الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                        فأما من أوتي كتابه بيمينه فيقول هاؤم اقرءوا كتابيه إني ظننت أني ملاق حسابيه فهو في عيشة راضية في جنة عالية قطوفها دانية كلوا واشربوا هنيئا بما أسلفتم في الأيام الخالية

                                                                                                                                                                                                                                        فأما من أوتي كتابه بيمينه لأن إعطاء الكتاب باليمين دليل على النجاة . فيقول هاؤم اقرءوا كتابيه ثقة بسلامته وسرورا بنجاته ، لأن اليمين عند العرب من دلائل الفرج ، والشمال من دلائل الغم ، قال الشاعر


                                                                                                                                                                                                                                        أبيني أفي يمنى يديك جعلتني فأفرح أم صيرتني من شمالك



                                                                                                                                                                                                                                        وفي قوله ( هاؤم ) ثلاثة أوجه :

                                                                                                                                                                                                                                        أحدها : بمعنى هاكم اقرؤوا كتابيه فأبدلت الهمزة من الكاف ، قاله ابن قتيبة .

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني : أنه بمعنى هلموا اقرؤوا كتابيه ، قال الكسائي : العرب تقول للواحد هاء وللاثنين هاؤما وللثلاثة هاؤم .

                                                                                                                                                                                                                                        الثالث : أنها كلمة وضعت لإجابة الداعي عند النشاط والفرح روي أن أعرابيا نادى رسول الله صلى الله عليه وسلم بصوت عال فأجابه هاؤم بطول صوته . والهاء من ( كتابيه ) ونظائرها موضوعة للمبالغة ، وذكر الضحاك أنها نزلت في أبي سلمة بن عبد الأسد . إني ظننت أني ملاق حسابيه فيه وجهان :

                                                                                                                                                                                                                                        أحدهما : أي علمت ، قال الضحاك : كل ظن في القرآن من المؤمن فهو يقين ، ومن الكافر فهو شك ، وقال مجاهد : ظن الآخرة يقين ، وظن الدنيا شك .

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني : ما قاله الحسن في هذه الآية ، أن المؤمن أحسن بربه الظن ، فأحسن العمل ، وأن المنافق أساء بربه الظن فأساء العمل . وفي الحساب ها هنا وجهان :

                                                                                                                                                                                                                                        أحدهما : في البعث .

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني : في الجزاء . فهو في عيشة راضية بمعنى مرضية ، قال أبو هريرة وأبو سعيد الخدري [ ص: 84 ] يرفعانه : إنهم يعيشون فلا يموتون أبدا ، ويصحون فلا يمرضون أبدا ، ويتنعمون فلا يرون بؤسا أبدا ، ويشبون فلا يهرمون أبدا . في جنة عالية يحتمل وجهين :

                                                                                                                                                                                                                                        أحدهما : رفيعة المكان .

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني : عظيمة في النفوس . قطوفها دانية يحتمل وجهين :

                                                                                                                                                                                                                                        أحدهما : دانية من الأيدي يتناولها القائم والقاعد .

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني : دانية الإدراك لا يتأخر حملها ولا نضجها .

                                                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية