الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              ( ولا يصح بيع ) المثمن الذي في الذمة نحو ( المسلم فيه [ ص: 406 ] ولا الاعتياض عنه ) قبل قبضه بغير نوعه لعموم النهي عن بيع ما لم يقبض ولعدم استقراره فإنه معرض بانقطاعه للانفساخ ، أو الفسخ ، والحيلة في ذلك أن يتفاسخا عقد السلم ليصير رأس المال دينا في ذمته ثم يستبدل عنه بشرطه الآتي ( والجديد جواز الاستبدال ) في غير ربوي بيع بمثله من جنسه لتفويته ما شرط فيه من قبض ما وقع العقد به ولهذا امتنع الإبراء منه ، وما أوهمه كلام ابن الرفعة من جوازه فيه غلطه فيه الأذرعي ( عن الثمن ) النقد ، أو غيره الثابت في الذمة ، ولو قبل قبض المبيع لكن بعد لزوم العقد لا قبله للحديث الصحيح فيه وقيس بما فيه غيره وكالثمن كل دين مضمون بعقد كأجرة وصداق وعوض خلع وفارقت المثمن بأنه تقصد عينه ، ونحو الثمن تقصد ماليته ، ولا يصح هنا ، وفيما يأتي استبدال مؤجل عن حال ، ويصح عكسه ، وكان صاحب المؤجل عجله فعلم جواز الاستبدال بدين حال ملتزم الآن لا بدين ثابت له قبل ، وإلا كان بيع دين بدين ، وشرط الاستبدال لفظ يدل عليه صريحا أي : أو كناية مع النية كأخذته عنه ، والثمن النقد إن وجد في أحد الطرفين [ ص: 407 ] وإلا فما اتصلت به الباء وإلا من مقابله نعم الأوجه ما لو باع قنة مثلا بدراهم سلما أنه لا يصح الاستبدال عنها ، وإن كانت ثمنا ؛ لأنها في الحقيقة مسلم فيها فليقيد بذلك إطلاقهم صحة الاستبدال عن الثمن ( فإن استبدل موافقا في علة الربا كدراهم عن دنانير اشترط قبض البدل في المجلس ) حذرا من الربا ( والأصح ) أنه ( لا يشترط التعيين ) للبدل ( في العقد ) أي : عقد الاستبدال بأن يقول هذا لجواز الصرف عما في الذمة ( وكذا ) لا يشترط ( القبض في المجلس إن استبدل مالا يوافق في العلة ) للربا ( كثوب عن دراهم ) إذ لا ربا لكن يشترط تعيين الثوب في المجلس قيل كان ينبغي أن يقول كطعام عن دراهم ؛ لأن الثوب غير ربوي فلا يصح أن يقال : إنه لا يوافق الدراهم في علة الربا ا هـ وليس بسديد لإطلاقهم على كل من ثوب ، أو طعام بدراهم أنهما مما لم يتوافقا في علة الربا وكأنه غفل عما هو مشهور وأن السالبة تصدق بنفي الموضوع

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              حاشية ابن قاسم

                                                                                                                              ( قوله : المثمن الذي في الذمة ) دخل فيه بيع الموصوف في الذمة بغير لفظ السلم ونحوه ، وهو أحد موضعين في كلامهما

                                                                                                                              - [ ص: 406 ] قوله : ثم يستبدل عنه ) المتبادر عن رأس المال فهل يتحقق بذلك الحيلة في شراء المسلم فيه ، أو الاعتياض عنه ( قوله : في غير ربوي ) عبارة شرح الروض هذا كله فيما لا يشترط قبضه في المجلس أما غيره كربوي بيع بمثله ورأس مال سلم فلا يجوز الاستبدال عنه إذا لم يوجد قبض المعقود عليه في المجلس إلخ ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله : بمثله ) أي : بربوي ، قوله : من جنسه لم يذكر هذا القيد في شرح الإرشاد ، ولا في شرح الروض ، وهو قضية العلة المذكورة ، ولما قال في العباب وعن ربوي بيع بجنسه اعترضه الشارح حيث قال أما غيره أي غير ما لا يشترط قبضه في المجلس كربوي بيع بمثله ، وإن لم يكن من جنسه خلافا لما يوهمه المتن إلخ ( قوله وكالثمن كل دين إلخ ) عبارة الروض يجوز الاستبدال عن كل دين ليس بثمن ولا مثمن ا هـ وهي تفيد الجواز عن دين الضمان وإن كان الأصل دين سلم فتأمله وبالصحة في دين الضمان الذي أصله دين سلم أفتى شيخنا الشهاب الرملي وغيره من شيوخنا ( قوله : والثمن النقد إن وجد في أحد الطرفين ) يؤخذ منه أن من باع دينارا بفلوس معلومة في الذمة امتنع اعتياضه عن - [ ص: 407 ] الفلوس ؛ لأن الدينار هو الثمن ؛ لأنه النقد ، والفلوس هي المثمن ، والمثمن إذا كان في الذمة يمتنع الاعتياض عنه على ما فيه من الخلاف ( قوله : فيما لو باع قنه ) بأن أسلمه فيها فهي ثمن ؛ لأن الثمن النقد ومسلم فيها فأي الجهتين يراعى فهذا منشأ التردد



                                                                                                                              حاشية الشرواني

                                                                                                                              قول المتن ( ولا يصح بيع المسلم فيه إلخ ) وكذا رأس مال السلم كما في شرح الروض - [ ص: 406 ] وغيره رشيدي وسم قول المتن ( ولا الاعتياض عنه ) أي : ولا الحوالة به ، أو عليه ا هـ إيعاب ( قوله : للانفساخ ) أي : على القول الضعيف ، قوله : أو الفسخ هو المعتمد حلبي وزيادي ا هـ بجيرمي ( قوله : والحيلة إلخ ) أي : لأنه يجوز التفاسخ بغير سبب كما قاله الشيخان ا هـ رشيدي ( قوله : في ذلك ) أي : الاعتياض عن نحو المسلم فيه ( قوله : ثم يستبدل عنه ) المتبادر عن رأس المال ا هـ سم عبارة النهاية ثم يدفع له ما يتراضيان عليه ، وإن لم يكن من جنس المسلم فيه ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله : بشرطه ) عبارة النهاية : ولا بد من قبضه قبل التفرق لئلا يصير بيع دين بدين ثم قال : وفي المغني وسم ما يوافقه ، وعلم مما تقرر أي في قوله : نحو المسلم فيه إلخ أن كل مبيع ثابت في الذمة عقد عليه بغير لفظ السلم لا يصح الاعتياض عنه على الأصح من تناقض لهما ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله : الآتي ) أي : في قول المتن فإن استبدل إلخ ( قوله : في غير ربوي ) إلى قول المتن فإن استبدل في النهاية والمغني إلا قوله : فعلم إلى والثمن ( قوله : بمثله ) أي : بربوي ا هـ سم ( قوله : من جنسه ) وكذا لو اتفقا في علة الربا دون الجنس كما يقتضيه التعليل ، ونقله الشهاب سم عن الإيعاب للشهاب بن حجر ا هـ رشيدي ( قوله : لتفويته إلخ ) أي أما الربوي فلا يجوز الاستبدال عنه لتفويته إلخ فهو علة لمقدر ا هـ ع ش ( قوله : ولهذا ) أي : للتفويت المذكور ( قوله : الإبراء منه ) أي : الربوي و ( قوله : من جوازه فيه ) أي : جواز الإبراء في الربوي ا هـ ع ش ( قوله : الثابت في الذمة ) أي : أما المعين فلا يصح الاستبدال عنه كما قدمه في شرح ، والثمن المعين كالمبيع ا هـ رشيدي .

                                                                                                                              ( قوله : لا قبله ) انظر ما وجه امتناع الاستبدال قبل اللزوم مع أن تصرف أحد العاقدين مع الآخر لا يستدعي لزوم العقد بل هو إجازة ، وقد يقال : إنه مستثنى ا هـ ع ش ( قوله : للحديث الصحيح ) أي : لخبر ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال { كنت أبيع الإبل بالدنانير ، وآخذ مكانها الدراهم وأبيع بالدراهم وآخذ مكانها الدنانير فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فسألته عن ذلك فقال : لا بأس إذا تفرقتما ، وليس بينكما شيء } ا هـ نهاية زاد المغني فقوله : وليس بينكما شيء أي من عقد الاستبدال لا من العقد الأول بقرينة رواية أخرى تدل لذلك ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله : كل دين مضمون بعقد ) شمل رأس مال السلم ، وليس مرادا كما علم مما قدمناه ا هـ رشيدي ( قوله : كأجرة إلخ ) أي : ودين ضمان ، ولو ضمان المسلم فيه كما أوضحه الوالد رحمه الله تعالى في فتاويه ا هـ نهاية عبارة سم عبارة الروض تفيد الجواز عن دين الضمان ، وإن كان الأصل دين سلم فتأمله ، وبالصحة في دين الضمان أفتى شيخنا الشهاب الرملي وغيره من شيوخنا ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله : وفارقت ) أي أنحاء الثمن .

                                                                                                                              ( قوله : ونحو الثمن يقصد ماليته ) هذا ظاهر إن كان المثمن عرضا ، والثمن نقدا أما لو كانا نقدين ، أو عرضين فلا يظهر ما ذكر فلعل التعليل مبني على الغالب ا هـ ع ش ( قوله : ولا يصح إلخ ) أي لعدم لحوق الأجل ا هـ مغني ( قوله : وفيما يأتي ) أي : الاستبدال عن القرض وقيمة المتلف ( قوله : فعلم ) أي : من قوله : ويصح عكسه ( قوله : الآن ) أي : وقت الاستبدال ( قوله : لا بدين ثابت إلخ ) كونه معلوما مما ذكره محل توقف إلا أن يعمم قوله : مؤجل بما كان باعتبار الأصل ، وإن حل في حال الاستبدال ( قوله : لفظ يدل إلخ ) عبارة البجيرمي أن يكون بإيجاب وقبول ، وإلا فلا يملك ما يأخذه قاله السبكي ، وهو ظاهر وبحث الأذرعي الصحة بناء على صحة المعاطاة سم ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله : في أحد الطرفين ) يؤخذ منه أن من باع - [ ص: 407 ] دينارا بفلوس معلومة في الذمة امتنع اعتياضه عن الفلوس ؛ لأن الدينار لكونه نقدا هو الثمن ، والفلوس هو المثمن الذي في الذمة يمتنع الاعتياض عنه على ما فيه من الخلاف سم على حج ا هـ ع ش .

                                                                                                                              ( قوله : وإلا ) أي بأن كانا نقدين ، أو عرضين نهاية ومغني قول المتن ( في علة الربا إلخ ) أي : أو في جنس الربا كذهب عن ذهب اشترطت الشروط المتقدمة ا هـ نهاية قال ع ش قوله : الشروط المتقدمة منها التقابض فلو كان له على غيره دراهم فعوضه عنها ما هو من جنسها اشترط الحلول والمماثلة وقبض ما جعله عوضا عما في ذمته في المجلس وصدق على ما ذكر أنه تقابض لوجود القبض الحقيقي في العوض المدفوع لصاحب الدين والحكمي فيما في ذمة المدين ؛ لأنه كأنه قبضه منه ، ورده إليه ، ومحل اشتراط المماثلة حيث لم يجر التعويض بلفظ الصلح كما مر ويأتي ا هـ ع ش واعلم أن ذلك غير مخالف لما تقدم آنفا في الشرح كالنهاية من عدم جواز الاستبدال في ربوي بيع بمثله من جنسه لتفويته ما شرط فيه من قبض ما وقع العقد به ؛ لأنه فيما إذا كان العقد المتقدم على الاستبدال ربويا ، وما هنا فيما إذا كان عقد الاستبدال ربويا قول المتن ( اشترط قبض البدل في المجلس ) والظاهر أنه يشترط الحلول أيضا ، وكأنه تركه ؛ لأنه لازم للتقابض في الغالب كما مر ا هـ رشيدي .

                                                                                                                              قول المتن ( للبدل ) أي شخصه ا هـ مغني ( قوله : لجواز الصرف عما في الذمة ) كأن قال : بعت الدراهم التي في ذمتك بدينار في ذمتك ثم يعينه ويقبضه في المجلس .

                                                                                                                              ( قوله : لكن يشترط ) إلى المتن في النهاية والمغني ( قوله : وليس بسديد إلخ ) هو كما قال بل هذا الاعتراض ساقط لا ورود له نعم قول الشارح وكأنه غفل إلخ لم يظهر وجه مناسبته لما نحن فيه فليتأمل فإن ما نحن فيه ليس من ذلك القبيل اللهم إلا أن يقال : مقصوده أنها إذا صدقت مع نفي الموضوع بصدقها فيما نحن فيه بالأولى ا هـ سيد عمر




                                                                                                                              الخدمات العلمية