الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      الذين قالوا نصب أو رفع على الذم ، وجوز أن يكون في موضع جر على البدلية من نظيره المتقدم .

                                                                                                                                                                                                                                      والمراد من الموصول جماعة من اليهود منهم كعب بن الأشرف ، ومالك بن الصيف ووهب بن يهوذا ، وزيد بن التابوه ، وفنحاص بن عازوراء ، وحيي بن أخطب أتوا النبي صلى الله تعالى عليه وسلم فقالوا هذا القول : إن الله عهد إلينا ، أي : أمرنا في التوراة وأوصانا ألا نؤمن أي : بأن لا نصدق ، ونعترف لرسول يدعي الرسالة إلينا من قبل الله تعالى حتى يأتينا بقربان وهو ما يتقرب به إلى الله تعالى من نعم وغيرها كما قاله غير واحد وقرئ (بقربان) بضمتين تأكله النار أريد به نار بيضاء تنزل من السماء ولها دوي ، والمراد من أكل النار للقربان إحالتها إلى طبعها بالإحراق ، واستعماله في ذلك إما من باب الاستعارة ، أو المجاز المرسل ، وقد كان أمر إحراق النار للقربان إذا قبل شائعا في زمن الأنبياء السالفين ، إلا أن دعوى أولئك اليهود هذا العهد من مفترياتهم وأباطيلهم؛ لأن أكل النار القربان لم يوجب الإيمان إلا لكونه معجزة ، فهو وسائر المعجزات شرع في ذلك ، ولما كان مرامهم من هذا الكلام الباطل عدم الإيمان برسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم لعدم إتيانه بما قالوا ، ولو تحقق الإتيان به لتحقق الإيمان بزعمهم رد الله تعالى عليهم بقوله سبحانه : قل يا محمد ، لهؤلاء القائلين تبكيتا لهم وإظهارا لكذبهم قد جاءكم رسل كثيرة العدد كبيرة المقدار مثل زكريا ، ويحيى وغيرهم من قبلي بالبينات أي المعجزات الواضحة والحجج الدالة على صدقهم وصحة رسالتهم ، وحقية قولهم كما كنتم تقترحون عليهم ، وتطلبون منهم وبالذي قلتم بعينه وهو القربان الذي تأكله النار فلم قتلتموهم ، أي : فما لكم لم تؤمنوا بهم حتى اجترأتم على قتلهم ، مع أنهم جاءوا بما قلتم مع معجزات أخر إن كنتم صادقين أي : فيما يدل عليه كلامكم من أنكم تؤمنون لرسول يأتيكم بما اقترحتموه ، والخطاب لمن في زمن نبينا صلى الله تعالى عليه وسلم ، وإن كان الفعل لأسلافهم لرضاهم به -على ما مر غير مرة - وإنما لم يقطع سبحانه عذرهم بما سألوه من القربان المذكور لعلمه سبحانه بأن في الإتيان به مفسدة لهم ، والمعجزات تابعة للمصالح ، ونقل عن السدي أن هذا الشرط جاء في التوراة هكذا : من جاء يزعم أنه رسول الله تعالى فلا تصدقوه حتى يأتيكم بقربان تأكله النار إلا المسيح ومحمدا عليهما الصلاة والسلام ، فإذا أتياكم فآمنوا بهما ؛ فإنهما يأتيان بغير قربان ، والظاهر عدم ثبوت هذا الشرط أصلا .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية