاج لعادة فينقل الكلام إليها فيتسلسل ويجاب بأن يصور ذلك بما إذا صام الاثنين مثلا قبل النصف فالظاهر أن له صومه بعده ؛ لأنه صار عادة له ولو اختلفت عادته كأن اعتاد الاثنين في عام والخميس في آخر فهل يعتبر الأخير أو نقول كل صار عادة له فيه نظر ولا يبعد الثاني نعم إن عزم على هجر أحدهما والإعراض عنه فيحتمل أن لا يعتبر ا هـ وهو ظاهر ويمكن أن يحمل عليه ما نقل عن إفتاء والد الشارح م ر أن العبرة بعادته في السنة الثانية الماضية لا القديمة ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله كأن اعتاد سرد الصوم ) انظر ما تصويره الخالي عن اعتياد الاتصال بالنصف الأول ( قوله قال بعضهم إلخ ) عبارة النهاية وتثبت عادته المذكورة بمرة كما أفتى به الوالد رحمه الله تعالى ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله بمرة ) وعليه فلو صام في أول شعبان يومين متفرقين ثم أفطر باقيه فوافق يوم الشك يوما لو دام على حاله الأول من صوم يوم وفطر يوم لوقع يوم الشك موافقا ليوم الصوم صح صومه ومثله ما لو صام يوما قبل الانتصاف علم أنه يوافق آخر شعبان واتفق أن آخر شعبان حصل فيه شك فلا يحرم صومه ؛ لأنه صار عادة له ع ش وفي الكردي على بافضل عن فتاوى الشارح ما نصه والذي يظهر أنه يكتفي في العادة بمرة إن لم يتخلل فطر مثل ذلك اليوم الذي اعتاده فإذا اعتاد صوم يوم الاثنين في أكثر أسابيعه جاز له صومه بعد النصف ويوم الشك وإن كان أفطر قبل ذلك ؛ لأن هذا يصدق عليه عرفا أنه معتاده وإن تخلل بين عادته وصومه بعد النصف أفطره وأما إذا اعتاده مرة قبل النصف ثم أفطر من الأسبوع الذي بعده ثم دخل النصف فالظاهر أنه لا يجوز له صومه ؛ لأن العادة حينئذ بطلت بفطر اليوم الثاني بخلاف ما إذا صام الاثنين الذي قبل النصف ثم دخل النصف من غير تخلل يوم اثنين آخر بينهما فإنه يجوز صوم يوم الاثنين الواقع بعد النصف ؛ لأنه اعتاده ولم يتخلل ما يبطل العادة فإذا صامه ثم أفطر من أسبوع ثان ثم صادف الاثنين الثالث يوم [ ص: 419 ] الشك فالظاهر أنه يجوز له صومه ولا يضر تخلل فطره ؛ لأنه سبق له صومه بعد النصف وذلك كاف وذلك ما ظهر لي الآن ولعلنا نزداد فيه علما أو نقلا نشهده ا هـ وهذا يخالفه إطلاق ما مر عن ع ش وفي سم ما يوافق هذا الإطلاق .

                                                                                                                              ( قوله بحيث يتولد من تحدثهم الشك إلخ ) هل يعتبر الشك هنا والظن فيما يأتي بالنسبة لكل أحد حتى لا يحرم صومه من حيث إنه يوم شك على الخالي عنهما الظاهر نعم وإن اقتضى كلام الأذرعي المنقول في النهاية خلافه بصري أقول بل وجود ما ذكر من الشك والظن بالنسبة لكل أحد من المحال العادي كما هو ظاهر ( قوله وأما قول الروض إلخ ) أي : بدل قول المصنف إذا تحدث إلخ ( قوله من يظن صدقه ) معناه ممن شأنه أن يظن صدقه بأن يكون حاله مما يصلح لظن صدقه لكن لم يظن احترازا عما ليس كذلك فإن تحدثه لا يؤثر شيئا ولا شكا وحينئذ فلا إشكال على الروض ولا عجب في سكوت شرحه فليتأمل سم .

                                                                                                                              ( قوله وهي ) أي عبارة الروضة ( قوله وظن صدقهم انتهت ) وقول الروضة وظن صدقهم يحتمل عوده إلى الجميع بل هو الظاهر بناء على ما صرحوا به في الوقف من أن القيد الأخير يعود على جميع الجمل المتقدمة عليه فليتأمل . ثم رأيت الفاضل المحشي قال قول الروضة يظن صدقه معناه ما من شأنه إلخ ا هـ بصري .

                                                                                                                              ( قوله على الأوجه ) أي : خلافا لصاحب البهجة حيث قيده بعدم إطباقه نهاية ومغني ( قوله أو نساء ) إلى قوله وقد جمعوا في النهاية والمغني إلا قوله واشترط العدد إلى ومر ( قوله ورد ) أي : على المرجوح السابق ع ش أي أو لأمر آخر ( قوله ويكفي اثنان إلخ ) ومثلهما الواحد كما يأتي ع ش ( قوله احتياطا فيهما ) يتأمل معنى الاحتياط بالنسبة لما هنا فإنه إن وجد المجوز لصحة ما بعد النصف من نحو وصل بما قبله أو عادة جاز الصوم مطلقا وإلا لم يجز مطلقا سم ولك أن تجيب بأن المراد كما عبر به غيره احتياطا للعبادة وتحريمها .

                                                                                                                              ( قوله وقد جمعوا إلخ ) قال الأذرعي يجوز أن يكون الكلام في يوم الشك في عموم الناس لا في أفرادهم فيكون شكا بالنسبة إلى غير من ظن صدقهم وهو أكثر الناس دون أفراد من اعتقد صدقهم ألا ترى أنه ليس بشك بالنسبة إلى من رآه من الفساق والعبيد والنساء بل هو رمضان في حقهم قطعا ا هـ وهو حسن جدا سم وقوله اعتقد أراد به ما يشمل الظن بدليل أول كلامه ووافقه أي : الأذرعي المغني فقال : نعم من اعتقد صدق من قال إنه رآه ممن ذكر يجب عليه الصوم كما تقدم عن البغوي في طائفة أول الباب وتقدم في أثنائه صحة نية المعتقد أي : الظان لذلك ووقوع الصوم عن رمضان إذا تبين كونه منه قال الشارح فلا تنافي بين ما ذكر في المواضع الثلاثة ا هـ أي لأن يوم الشك الذي يحرم صومه هو على من لم يظن الصدق هذا موضع وأما من ظنه أو اعتقده صحت النية منه ووجب عليه الصوم وهذان موضعان وفي هذا رد على قول الإسنوي أن كلام الشيخين في الروضة وشرح المهذب متناقض من ثلاثة أوجه في موضع يجب وفي موضع يجوز وفي موضع يمتنع ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله ما قدمته في مبحث النية ) حاصل ذلك وما اختاره الشارح م ر إن ظن صدق هؤلاء مصحح للنية فقط ثم إن تبين كونه من رمضان بشهادة معتبرة صح صومه اعتمادا على هذه النية وإن لم يتبين فهو يوم شك يحرم صومه هذا إذا لم يعتقد صدقهم فإن اعتقد ذلك بأن وقع الجزم بخبرهم صح الصوم اعتمادا على ذلك رشيدي .

                                                                                                                              ( قوله ؛ لأنا تعبدنا ) إلى قوله وقضيته في النهاية والمغني ( قوله ؛ لأنا تعبدنا فيه إلخ ) أي : فلا يكون هو يوم شك بل يكون من شعبان للخبر المار ولا أثر لظننا رؤيته لولا السحاب لبعده عن الشمس ولو كانت السماء مصحية وتراءى الناس فلم يتحدث برؤيته فليس بيوم شك وقيل [ ص: 420 ] هو يوم شك ولو كان في السماء قطع سحاب يمكن أن يرى الهلال من خلالها وأن يخفى تحتها ولم يتحدث برؤيته فقيل هو يوم شك ، وقيل لا قال في الروضة الأصح ليس بشك نهاية قال ع ش قوله م ر وقيل هو يوم شك انظر ما فائدة الخلاف مع أنه يحرم صومه على كل تقدير ؛ إذ بفرض أنه ليس بشك هو يوم من النصف الثاني من شعبان ، وصومه حرام ثم رأيت سم على شرح البهجة قال ما نصه قوله وإذا انتصف شعبان حرم الصوم إلخ هذا قد يوجب أنه لا خصوصية ليوم الشك ؛ لأنه مع الوصل بما قبله يجوز صوم يوم الشك وغيره ومع عدم الوصل يمتنع صوم كل واحد منهما إلا أن تجعل الخصوصية أنه عند عدم الوصل يحرم صوم يوم الشك من جهتين بخلاف غيره فليتأمل ا هـ وقد يقال أيضا فائدة الخلاف تظهر في التعاليق كما لو قال : إن كان اليوم الفلاني يوم شك فعبدي حر أو نحوه فيؤاخذ بذلك حيث قلنا : إنه شك ع ش .




                                                                                                                              الخدمات العلمية