الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              ( وأن يسعى بعد طواف ركن أو قدوم ) ؛ لأنه الوارد عنه صلى الله عليه وسلم بل حكي فيه الإجماع فلا يجوز بعد طواف نفل كأن أحرم من بمكة بحج منها ثم تنفل بطواف وأراد السعي بعده كما في المجموع وقول جمع بجوازه حينئذ ضعيف كقول الأذرعي في توسطه الذي تبين لي بعد التنقيب أن الراجح مذهبا صحته بعد كل طواف صحيح بأي وصف كان لا بعد طواف وداع بل لا يتصور كما قالاه وقوعه بعده ؛ لأنه لا يسمى طواف وداع إلا إن كان بعد الإتيان بجميع المناسك ومن ثم لو بقي عليه شيء منها جاز له الخروج من مكة بلا وداع لعدم تصوره في حقه حينئذ وتصوره فيمن أحرم بحج من مكة ثم أراد خروجا قبل الوقوف ؛ لأنه يسن له طواف الوداع لا نظر إليه ؛ لأن كلامهما كما قاله الأذرعي في طواف الوداع المشروع بعد فراغ المناسك لا في كل وداع وقول جمع في هذه الصورة أن له السعي بعده إذا عاد ضعيف كما في المجموع وإذا أراد السعي بعد طواف القدوم كما هو الأفضل ؛ لأنه الذي صح عنه صلى الله عليه وسلم لم تلزمه الموالاة بينهما بل له تأخيره ، وإن طال لكن ( بحيث لا يتخلل بينهما ) أي السعي وطواف القدوم ( الوقوف بعرفة ) ؛ لأنه يقطع تبعيته للقدوم قبله فيلزمه تأخيره إلى ما بعد طواف الإفاضة [ ص: 100 ]

                                                                                                                              ( تنبيه ) أحرم بالحج من مكة ثم خرج ثم عاد لها قبل الوقوف فهل يسن له طواف القدوم نظرا لدخوله أو لا نظرا لعدم انقطاع نسبته عنها أو يفرق بين أن ينوي العود إليها قبل الوقوف أو لا كل محتمل ، ولو قيل بالثالث لم يبعد إلا أن إطلاقهم ندبه للحلال الشامل لما إذا فارق عازما على العود ثم عاد يؤيد الأول ثم رأيت في كلام المحب الطبري ما يصرح بالأول ويفرق بينه وبين عدم وجوب طواف الوداع على الخارج المذكور بأن طواف الوداع إنما يكون بعد فراغ المناسك كلها ، ولا كذلك طواف القدوم وعليه فيجزئ السعي بعده ويفرق بينه وبين من عاد لمكة بعد الوقوف وقبل نصف الليل ، فإنه يسن له القدوم ولا يجزئه السعي حينئذ بأن السعي متى أخر عن الوقوف وجب وقوعه بعد طواف الإفاضة ( ومن سعى بعد ) طواف ( قدوم ولم يعده ) أي لم يندب له إعادته بعد طواف الإفاضة بل يكره ؛ { لأنه صلى الله عليه وسلم وأصحابه لم يسعوا إلا بعد طواف القدوم } رواه مسلم ومن ثم لم يسن للقارن رعاية خلاف موجبها ومر وجوبها [ ص: 101 ] على من كمل قبل فوات الوقوف .

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              حاشية ابن قاسم

                                                                                                                              ( قوله : ثم أراد خروجا قبل الوقوف ) أي ولو إلى منى يوم الثامن للمبيت بها ليلة التاسع ثم الذهاب للوقوف وظاهره أنه لا فرق في الخروج لغير منى بين الخروج لمسافة القصر وما دونها فليراجع ( قوله : إذا عاد ) كان التقييد بالعود ؛ لأن السعي قبل خروجه يوجب المكث بعد الطواف ولتراخيه عنه . ( قوله في المتن : بحيث لا يتخلل بينهما الوقوف بعرفة ) عبارة العراقي في شرح البهجة لكن يشترط أن لا يتخلل بينهما ركن كالوقوف والحلق . ا هـ . وهو يدل على أنه لو حلق بعد انتصاف ليلة النحر قبل الوقوف امتنع السعي ، وقد يشكل على هذا بعد تسليمه أن الحلق لا يدخل وقته قبل الوقوف ولهذا قال في العباب كشرح الروض وأول وقت غيره أي غير الذبح من الحلق وغيره لمن وقف من انتصاف ليلة النحر . ا هـ .

                                                                                                                              فدل قوله لمن وقف على توقف دخول وقت الحلق على الوقوف ، فإن قلت لكنه مع عدم دخول وقته يجزئ قلت ممنوع إلا بنقل حتى إذا حلق قبل الوقوف ثم وقف طولب بالحلق إن أمكن بأن نبت الشعر أو كان قد قصر فقط ( قوله : فيلزمه تأخيره إلى ما بعد طواف الإفاضة ) قال في شرح الإيضاح ومر عن الأذرعي أنه يسن لمن دفع من [ ص: 100 ] عرفة إلى مكة قبل نصف الليل طواف القدوم فعليه يجوز له السعي بعده وقد يفهمه قولهم لو وقف لم يجز السعي إلا بعد طواف الإفاضة لدخول وقته ، وهو فرض فلم يجز بعد نفل مع إمكانه بعد فرض . ا هـ . فأفهم التعليل بدخول وقته إلخ جوازه قبله ، وهو خلاف قوله الآتي ولا يجزئه السعي حينئذ إلى استئناف قال م ر في شرحه ولو دخل حلال مكة فطاف للقدوم ثم أحرم بالحج فهل له السعي حينئذ كما اقتضاه إطلاقهم أو لا ، ويحمل كلامهم على ما لو صدر طواف القدوم حال الإحرام لشمول نية الحج لهما حينئذ فكانت التبعية صحيحة لوجود المجانسة بخلافه في تلك فالمجانسة منتفية بينهما كل محتمل ، وظاهر كلامهم الآتي في طواف الوداع يؤيد الثاني ، وهو الظاهر ولو طاف للقدوم فهل له أن يسعى بعض السعي ويكمله بعد الوقوف وطواف الركن فيه نظر أيضا والأقرب لكلامهم المنع . ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله : تنبيه أحرم بالحج من مكة إلخ ) الذي في شرح العباب ما نصه : وقد يدخل في قولهم أو قدوم ما لو أحرم المكي مثلا بالحج من مكة ثم خرج لحاجة ثم عاد قبل الوقوف ، فإنه الآن يسن له طواف القدوم فينبغي إجزاء السعي بعده كما شمله كلامهم . ا هـ . فجزم بسن طواف القدوم واقتصر على أنه ينبغي إجزاء السعي بعده ( قوله : بل يكره ) لكن الأفضل تأخيره عن طواف الإفاضة كما أفتى به شيخنا الشهاب الرملي [ ص: 101 ] وتقدم خلافه ( قوله : على من كمل ) أي ببلوغ أو عتق ( قوله : قبل فوات الوقوف ) أي إذا أعاد الوقوف .



                                                                                                                              حاشية الشرواني

                                                                                                                              ( قوله : كما في المجموع ) ، وهو المعتمد نهاية ( قوله : وقول جمع إلخ ) ونص البويطي والخفاف والإسنوي والعمراني والبندنيجي وابن الرفعة أن السعي يجزئ بعد طواف الوداع والنفل الصحيح محمد صالح عبارة النهاية وصوب الإسنوي وقوعه بعد طواف نفل بأن يحرم المكي بالحج ثم يتنفل بطواف ثم يسعى بعده وقد جزم بالإجزاء في هذه المحب الطبري ويوافقه قول ابن الرفعة اتفقوا على أن شرطه أن يقع بعد طواف ولو نفلا إلا طواف الوداع ويرده ما مر عن المجموع . ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله : لا بعد طواف إلخ ) الظاهر ولا بعد إلخ لا يقال هو مستثنى مما قبله فيكون من تتمة كلام الأذرعي ؛ لأنه خلاف الواقع فكلام الأذرعي على العموم ، وإنما استثناء طواف الوداع فقط في كلام ابن الرفعة هذا ومن تأمل السباق والسياق لم يشك فيما ذكرته ثم رأيت نسخة المصنف وقد ضرب على الواو فيها فلعله من تصرف بعض القاصرين بصري ( قوله : ؛ لأنه لا يسمى إلخ ) عبارة المغني ؛ لأنه إذا بقي السعي لم يكن المأتي به طواف وداع . ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله : وتصوره ) إلى التنبيه في المغني وكذا في النهاية إلا قوله كما هو الأفضل ( قوله : ثم أراد خروجا إلخ ) أي ولو إلى منى يوم الثامن للمبيت بها ليلة التاسع ثم الذهاب للوقوف وظاهره أنه لا فرق في الخروج لغير منى بين الخروج لمسافة القصر وما دونها فليراجع سم . أقول صرح بعدم الفرق النهاية والمغني وشيخ الإسلام ونقله الونائي عن الإمداد والفتح ( قوله : وقول جمع إلخ ) منهم الإسنوي والبندنيجي والعمراني وفي نص البويطي وكلام الخفاف ما يوافقه ومع ذلك فالمعتمد ما قاله في المجموع من أن ظاهر كلام الأصحاب اختصاصه بما بعد القدوم والاستفاضة نهاية ( قوله : إذا عاد ) كان التقييد بالعود ؛ لأن السعي قبل خروجه يوجب المكث بعد الطواف فيخرجه عن كونه وداعا فليتأمل سم . ( قوله : كما هو الأفضل ) وفاقا للمغني وخلافا للنهاية عبارته والأفضل تأخيره عن طواف الإفاضة كما أفتى به الوالد رحمه الله تعالى قال ؛ لأن لنا وجها باستحباب إعادته بعده . ا هـ . وعبارة سم قوله كما هو الأفضل كلام الإيضاح صريح في ذلك ثم كونه الأفضل شامل لوقوعه عقب طواف القدوم ولتراخيه عنه ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله : بل له تأخيره إلخ ) ولو طاف للقدوم فهل له أن يسعى بعده بعض السعي ويكمله بعد الوقوف وطواف الركن فيه نظر والأقرب لكلامهم المنع نهاية [ ص: 100 ] وفي الونائي عن الإمداد مثله ( قوله : تنبيه أحرم بالحج إلخ ) الذي في شرح العباب وقد يدخل في قولهم أو قدوم ما لو أحرم المكي مثلا بالحج من مكة ثم خرج لحاجة ثم عاد قبل الوقوف ، فإنه الآن يسن له طواف القدوم فينبغي إجزاء السعي بعده كما شمله كلامهم . انتهى .

                                                                                                                              فجزم بسن طواف القدوم واقتصر على أنه ينبغي إجزاء السعي بعده سم ( قوله : بين أن ينوي العود إلخ ) أي فلا يسن و ( قوله : أو لا ) أي فيسن ( قوله : يؤيد الأول ) عبارة الونائي وإذا أحرم مكي بالحج من مكة وخرج منها ولو لغير سفر قصر وعازما على العود ثم عاد إليها سن له طواف القدوم كما لو كان حلالا ويجزئ السعي بعده كما في التحفة ولو دخل حلال مكة فطاف للقدوم ثم أحرم بالحج لم يجز السعي بعده كذا في الإمداد والنهاية ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله : ويفرق بينه ) أي سن طواف القدوم للخارج المذكور ( قوله : وعليه ) أي على الأول ( قوله : ويفرق بينه ) أي العائد المذكور حيث يسن له الطواف ويجزئ السعي بعده .

                                                                                                                              ( قوله : ولا يجزئه السعي إلخ ) جزم بهذا تلميذه عبد الرءوف مخالفا لما في الحاشية ونائي عبارة سم قال في حاشية الإيضاح ومر عن الأذرعي أنه يسن لمن دفع من عرفة إلى مكة قبل نصف الليل طواف القدوم فعليه فيجوز له السعي بعده وقد يفهمه قولهم أو وقف لم يجز السعي إلا بعد طواف الإفاضة لدخول وقته ، وهو فرض فلم يجز بعد نفل مع إمكانه بعد فرض . انتهى . فأفهم التعليل بدخول وقته إلخ جوازه قبله ، وهو خلاف كلامه هنا . ا هـ . واعتمد ع ش ما هنا عبارته وقضيته أي التعليل عدم امتناع السعي قبل انتصاف ليلة النحر وليس مرادا كما صرح به حج حيث قال في أثناء كلام يفرق بينه وبين من عاد لمكة إلخ . ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله : بل يكره ) هذا ما جزم به في الروض وأقره عليه شيخ الإسلام ومشى عليه صاحب النهاية وقال في المغني هي خلاف الأولى وقيل مكروهة . ا هـ . وتبع في ذلك ابن شهبة هذا ولو قيل بحرمتها بناء على عدم سنها لم يبعد لما فيه من التلبس بعبادة فاسدة بصري وقد يقال وقيل يستحب الإعادة كما حكاه المغني والنهاية وصاحب القول الراجح لا يقطع نظره عن القول المرجوح بالكلية ( قوله : لم يسن للقارن إلخ ) جرى عليه الجمال الرملي في شرح الدلجية وجرى في شرح الإيضاح والخطيب في المغني على ندب سعيين له وعليه جرى سم والشهاب الرملي وابن علان وغيرهم قال الحلبي ومقتضى كلامهم امتناع موالاة الطوافين والسعيين فيطوف ويسعى ثم يطوف ويسعى . انتهى ا هـ كردي على بافضل .

                                                                                                                              عبارة المغني ويسن للقارن طوافان وسعيان خروجا من خلاف من أوجبهما عليه من السلف والخلف قاله الأذرعي بحثا ، وهو حسن . ا هـ . وقال باعشن على الونائي المعتمد ما قاله حج من عدم السنية . ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله : رعاية خلاف موجبها ) ، وهو أبو حنيفة ؛ لأن شرط ندب الخروج من الخلاف أن لا يعارض سنة صحيحة وقد صح عن جابر رضي الله تعالى عنه { أنه لم يطف النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه بين الصفا والمروة إلا طوافا واحدا } كردي ( قوله : ومر ) إلى المتن في النهاية وإلى قوله والأفضل في المغني إلا قوله اللهم إلى المتن وقوله وحافيا إلى ومتطهرا ( قوله : ومر وجوبها إلخ ) المراد بوجوبها [ ص: 101 ] كونها شرطا في الإجزاء عن نسك الإسلام لا أنه مخاطب به على سبيل الوجوب بحيث يأثم بتركها اللهم إلا أن تتوفر فيه شروط الاستطاعة ويخشى عروض نحو عضب فلا يبعد القول بوجوبها عليه بالمعنى الثاني فيما يظهر في جميع ما ذكر . نعم محل ما ذكر فيما قبل الوقوف أما بعد التلبس به فإطلاق الوجوب واضح على ما يصرح به كلامهم من أنه بعوده للوقوف وتلبسه به ينصرف نسكه لفريضة الإسلام ثم رأيت المحشي سم قال قوله وجوبها إلخ أي إذا أعاد الوقوف . انتهى ا هـ بصري ( قوله : على من كمل إلخ ) أي ببلوغ أو عتق سم .




                                                                                                                              الخدمات العلمية