الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      وإذا قيل لهم اسجدوا للرحمن القائل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أو الله - عز وجل - على لسان رسوله - عليه الصلاة والسلام، ولا يخفى موقع هذا الاسم الشريف هنا، وفيه - كما قال الخفاجي -: معنى: (أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد قالوا على سبيل التجاهل والوقاحة وما الرحمن كما قال فرعون: (وما رب العالمين) حين قال له موسى - عليه السلام -: إني رسول من رب العالمين وهو عالم به - عز وجل - كما يؤذن بذلك قول موسى - عليه السلام - له: لقد علمت ما أنزل هؤلاء إلا رب السماوات والأرض بصائر والسؤال يحتمل أن يكون عن المسمى، ووقع بما دون من؛ لأنه مجهول بزعمهم، فهو كما يقال للشبح المرئي: ما هو؟ فإذا عرف أنه من ذوي العلم قيل: من هو؟ ويحتمل أن يكون عن معنى الاسم، ووقوعه بـ(ما) حينئذ ظاهر.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: سألوا عن ذلك؛ لأنهم ما كانوا يطلقونه على الله تعالى كما يطلقون الرحيم والرحوم والراحم عليه تعالى، أو لأنهم ظنوا أن المراد به غيره - عز وجل - فقد شاع فيما بينهم تسمية مسيلمة بـ(رحمن اليمامة) فظنوا أنه المراد بحمل التعريف على العهد، وقيل: لأنه كان عبرانيا وأصله (رخمان) بالخاء المعجمة فعرب ولم يسمعوه، والأظهر عندي أن ذلك عن تجاهل، وأن السؤال عن المسمى ولذا قالوا: أنسجد لما تأمرنا أي: للذي تأمرنا بالسجود له من غير أن نعرفه، فما موصولة [ ص: 40 ] والعائد محذوف.

                                                                                                                                                                                                                                      وأصل الجملة المشتملة عليه ما أشرنا إليه، ثم صار (تأمرنا بسجوده) ثم (تأمرنا سجوده) كـ(أمرتك الخير) ثم (تأمرناه) بحذف المضاف، ثم (تأمرنا) واعتبار الحذف تدريجا مذهب أبي الحسن ، ومذهب سيبويه أنه حذف كل ذلك من غير تدريج، ويحتمل أن تكون (ما) نكرة موصوفة وأمر العائد على ما سمعت، ويجوز أن تكون مصدرية، واللام تعليلية، والمسجود له محذوف أو متروك، أي: أنسجد له لأجل أمرك إيانا أو أنسجد لأجل أمرك إيانا.

                                                                                                                                                                                                                                      وقرأ ابن مسعود ، والأسود بن زيد ، وحمزة ، والكسائي «يأمرنا» بالياء من تحت على أن الضمير للنبي - صلى الله عليه وسلم - وهذا القول قول بعضهم لبعض وزادهم أي: الأمر بالسجود للرحمن، والإسناد مجازي، والجملة معطوفة على ( قالوا ) أي: قالوا ذلك وزادهم نفورا عن الإيمان، وفي اللباب أن فاعل ( زادهم ) ضمير السجود لما روي أنه - صلى الله تعالى عليه وسلم - وأصحابه - رضي الله تعالى عنهم - سجدوا فتباعدوا عنهم مستهزئين، وعليه فليست معطوفة على جواب (إذا) بل على مجموع الشرط والجواب، كما قيل في (لا يستقدمون) من قوله تعالى: إذا جاء أجلهم فلا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون والأول أولى وأظهر.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية