الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              [ ص: 163 ] ( وتسقط عقوبات تخص القاطع ) من تحتم قتل وصلب وقطع رجل وكذا يد وعبارته تشملها ؛ لأن المختص به القاطع اجتماع قطعهما فهما عقوبة واحدة وهي إذا سقط بعضها سقط كلها ( بتوبة ) عن قطع الطريق ( قبل القدرة عليه ) وإن لم يصلح عمله للآية بخلاف ما لا يخصه كالقود وضمان المال ( لا بعدها ) وإن صلح عمله ( على المذهب ) لمفهوم الآية وإلا لم يكن لقبل فيها فائدة ، والفرق أنها قبلها لا تهمة فيها وبعدها فيها تهمة دفع الحد ولو ادعى بعد الظفر به سبق توبة قبله وظهرت أمارة صدقه فوجهان والذي يتجه منهما عدم تصديقه للتهمة ولا نظر لأمارة يكذبها فعله نعم إن أقام بها بينة قبل .

                                                                                                                              ( تنبيه )

                                                                                                                              وقع للبيضاوي في تفسيره أن القتل قصاصا يسقط بالتوبة وجوبه لا جوازه وهو عجيب [ ص: 164 ] وأعجب منه سكوت شيخنا عليه في حاشيته مع ظهور فساده لأن التوبة كما تقرر لا دخل لها في القصاص أصلا إذ لا يتصور له بقيد كونه قصاصا حالتا وجوب وجواز لأنا إن نظرنا إلى الولي فطلبه جائز له لا واجب مطلقا أو للإمام فإن طلبه منه الولي وجب وإلا لم يجب من حيث كونه قصاصا وإن جاز أو وجب من حيث كونه حدا ، فتأمله وأوله بعضهم بما لا يوافق قواعد مذهب البيضاوي فاحذره فإن السبر قاض بأنه لا يجزم بحكم على غير مذهبه من غير عزوه لقائله .

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              حاشية ابن قاسم

                                                                                                                              [ ص: 163 ] قوله نعم إن أقام بها بينة قبل ) قد يستشكل البينة بعدم اطلاعها على الندم ، والعزم من أركانها ، ونطقه بذلك قد يكون عن غير مواطأة القلب إلا أن يقال يستدل بالقرائن ولولا ذلك لم يتأت قولهم تسقط بتوبته قبل القدرة .

                                                                                                                              ( قوله وهو عجيب ) أقول لا عجب لأن المراد بالوجوب التحتم فالمعنى يسقط بالتوبة تحتمه فيسقط بعفو الولي لا جوازه فللولي استيفاؤه وهذا معنى صحيح لا غبار عليه ، ولفظ البيضاوي أما القتل قصاصا فإلى الأولياء يسقط بالتوبة وجوبه لا جوازه انتهى . والحاصل أن القتل قصاصا في حد نفسه يوصف بالجواز بمعنى عدم امتناع تعاطيه وبالوجوب أي التحتم بمعنى امتناع سقوطه فإن حصلت التوبة سقط الوصف الثاني وبقي الأول ، وليس في كلام البيضاوي أن الوصفين ثابتان من حيث كونه قصاصا ولا يفيد كونه قصاصا بل بجواز أن يريد أنهما ثابتان له في نفسه بمعنى أن ذات هذا القتل الذي يسمى قصاصا له هذان الوصفان فلا ينافي ذلك قوله ، أما القتل قصاصا لأن ذلك القصاص فيه على وجه العنوان وقد تقرر أن العنوان لا يجب أن يكون منشأ الحكم المذكور ، فتأمل ذلك لتعلم اندفاع ما أطال به الشارح وأنه لا عجب فيما قاله ولا في سكوت محشيه وأنه لا حاجة به إلى تأويل لا يوافق مذهبه وإنما العجب من الاستطالة على البيضاوي ومحشيه بما لا منشأ له إلا إهمال التأمل وعدم مراعاة القواعد ، والله أعلم سم [ ص: 164 ]

                                                                                                                              ( قوله وأعجب منه إلخ ) في التعبير بأعجب دلالة على ما لا يليق نسبته لمثل البيضاوي ( قوله مع ظهور فساده إلخ ) أقول دعوى فساده فضلا عن دعوى ظهوره فاسدة فسادا واضحا ( قوله لأن التوبة لا دخل لها في القصاص إلخ ) قلنا لم يدعي البيضاوي أن لها دخلا في القصاص بل ادعى أن لها دخلا في صفة القتل قصاصا وهي وجوبه أي تحتمه ، وقوله إذ لا يتصور له بقيد كونه قصاصا إلخ قلت لم يدع أن له حالتي جواز ووجوب بهذا القيد بل ادعى أنه في نفسه له الحالتان وهو صحيح على أنه يمكن أن يدعي أن له الحالتين بذلك القيد لكن باعتبارين باعتبار الولي وباعتبار الإمام إذا طلب منه ، فقوله لأنا إن نظرنا إلخ كلام ساقط لأنه نفى النظر إليهما جميعا ولا شك أن النظر إليهما جميعا يقتضي ثبوت الحالتين له بقيد كونه قصاصا ، وقوله فتأمله قلنا تأملناه فوجدناه لم ينشأ إلا عن عدم التأمل الصحيح فأعجب مع ذلك من المسارعة إلى دعوى ظهور الفساد والتعجب من البيضاوي ومحشيه والتثبت على ذلك بما لا منشأ له إلا الغفلة الفاحشة ولا حول ولا قوة إلا بالله سم .



                                                                                                                              حاشية الشرواني

                                                                                                                              ( قول المتن وتسقط إلخ ) ولو ثبت قطع الطريق والقتل بإقراره ثم رجع قبل رجوعه كما ذكره في التنبيه في أوائل الإقرار ا هـ مغني .

                                                                                                                              ( قوله من تحتم القتل ) أي : دون أصل القتل فلا يسقط بتوبته بل يقتل قصاصا لا حدا إلا إن عفا عنه مستحق القصاص فيسقط قتله حينئذ وقوله وصلب إن عطف على قتل كان المعنى وتحتم صلبه مع أن الصلب يسقط من أصله فالمناسب عطفه على تحتم ؛ لأن الصلب من حيث هو عقوبة تخصه وقوله وقطع رجل إلخ فيسقط قطع رجله ويده معا ا هـ شيخنا ( قوله وعبارته إلخ ) جواب عما يقال إن كلام المصنف يوهم خلافه فإن الرجل هي المختصة بالقاطع واليد تشاركه فيها السرقة ا هـ شيخنا ( قوله ؛ لأن المختص به ) الباء داخلة على المقصور وقوله القاطع نائب فاعل المختص ( قوله فهما ) أي : الرجل واليد ا هـ ع ش ( قوله بعضها ) وهو هنا قطع الرجل للمحاربة وقوله كلها لعل الأولى الباقي وهو هنا قطع اليد .

                                                                                                                              ( قوله للآية ) أي : لقوله تعالى { إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم } الآية والمراد بما قبل القدرة أن لا تمتد إليهم يد الإمام لهرب أو استخفاف أو امتناع ا هـ نهاية عبارة البجيرمي المراد بالقدرة أن يكونوا في قبضة الإمام وقيل المراد بها أن يأخذ الإمام في أسبابها كإرسال الجيوش لإمساكهم ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله فيها ) أي : في الآية ا هـ ع ش ( قوله أنها ) أي التوبة قبلها أي : القدرة ( قوله لا تهمة فيها ) عبارة المغني بعيدة عن التهمة قريبة من الحقيقة ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله وظهرت أمارة صدقه ) أي : وإن لم تظهر لم يصدق قطعا ا هـ مغني ( قوله لأمارة ) أي : أمارة صدق ( قوله نعم إن أقام بها بينة إلخ ) قد يشكل إقامة البينة بعدم اطلاعها على الندم والعزم من أركانها ونطقه بذلك قد يكون من غير مواطأة القلب إلا أن يقال تستدل بالقرائن ولولا ذلك لم يتأت قولهم تسقط بتوبته قبل القدرة ا هـ سم .

                                                                                                                              ( قوله وهو عجيب ) أقول لا عجب ؛ لأن المراد بالوجوب التحتم فالمعنى يسقط بالتوبة تحتمه فيسقط بعفو الولي لا جوازه فللولي استيفاؤه وهذا معنى صحيح لا غبار عليه والحاصل أن القتل قصاصا في حد نفسه يوصف بالجواز بمعنى عدم امتناع تعاطيه وبالوجوب أي : التحتم بمعنى امتناع سقوطه فإذا حصلت التوبة سقط الوصف الثاني وبقي الوصف الأول وليس في كلام البيضاوي أن الوصفين ثابتان له من حيث كونه قصاصا بل يجوز أن يريد أنهما ثابتان له في نفسه بمعنى أن ذات هذا القتل الذي يسمى قصاصا لها هذان الوصفان ولا ينافي ذلك قوله إن القتل قصاصا ؛ لأن ذكر القصاص فيه على وجه العنوان وقد تقرر أن العنوان لا يجب أن يكون منشأ الحكم المذكور فتأمل ذلك لتعلم اندفاع ما أطال به الشارح وأنه لا عجب فيما قاله ولا في سكوت محشيه ا هـ سم وقد يجاب عن طرف الشارح بأن القتل هنا وظيفة الإمام فقط دون الولي وقول الشارح إن نظرنا إلى الولي إلخ لمجرد توسيع الدائرة وليس للإمام بعد طلب الولي إلا وصف الوجوب كما يفيده قول المصنف المار ويقتل حدا ، وأما قول السارق وإن جاز أو وجب إلخ فأو فيه بمعنى بل [ ص: 164 ] قوله وأعجب منه إلخ ) في التعبير بأعجب دلالة على ما لا يليق نسبته لمثل البيضاوي ا هـ سم ( قوله مطلقا ) أي : سواء غلب في قتل القاطع معنى القصاص أو معنى الحد ( قوله فإن السبر ) أي تتبع كلام البيضاوي . .




                                                                                                                              الخدمات العلمية