الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              وقاطع الطريق المتحتم قتله وتارك الصلاة ونحوهما مهدرون إلا على مثلهم كما أشار إليه بقوله [ ص: 398 ] ( والزاني المحصن إن قتله ذمي ) والمراد به غير الحربي أو مرتد ( قتل به ) إذ لا تسليط لهما على المسلم ولا حق لهما في الواجب عليه وأخذ منه البلقيني أن الزاني الذمي المحصن إذا قتله ذمي ولو مجوسيا ليس زانيا محصنا ولا وجب قتله بنحو قطع طريق لا يقتل به ويؤخذ منه أيضا أن محل عدم قتل المسلم المعصوم به إن قصد بقتله استيفاء الواجب عليه أو أطلق بخلاف ما إذا قصد عدم ذلك ؛ لأنه صرف فعله عن الواجب ويحتمل الأخذ بإطلاقهم ويوجه بأن دمه لما كان هدرا لم يؤثر فيه الصارف ( أو مسلم ) ليس زانيا محصنا ( فلا ) يقتل به ( في الأصح ) لإهداره ، وإنما يعزر لافتياته على الإمام سواء أثبت زناه ببينة أم بإقراره بشرط أن لا يرجع عنه وإلا قتل به أي إن علم برجوعه فيما يظهر مما مر فيما لو عهده حربيا ثم رأيت في ذلك وجهين بلا ترجيح ولا ريب أن ما ذكرته أوجههما ولو قتله قبل أمر الحاكم بقتله ثم رجع الشهود وقالوا تعمدنا الكذب قتل به دونهم كما بحثه البلقيني وهو متجه ؛ لأنه لم يثبت زناه ومجرد الشهادة غير مبيح للإقدام ولو رآه يزني وعلم إحصانه فقتله لم يقتل به قطعا لكنه لا يقبل منه ذلك بالنسبة للأحكام الظاهرة إلا ببينة أو يمين مردودة من الوارث وكذا [ ص: 399 ] في سائر نظائره قيل ولا يعزر للافتيات هنا إن قتله قبل انفصاله عن نحو حليلته ، ويوجه بأن هذا يولد فيه حمية تلجئه لقتله فعذر فيه وخرج بقولي ليس زانيا محصنا الزاني المحصن فيقتل به ما لم يأمره الإمام بقتله ويظهر أن يلحق بالزاني المحصن في ذلك كل مهدر كتارك صلاة وقاطع طريق بشرطه فالحاصل أن المهدر معصوم على مثله في الإهدار وإن اختلفا في سببه ويد السارق مهدرة إلا على مثله سواء المسروق منه وغيره .

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              حاشية ابن قاسم

                                                                                                                              ( قوله ) ( وقطع طريق ) إن أريد إن قطع الطريق يهدره من حيث كونه صائلا دخل فيما قبله أو مطلقا فسيأتي أنه لا يستحق القتل إلا إذا قتل مع أنه حينئذ لا يهدر إلا بالنسبة للولي إلا أن يريد ما إذا تحتم قتله في قطع الطريق فإنه حينئذ لا يقتل قاتله إلا إن كان مثله فليتأمل ثم رأيت كلامه الآتي وهو دال على إرادته ما ذكرناه بقولنا إلا إن إلخ ( قوله مبتدأ ) خبره كغيره ( قوله أيضا مبتدأ ) أعربه كله لئلا يتوهم عطفه على الحربي ( قوله : وتارك الصلاة ) قال في الروض ويعصم تارك الصلاة بالجنون والسكر لا المرتد ا هـ وفي باب الصلاة كلام في ذلك عن النووي وغيره ينبغي مراجعته .

                                                                                                                              ( قوله إلا على مثلهم ) قضيته أن القاطع غير مهدر للتارك وبالعكس إلا أن يريد [ ص: 398 ] المماثلة في الإهدار كما سيأتي ( قوله وأخذ منه البلقيني إلخ ) قد يشكل الأخذ بأن الذمي لا حق له في الواجب على الذمي ( قوله : بشرط أن لا يرجع عنه إلخ ) في شرحه للإرشاد خلاف ذلك حيث قال قال يعني البلقيني ولو قتله بعد رجوعه عن إقراره أو رجوع الشهود قتل به إلا إذا ظن بقاء شهادتهم فهو كظن الردة أي فيقتل أيضا لكن على خلاف فيه وما ذكره في رجوعه جرى عليه الأذرعي وغيره ونص الأم صريح فيه لكن الذي صححه الشيخان في حد الزنا أنه لا قود لاختلاف العلماء في سقوط الحد بالرجوع وحينئذ فلا فرق بين علم القاتل وجهله انتهى ( قوله : مما مر فيما لو عهده ) يتأمل ( قوله : ثم رأيت في ذلك وجهين بلا ترجيح إلخ ) في الروضة في كتاب حد الزنا ما نصه ولو قتله شخص بعد الرجوع ففي وجوب القصاص وجهان نقلهما ابن كج وقال الأصح لا يجب وبه قال أبو إسحاق لاختلاف العلماء في سقوط الحد بالرجوع انتهى ( قوله : كما بحثه البلقيني ) قال في شرح الإرشاد ، وإنما يتجه هذا إذا كان القتل قبل الحكم بشهادتهم ؛ لأنه حينئذ مباشروهم متسببون ، أما إذا كان بعده فلا أثر لرجوعهم بالنسبة له لعذره وعدم تعديه وإن أثر في وجوب القود عليهم لتعديهم انتهى فليتأمل ( قوله : ولو رآه يزني إلى قوله لم يقتل به قطعا ) أي والحال أنه علم ذلك كما هو ظاهر وإلا فلو لم يعلم ذلك فقتله وادعى أني إنما قتلته ؛ لأني رأيته يزني وهو محصن لم يقبل منه ذلك بل يقتص منه كما هو ظاهر ( قوله : [ ص: 399 ] فالحاصل إلخ ) كذا شرح م ر ( قوله : معصوم على مثله في الإهدار ) أي ما لم يأمره الإمام بقتله أخذا مما قبله .



                                                                                                                              حاشية الشرواني

                                                                                                                              ( قوله : وقاطع الطريق إلخ ) مبتدأ خبره قوله مهدرون ( قوله : وتارك الصلاة ) قال في الروض ويعصم تارك الصلاة بالجنون والسكر أي فلا يقتل حالهما إلا المرتد أي فيقتل حال جنونه أو سكره ا هـ وفي باب تارك الصلاة كلام في ذلك ينبغي مراجعته سم وع ش ( قوله : إلا على مثلهم ) قضيته أن القاطع غير مهدر على التارك وبالعكس إلا أن يريد المماثلة في الإهدار كما سيأتي سم أي في قول الشارح فالحاصل أن المهدر إلخ ( قوله كما أشار إليه إلخ ) انظر وجه الإشارة رشيدي [ ص: 398 ] قول المتن والزاني إلخ ) أي المسلم مغني .

                                                                                                                              ( قوله : غير الحربي ) أي الشامل للمعاهد والمؤمن مغني ( قوله أو مرتد ) عطف على ذمي ( قوله : لهما ) أي الذمي والمرتد ( قوله : وأخذ منه ) قد يشكل الأخذ بأن الذمي لا حق له في الواجب على الذمي سم ، وقد يجاب بأن الذمي وإن لم يكن له حق لكن الذمي الزاني دونه فقتل به ع ش ( قوله : وأخذ منه البلقيني ) جزم به المغني .

                                                                                                                              ( قوله : ليس زانيا محصنا إلخ ) فإن كان مثله قتل به مغني ( قوله : ويؤخذ منه إلخ ) أي من قوله ولا حق لهما إلخ رشيدي وقال السيد عمر لا يخفى ما في هذا الأخذ من الخفاء وبتسليم ظهوره فالاحتمال الثاني أرجح فيما يظهر ا هـ وسيأتي عن ع ش ما يوافقه ( قوله : به ) أي بالمسلم الزاني المحصن ع ش ( قوله ويحتمل الأخذ إلخ ) هذا الصنيع يقتضي اعتماد الأول ولكن الاحتمال المذكور هو المعتمد أخذا من قوله ويوجه إلخ ع ش ( قوله : ليس زانيا ) إلى قوله بشرط أن لا يرجع في المغني .

                                                                                                                              ( قوله : بشرط أن لا يرجع عنه إلخ ) خلافا للنهاية والمغني عبارة الأول وسواء أقتله قبل رجوعه عن إقراره أو رجوع الشهود عن شهادتهم أم بعده ا هـ قال الرشيدي قوله : أم بعده أي لاختلاف العلماء في صحة الرجوع لكن هذا إنما يأتي في رجوعه عن الإقرار كما نقله سم على منهج عن الشارح فليراجع الحكم في رجوع الشهود ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله : بشرط إلخ ) وفي شرحه للإرشاد خلاف ذلك حيث قال فيه بعد ذكر ما يوافق ما هنا عن البلقيني والأذرعي ما نصه لكن الذي صححه الشيخان أنه لا قود لاختلاف العلماء في سقوط الحد بالرجوع وحينئذ فلا فرق بين علم القاتل وجهله انتهى ا هـ سم ( قوله : مما مر إلخ ) أي على ما جرى عليه شيخ الإسلام في شرح منهج كغيره فليوجه عدم القتل هنا فيما إذا جهل الرجوع باستصحاب استحقاق القتل وبذلك يندفع إشكال سم بما نصه قوله : مما مر فيما لو عهده حربيا يتأمل سم ( قوله : بلا ترجيح ) وفي الروضة ما نصه ، ولو قتله شخص بعد الرجوع ففي وجوب القصاص وجهان نقلهما ابن كج وقال الأصح لا يجب وبه قال أبو إسحاق لاختلاف العلماء في سقوط الحد بالرجوع انتهى سم .

                                                                                                                              ( قوله : كما بحثه البلقيني إلخ ) ، وإنما يتجه هذا إذا كان القتل قبل الحكم بشهادتهم فإنه حينئذ مباشر وهم متسببون أما إذا كان بعده فلا أثر لرجوعهم بالنسبة له لعذره وعدم تعديه سم ويغني عنه قول الشارح ويتجه أنه لم يثبت إلخ إلا أن يريد التأكيد والتوضيح ( قوله : ولو رآه ) إلى قوله لكنه لا يقبل في النهاية .

                                                                                                                              ( قوله : ولو رآه يزني إلخ ) أي والحال أنه علم ذلك كما هو ظاهر وإلا فلو لم يعلم ذلك فقتله وادعى أني إنما قتلته ؛ لأني رأيته يزني وهو محصن لم يقبل منه ذلك بل يقتص منه كما هو ظاهر سم على حج ا هـ ع ش ( قوله : لم يقتل إلخ ) أي لم يستحق القتل باطنا كما يعلم من كلام غيره رشيدي وهذا التفسير غير ما مر عن سم آنفا ويرجح بل يعين إرادته قول الشارح لكنه إلخ [ ص: 399 ] قوله في سائر نظائره ) أي كرؤية سرقة شخص بشرطها ( قوله : هنا ) أي فيما لو رآه يزني إلخ ( قوله : عن نحو حليلته ) هل هو قيد كما هو ظاهر التوجيه ( قوله : وخرج ) إلى المتن في النهاية .

                                                                                                                              ( قوله : الزاني إلخ ) أي المسلم مغني .

                                                                                                                              ( قوله : فيقتل به ) أي للمكافأة ع ش ( قوله : كتارك صلاة ) أي بعد أمر الإمام بها مغني .

                                                                                                                              ( قوله : بشرطه ) راجع لكل من المعطوف والمعطوف عليه ( قوله : فالحاصل إلخ ) يرد عليه ما إذا كان القتيل مرتدا والقاتل مسلما زانيا محصنا أو نحوه ، وقد مر أن المسلم لا يقتل بالكافر إلا أن يقال مراده ما لم يمنع مانع لكنه بعيد أو أن المراد حاصل ما تقدم قبله وهو بعيد أيضا مع جعله ضابطا رشيدي ( قوله : معصوم على مثله إلخ ) أي ما لم يأمره الإمام بقتله أخذا مما مر سم أي آنفا ( قوله : وإن اختلفا في سببه ) كزنا وترك صلاة أو قطع طريق ع ش .




                                                                                                                              الخدمات العلمية