الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              ( وقد ) للتحقيق هنا ( أكثر أصحابنا ) الذين نظمنا وإياهم سلك اتباع الشافعي رضي الله عنه تشبيها بالمجتمعين في العشرة بجامع الموافقة وشدة الارتباط وهو جمع صحب الذي هو اسم جمع لصاحب لأن أفعالا لا يكون جمعا لفاعل ( رحمهم الله ) تعالى أبلغ من اللهم ارحمهم لإشعاره [ ص: 33 ] بتحقق الوقوع تفاؤلا وفيه اقتداء بمن أثنى الله عليهم بقوله عز قائلا { والذين جاءوا من بعدهم } الآية فإن قلت لم لم يعبر بما في الآية قلت إشارة إلى حصول المقصود بكل دعاء أخروي على أن في إيثار لفظ الرحمة تأسيا بقوله صلى الله عليه وسلم { رحم الله أخي موسى } ( من ) الظاهر أنها زائدة لصحة المعنى بدونها وقيل من بمعنى في كإذا نودي للصلاة من يوم الجمعة وفيه تعسف والفرق ظاهر وقيل للمجاوزة كما في زيد أفضل من عمرو أي جاوزه في الفضل كما أنهم هنا جاوزوا الإكثار في ( التصنيف ) وهو جعل الشيء أصنافا متميزة وأخص منه التأليف لاستدعائه زيادة هي إيقاع الألفة بين الأنواع المتميزة وكتب الأصحاب من ذلك فالتصنيف هنا بمعنى التأليف وهو في العلوم الواجبة لا المندوبة كالعروض خلافا لمن عده من جملة فروض الكفاية من البدع الواجبة التي حدثت بعد عصر الصحابة واختلفوا في أول من اخترعه فقيل عبد الملك بن جريج شيخ شيخ الشافعي وقيل غيره وكتابة العلم مستحبة وقيل واجبة وهو وجيه في الأزمنة المتأخرة وإلا لضاع العلم وإذا وجبت كتابة الوثائق لحفظ الحقوق فالعلم أولى ( من ) قيل بيانية وفيه إن لم يجعل المصدر بمعنى اسم مفعول نظر لأن التصنيف غير المبسوط والمختصر فالوجه أنه بدل اشتمال بإعادة الجار ، والأصل وقد أكثر أصحابنا المصنفات ( المبسوطات ) هي ما كثر لفظها ومعناها [ ص: 34 ] ( والمختصرات ) هي ما قل لفظها وكثر معناها قيل والإيجاز لكونه حذف طول الكلام وهو الإطناب غير الاختصار ؛ لأنه حذف تكريره مع اتحاد المعنى ويشهد له { فذو دعاء عريض } وفيه تحكم واستدلال بما لا يدل إذ ليس في الآية حذف ذلك العرض فضلا عن تسميته فالحق ترادفهما كما في الصحاح

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              حاشية ابن قاسم

                                                                                                                              ( قوله لأن أفعالا لا يكون جمعا لفاعل ) أقول ولا لفعل كما قال في التوضيح كما شذ أي أفعال في فعل المفتوح الفاء صحيح العين الساكنة ا هـ .

                                                                                                                              ( فإن قلت ) أراد أنه لا يكون جمعا لفاعل مطلقا أي لا قياسا ولا شذوذا بخلاف فعل فإنه [ ص: 33 ] يكون جمعا له شذوذا ( قلت ) وهو جمع لفاعل شذوذا فإنهم صرحوا بأن أفعالا مما حفظ في فاعل نحو جاهل وأجهال فإن ثبت له دليل على أنه جمع صحب شذوذا وإلا أمكن أن يكون جمع صاحب شذوذا فتخصيص الأول تحكم فليتأمل ( قوله وفيه اقتداء ) أي بجامع الدعاء السابق ( قوله قلت إشارة إلى حصول المقصود إلخ ) قد يقال أيضا الرحمة أعم من المغفرة ( قوله من التصنيف ) يسبق للفهم أنها صلة أكثر ( قوله زائدة ) أي في الإثبات ( قوله جاوزا الإكثار ) فيه تأمل ( قوله من البدع الواجبة ) لعل محل الوجوب إذا توقف عليه حفظ العلم عن الضياع وفي الكنز للأستاذ البكري وتصنيف العلم مستحب ( قوله وفيه إن لم يجعل إلخ ) يجاب بحذف المضاف أي من تصنيف المبسوطات إلخ ( قوله أنه بدل اشتمال ) أي أو بدل كل على حذف مضاف أي من تصنيف إلخ [ ص: 34 ] وفي كونه للاشتمال أن بدل الاشتمال يحتاج إلى ضمير فالوجه أنه بدل كل على حذف مضاف إن لم يؤول التصنيف بالمصنف ( قوله هي ما قل لفظها ) بقي قسم آخر موجود قطعا ، وهو ما قل لفظه ومعناه فالوجه تفسير المختصر بما يشمله كأن يقال ما قل لفظه سواء كثر معناه أو لا ( قوله إذ ليس في الآية إلخ ) فيه إشارة إلى أن هذا القائل يجعل الاختصار حذف عرض الكلام وأن عرضه هو تكريره



                                                                                                                              حاشية الشرواني

                                                                                                                              ( قوله للتحقيق هنا ) أي لا للتكثير وقال الشيخ عميرة إنها لهما معا ، ويراد عليه أن التكثير مستفاد من قوله وأكثر وجعلها للتكثير يصير المعنى وكثر إكثار أصحابنا وهو غير مراد ع ش قول المتن ( أكثر أصحابنا ) أي مجموعهم لا كل فرد فرد منهم عميرة ( قوله الذين نظمنا إلخ ) عبارة المغني أي أتباع الشافعي رضي الله تعالى عنه فالصحبة منها الاجتماع في اتباع الإمام المجتهد فيما يراه من الأحكام فهو مجاز سببه الموافقة بينهم وشدة ارتباط بعضهم ببعض كالصاحب حقيقة ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله اتباع الشافعي ) من الافتعال ( قوله تشبيها ) أي لأتباع الشافعي بفتح الهمزة ( قوله بجامع الموافقة إلخ ) الإضافة للبيان ( قوله وشدة الارتباط )

                                                                                                                              ولهذا قال الشافعي العلم بين أهل العلم رحم متصلة نهاية ( قوله : لأن أفعالا إلخ ) أي وليس الأصحاب جمع صاحب لأن إلخ ( قوله لا يكون جمعا لفاعل ) أقول ولا لفعل المفتوح الفاء الصحيح العين الساكنة إلا شذوذا كما في التوضيح [ ص: 33 ] فإن أراد أنه لا يكون جمعا لفاعل مطلقا أي لا قياسا ولا شذوذا يرد عليه أنه يكون جمع فاعل شذوذا نحو جاهل وإجهال فإن ثبت له دليل على أنه جمع صحب شذوذا فيها ، وإلا أمكن أن يكون جمع صاحب شذوذا فتخصيص الأول تحكم فليتأمل سم ( قوله بتحقيق الوقوع ) من إضافة المصدر المبني للمفعول إلى نائب فاعله ولو قال بتحقق الوقوع من باب التفعل كان أولى ( قوله وفيه ) أي في دعائه للأصحاب ( قوله اقتداء بمن إلخ ) أي بجامع الدعاء للسابق سم ( قوله إشارة إلخ ) ولأن الرحمة أعم من المغفرة سم قول المتن ( من التصنيف ) يسبق للفهم أنها صلة أكثر سم ( قوله الظاهر ) إلى قوله وأخص في النهاية ( قوله إنها زائدة ) أي في الإثبات سم على حج أي على مذهب الأخفش المجيز لزيادتها في الإثبات لكن الأخفش يوافق الجمهور في أنه لا بد من أن يكون مجرورها نكرة وما هنا ليس كذلك رشيدي وقد يتكلف فيجاب بأن قوله أكثر أصحابنا في قوة ما قصروا في الإكثار فهو نفي في المعنى ، وبأن أل في التصنيف فهو نكرة في المعنى ( قوله لصحة المعنى إلخ ) قضيته أن كل ما يصح المعنى بدونه يصح أن يكون زائدا ويرد عليه نحو قوله تعالى { لله الأمر من قبل ومن بعد } وقوله تعالى { تجري من تحتها الأنهار } .

                                                                                                                              وقد يقال ما المانع من جعل من هنا للتقوية وهو الظاهر ، واحتيج إليه لضعف العامل بفصله بالجملة الدعائية رشيدي ( قوله وفيه تعسف ) وهو الخروج عن الطريق الظاهر ع ش ( قوله والفرق ظاهر ) أي ؛ لأن يوم الجمعة طرف للنداء والتصنيف ليس ظرفا للإكثار رشيدي و ع ش وقد يقال إن التصنيف مكان معنوي للكثرة ( قوله جاوزوا الإكثار إلخ ) فيه تأمل سم ولعل وجه أمره بالتأمل أن حله للمتن حينئذ ليس على نظير حله للمثال المذكور ؛ لأنه جعل عمرا الذي هو مدخول من فيه مفعولا فنظيره في المتن أن يقال تجاوزوا التصنيف في الإكثار ، ثم بعد ذلك ينظر في معناه فإنه لا يظهر له معنى هنا رشيدي ، ويحتمل أن من وجوهه أن الإكثار لا حد له يقف عنده فلا يتصور المجاوزة عنه ( قوله وهو جعل الشيء أصنافا متميزة ) أي بعضها عن بعض فمؤلف الكتاب يفرد الصنف الذي هو فيه عن غيره ويفرد كل صنف مما هو فيه عن الآخرة فالفقيه يفرد مثلا العبادات عن المعاملات ونحوها وكذا الأبواب مغني ( قوله وهو ) أي التصنيف مبتدأ وقوله من البدع إلخ خبر ( قوله في العلوم الواجبة ) أي عينا أو كفاية ( قوله من عدة ) أي علم العروض ( قوله من البدع الواجبة ) لعل محل الوجوب إذا توقف عليه حفظ العلم عن الضياع وفي الكنز للأستاذ البكري وتصنيف العلم مستحب سم ( قوله التي حدثت إلخ ) قضيته أن تفسير ابن عباس رضي الله تعالى عنهما لا يعد تصنيفا ( قوله فقيل عبد الملك إلخ ) وقيل الربيع بن صبيح وقيل سعد بن أبي عروبة مغني ( قوله وقيل واجبة ) أي كفاية كردي ( قوله لحفظ الحقوق ) لعل الوجوب إنما هو فيما إذا كانت لنحو اليتيم فليراجع ( قوله قيل ) إلى قوله والإيجاز في النهاية .

                                                                                                                              ( قوله وفيه إن لم يجعل إلخ ) ويجاب بحذف المضاف أي من تصنيف المبسوطات سم ( قوله فالوجه أنه بدل اشتمال ) فيه نظر من وجوه تعلم من مراجعة كلام النحاة في بدل الاشتمال ونبه على بعضها هنا الشهاب ابن قاسم رشيدي عبارة سم وفي كونه للاشتمال نظر إذ بدل الاشتمال يحتاج إلى ضمير فالوجه أنه بدل كل على حذف مضاف إن لم يؤول التصنيف بالمصنف ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله والأصل إلخ ) أي المراد من العبارة لا أنه كان صفة في الأصل ، ثم صار بدلا ع ش قول المتن ( من المبسوطات إلخ ) أي في الفقه نهاية ومغني ( قوله هي ما كثر إلخ ) الأولى هنا وفيما يأتي تذكير [ ص: 34 ] الضمير ( قوله هي ما قل لفظها إلخ ) بقي قسم آخر موجود قطعا وهو ما قل لفظه ومعناه فكان الوجه أن يقول ما قل لفظه سواء كثر معناه أو لا سم وع ش ( قوله والإيجاز ) مبتدأ وقوله غير الاختصار خبره ( قوله لكونه إلخ ) علة متوسطة بين طرفي المدعي ( قوله وهو ) أي طول الكلام الإطناب جملة معترضة ( قوله : لأنه ) أي الاختصار ( قوله ويشهد له ) أي لتفسير الاختصار بذلك ( قوله إذ ليس في الآية إلخ ) فيه إشارة إلى أن هذا القائل يجعل الاختصار حذف عرض الكلام ، وإن عرضه هو تكريره سم .

                                                                                                                              ( قوله عن تسميته ) أي تسمية ذلك الحذف باسم هو الاختصار دون اسم هو الإيجاز كردي




                                                                                                                              الخدمات العلمية