الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              ( ولو قطع ) بضم أوله أي عضوه وجعله بعضهم بفتحه ( فعفا عن قوده وأرشه فإن لم يسر فلا شيء ) من قود ودية ؛ لأن المستحق أسقط الحق بعد ثبوته فسقط ( وإن سرى ) إلى النفس ( فلا قصاص ) في نفس وطرف لتولد السراية من معفو عنه وخرج بقوله قطع إذ هو من جنس ما فيه قود نحو جائفة مما لا يوجب قودا عفا المجني عليه عن القود فيها ثم سرت الجناية لنفسه فلوليه أن يقتص في النفس [ ص: 449 ] ؛ لأنه عفا عن القود فيما لا قود فيه فلم يؤثر العفو وبقوله عن قوده وأرشه ما لو قال عفوت عن هذه الجناية ولم يزد فإنه عفو عن القود دون الأرش كما نص عليه في الأم أي فله أن يعفو عقبه عليه لا أنه يجب بلا اختياره الفوري فيما يظهر أخذا مما مر فيما لو أطلق العفو

                                                                                                                              ( وأما أرش العضو فإن جرى ) في صيغة العفو عنه ( لفظ وصية ك أوصيت له بأرش هذه الجناية فوصية لقاتل ) وهي صحيحة على الأصح ثم إن خرج الأرش من الثلث ، أو أجاز الوارث سقط وإلا نفذت منه في قدر الثلث ( أو ) جرى ( لفظ إبراء أو إسقاط ، أو عفو سقط ) قطعا إن خرج من الثلث أو أجاز الوارث وإلا فبقدره ؛ لأنه إسقاط ناجز وكأنهم إنما سامحوا في صحة الإبراء هنا عن العضو مع الجهل بواجبه حال الإبراء إذ واجب الجناية المستقر إنما يتبين بالموت الواقع بعد وحينئذ فهو في مقابلة النفس لا العضو ؛ لأن جنس الدية سومح فيه بصحة الإبراء منها مع أنواع من الجهل فيها كما علم مما مر في الصلح وغيره ومما يأتي فيها

                                                                                                                              ( وقيل ) هو ( وصية ) لاعتباره من الثلث اتفاقا فيجري فيها خلاف الوصية للقاتل ويرد بأن الوصية له إنما تتحقق فيما علق بالموت دون التبرع الناجز ، وإن كان في مرض الموت ووقع في متن المنهج وشرحه إصلاح مصرح بالفرق بين لفظ الوصية وغيره ، وهو وهم لما تقرر من اعتبار الكل من الثلث ؛ لأنه وقع في مرض الموت إذ الجرح الساري منه كما مر في بابه ثم رأيت نسخة معتمدة حذف منها ذلك الوهم قيل هذا لا يناسب جعل المقسم العفو عن القود والأرش ا هـ ويرد بمنع ما ذكر إذ غاية الأمر أنه زاد في الأرش تفصيلا ومثل ذلك لا يؤثر هذا كله في أرش العضو لا ما زاد عليه كما قال ( وتجب الزيادة عليه ) أي على أرش العضو ( إلى [ ص: 450 ] تمام الدية ) للسراية وإن تعرض في عفوه لما يحدث لبطلان إسقاط الشيء قبل ثبوته

                                                                                                                              ( وفي قول إن تعرض في عفوه ) عن الجناية ( لما يحدث منها سقطت الزيادة ) بناء على الضعيف أن الإبراء عما لا يجب صحيح إذا جرى سبب وجوبه وهذا في غير لفظ الوصية أما إذا عفا عما يحدث بلفظها ك أوصيت له بأرش هذه الجناية وما يحدث منها فهي وصية بجميع الدية لقاتل فيأتي فيها ما مر ، ولو ساوى الأرش الدية صح العفو عنه ، ولم يجب للسراية شيء ففي قطع اليدين لو عفا عن أرش الجناية وما يحدث منها سقطت الدية بكمالها إن وفى بها الثلث ، وإن لم تصحح الإبراء عما يحدث ؛ لأن أرش اليدين دية كاملة فلا يزاد بالسراية شيء وبذلك يعلم أنه لو عفا عن القاتل على الدية بعد قطع يده لم يأخذ إلا نصفها ، أو بعد قطع يديه لم يأخذ شيئا إن ساواه فيها وإلا وجب التفاوت كما مر قبيل مسائل الدهشة .

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              حاشية ابن قاسم

                                                                                                                              ( قول المتن وأرشه ) لا يخفى صراحة السياق كقوله الآتي وأما أرش العفو إلخ في صحة العفو عن الأرش وفيه شيء ؛ لأن الواجب القود عينا والعفو عن المال لاغ كما تقدم فلينظر صور المسألة ويمكن أن تصور بما إذا عفي [ ص: 449 ] عن القود على الأرش ثم عفي عن الأرش ويحتمل أنه يصح العفو عن المال مع العفو عن القود كما هو ظاهر هذا الكلام .

                                                                                                                              ( قوله وبقوله عن قوده وأرشه إلخ ) كالصريح في أن عفوه عن القود والأرش صحيح بالنسبة للأرش أيضا ، وإن كان الواجب القود عينا ، ولهذا لو اقتصر على العفو عن الأرش لغا لعدم وجوبه كما علم مما تقدم فكأنهم يفرقون بين الاقتصار على العفو عن الأرش فلا يصح وبين العفو عنه مع العفو عن القود فيصح فليحرر ويوجه الفرق بأنه لو أطلق العفو لم يجب الأرش إلا إذا عفا عليه عقب مطلق العفو فذكره في العفو كالصريح بلازم مطلق العفو فيصح ( قول المتن وأما أرش العضو فإن جرى إلخ ) صريح في وجوب الأرش ، وهو مشكل إذ لم يظهر من تصوير المسألة غير أنه عفي عن قوده وأرشه والصحيح أن الواجب القود عينا وأن العفو عن المال لغو لعدم وجوبه فيكون العفو عن القود صحيحا بخلافه عن الأرش فإنه لغو لعدم وجوبه ويتحصل من ذلك عدم وجوب الأرش وأن العفو عنه لغو فمن أين وجب حتى يفصل في العفو عنه ؟ ، ( قول المتن فإن جرى لفظ وصية إلخ ) اعترض بأن المقسم العفو عن الأرش فتقسيمه إلى ما ذكر من الوصية والإبراء وغيرهما من تقسيم الشيء إلى نفسه وغيره . وأجاب شيخنا الشهاب الرملي بأن المراد بالعفو في المقسم مطلق الإسقاط أعم من أن يكون بلفظ العفو ، أو بغيره وحينئذ فلا إشكال في تقسيمه إلى ما ذكر الذي منه السقاط بلفظ العفو وسيأتي في كلام الشارح حكاية الاعتراض مع جواب آخر له ( قوله إذ واجب الجناية المستقر إلخ ) قد يقال [ ص: 450 ] هذا لا يمنع كون المبرأ منه معلوما



                                                                                                                              حاشية الشرواني

                                                                                                                              ( قوله أي عضوه ) أي الذي يجب فيه قود مغني ( قوله وجعله بعضهم بفتحه ) أي ويلزم عليه تشتيت ضميري الفعلين ( قول المتن وأرشه ) لا يخفى صراحة السياق كقوله الآتي وأما أرش العضو إلخ في صحة العفو عن الأرش وفيه شيء ؛ لأن الواجب القود عينا والعفو عن المال لاغ كما تقدم ويمكن أن تصور المسألة بما إذا عفا عن القود على الأرش ثم عفا عن الأرش ويحتمل أن يصح العفو عن المال مع العفو عن القود كما هو ظاهر هذا الكلام سم ( أقول ) وصرح به المغني وسيأتي عن سم نفسه الميل إليه وعن ع ش توجيهه ( قوله من قود ) إلى قوله وكأنهم إنما سامحوا في المغني إلا قوله كما نص عليه إلى المتن وإلى قوله ووقع في متن المنهج في النهاية

                                                                                                                              ( قوله إلى النفس ) أما إذا سرى إلى عضو آخر فلا قصاص فيه ، وإن لم يعف عن الأول كما مر مغني ( قوله لتولد السراية إلخ ) لا يخفى أن هذا التعليل إنما يظهر في قوله في نفس وأما قوله وطرف فقد مرت علته آنفا ( قوله إذ هو ) أي القطع من جنس إلخ علة مقدمة على بعض معلولها ( قوله نحو جائفة ) فاعل خرج ( قوله عفا المجني عليه إلخ ) الجملة صفة نحو جائفة وتذكير الرابطة نظرا للمضاف إليه ( قوله فلوليه ) أي المجني عليه العافي ( قوله أن يقتص ) [ ص: 449 ] أي من الجاني المعفو عن القود منه ( قوله ؛ لأنه ) أي المجني عليه ( قوله وبقوله عن قوده وأرشه إلخ ) كالصريح في أن عفوه عن القود والأرش صحيح بالنسبة للأرش أيضا ، وإن كان الواجب القود عينا ولهذا لو اقتصر على العفو عن الأرش لغا لعدم وجوبه كما علم مما تقدم فكأنهم يفرقون بين الاقتصار على العفو عن الأرش فلا يصح وبين العفو عنه مع العفو عن القود فيصح فليحرر سم على حج ويوجه الفرق بأنه لو أطلق العفو لم يجب الأرش إلا إذا عفا عليه عقب مطلق العفو فذكره في العفو كالتصريح بلازم مطلق العفو فيصح ع ش

                                                                                                                              ( قوله أي فله أن يعفو إلخ ) تفسير لقوله دون الأرش ( قوله لا أنه إلخ ) أي وليس المراد بقوله دون الأرش أنه يجب الأرش بالعفو عن القود مطلقا بدون أن يختار الأرش عقب العفو المطلق ( قول المتن وأما أرش العضو ) أي في صورة سراية القطع إلى النفس مغني ( قول المتن فإن جرى لفظ وصيته إلخ ) اعترض بأن المقسم العفو عن الأرش فتقسيمه إلى ما ذكر من الوصية والإبراء وغيرهما من تقسيم الشيء إلى نفسه وغيره ، وأجاب شيخنا الشهاب الرملي بأن المراد بالعفو المقسم مطلق الإسقاط أعم من أن يكون بلفظ العفو ، أو بغيره فلا إشكال سم على حج ع ش وسيأتي في الشارح حكاية الاعتراض وجواب آخر

                                                                                                                              ( قول المتن ك أوصيت له إلخ ) أي كأن قال بعد عفوه عن القود أوصيت إلخ مغني ( قوله وإلا ) أي إن لم يجزها الوارث ( قوله ؛ لأنه ) أي العفو بواحد من هذه الألفاظ الثلاثة ( قوله في صحة الإبراء هنا إلخ ) يعني في صحة الإسقاط هنا بلفظ الإبراء ( قوله إذ واجب إلخ ) علة قوله مع الجهل بواجبه ع ش ( قوله وحينئذ ) أي حين وقوع الموت ( قوله فهو ) أي الواجب ( قوله إذ واجب الجناية إلخ ) علة قوله مع الجهل بواجبه ع ش ( قوله : لأن جنس الدية إلخ ) علة قوله وكأنهم إنما سامحوا إلخ ع ش ( قوله فيها ) أي الدية ( قوله هو ) أي العفو بواحد من تلك الألفاظ وكذا ضمير لاعتباره .

                                                                                                                              ( قوله فيجري فيها ) أي في تلك الألفاظ أي في العفو بها ( قوله دون التبرع إلخ ) أي الذي منه ما ذكر هنا ( قوله من اعتبار الكل ) يعني من اعتبار العفو بكل من لفظ الوصية وغيره وقوله : لأنه أي العفو بكل منهما وقوله منه أي مرض الموت ( قوله قيل هذا ) أي قول المتن وأما أرش العضو فإن إلخ ( قوله أنه زاد ) أي بعد تمام التقسيم ( قوله هذا كله ) أي قول المصنف وأما أرش العضو إلخ ( قوله أي على أرش العضو ) أي المعفو عنه ( قوله وهذا ) أي الخلاف [ ص: 450 ] المذكور ( قوله للسراية ) إلى قول المتن ، ولو وكل في النهاية وكذا في المغني إلا قوله وبذلك يعلم إلى المتن وقوله بغير لفظ وصية وقوله كما لو تعدد المستحق ( قوله بلفظها ) أي الوصية ( قوله وما يحدث منها ) عبارة المغني وأرش ما يحدث منها ، أو يتولد منها أو يسري إليه . ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله ما مر ) أي من أنا إن صححنا الوصية للقاتل نفذ في الدية كلها إن خرجت من الثلث ، أو أجاز الوارث وإلا ففي قدر ما يخرج منه ع ش ( قوله لو عفا ) أي المقطوع ( قوله وما يحدث منها ) الأولى حذفه تدبر ( قوله وإن لم نصحح الإبراء إلخ ) معتمد ع ش ( قوله فلا يزاد إلخ ) تفريع على قوله ، وإن لم نصحح إلخ ع ش ( أقول ) بل على قوله ؛ لأن أرش اليدين إلخ ( قوله أنه لو عفا ) أي المقطوع عن القاتل أي عن قود القاتل بالسراية ( قوله على الدية بعد قطع يده ) كل من الظرفين متعلق ب عفا والضمير للقاتل ( قوله لم يأخذ ) أي ولي المقطوع الذي مات بالسراية بعد العفو ( قوله كما مر ) أي فيما لو كان الجاني امرأة والمجني عليه رجلا ع ش .




                                                                                                                              الخدمات العلمية