الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما لونها قال إنه يقول إنها بقرة صفراء فاقع لونها تسر الناظرين إسناد البيان في كل مرة إلى الله عز وجل لإظهار كمال المساعدة في إجابة مسؤولهم، وصيغة الاستقبال لاستحضار الصورة، والفقوع أشد ما يكون من الصفرة، وأبلغه، والوصف به للتأكيد، كأمس الدابر، وكذا في قولهم: أبيض ناصع، وأسود حالك، وأحمر قان، وأخضر ناضر، (ولونها) مرفوع بـ(فاقع)، ولم يكتف بقوله: صفراء فاقعة، لأنه أراد تأكيد نسبة الصفرة، فحكم عليها أنها صفراء، ثم حكم على اللون أنه شديد الصفرة، فابتدأ أولا بوصف البقرة بالصفرة، ثم أكد ذلك بوصف اللون بها، فكأنه قال : هي صفراء ولونها شديد الصفرة، وعن الحسن: سوداء [ ص: 289 ] شديدة السواد، ولا يخفى أنه خلاف الظاهر، لأن الصفرة وإن استعملها العرب بهذا المعنى نادرا كما أطلقوا الأسود على الأخضر، لكنه في الإبل خاصة، على ما قيل في قوله تعالى : جمالت صفر لأن سواد الإبل تشوبه صفرة، وتأكيده بالفقوع ينافيه، لأنه من وصف الصفرة في المشهور، نعم ذكر في اللمع أنه يقال : أصفر فاقع، وأحمر فاقع، ويقال في الألوان كلها فاقع وناصع، إذا أخلصت، فعليه لا يرد ما ذكر، ومن الناس من قال : إن الصفرة استعيرت هنا للسواد، وكذا فاقع لشديد السواد، وهو ترشيح، ويجعل سواده من جهة البريق واللمعان، وليس بشيء، وجوز بعضهم أن يكون لونها مبتدأ، وخبره إما فاقع أو الجملة بعده، والتأنيث على أحد معنيين، أحدهما لكونه أضيف إلى مؤنث، كما قالوا : ذهبت بعض أصابعه، والثاني أنه يراد به المؤنث إذ هو الصفرة، فكأنه قال : صفرتها تسر الناظرين، ولا يخفى بعد ذلك، والسرور أصله لذة في القلب عند حصول نفع أو توقعه أو رؤية أمر معجب رائق، وأما نفسه فانشراح مستبطن فيه، وبين السرور والحبور والفرح تقارب، لكن السرور هو الخالص المنكتم سمي بذلك اعتبارا بالإسرار، والحبور ما يرى حبره، أي أثره في ظاهر البشرة، وهما يستعملان في المحمود، وأما الفرح فما يحصل بطرا وأشرا، ولذلك كثيرا ما يذم كما قال تعالى : إن الله لا يحب الفرحين والمراد به هنا عند بعض الإعجاب مجازا للزومه له غالبا، والجملة صفة البقرة، أي تعجب الناظرين إليها، وجمهور المفسرين يشيرون إلى أن الصفرة من الألوان السارة، ولهذا كان علي كرم الله تعالى وجهه يرغب في النعال الصفر، ويقول: (من لبس نعلا أصفر قل همه)، ونهى ابن الزبير، ويحيى بن أبي كثير عن لباس النعال السود لأنها تغم، وقرئ (يسر) بالياء، فيحتمل أن يكون (لونها) مبتدأ، (ويسر) خبره، ويكون (فاقع) صفة تابعة لصفراء، على حد قوله :


                                                                                                                                                                                                                                      وإني لأسقي الشرب صفراء فاقعا كأن ذكي المسك فيها يفتق

                                                                                                                                                                                                                                      إلا أنه قليل، حتى قيل : بابه الشعر، ويحتمل أن يكون (لونها) فاعلا بـ(فاقع)، (ويسر) إخبار مستأنف.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية