الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : واتبعوا ما تتلو الشياطين الآية .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 499 ] أخرج سفيان بن عيينة، وسعيد بن منصور ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والحاكم وصححه عن ابن عباس قال : إن الشياطين كانوا يسترقون السمع من السماء، فإذا سمع أحدهم بكلمة حق كذب معها ألف كذبة، فأشربتها قلوب الناس، واتخذوها دواوين، فأطلع الله على ذلك سليمان بن داود، فأخذها فدفنها تحت الكرسي، فلما مات سليمان قام شيطان بالطريق فقال : ألا أدلكم على كنز سليمان الذي لا كنز لأحد مثل كنزه الممنع؟ قالوا : نعم . فأخرجوه، فإذا هو سحر فتناسختها الأمم وأنزل الله عذر سليمان فيما قالوا من السحر فقال : واتبعوا ما تتلو الشياطين على ملك سليمان الآية .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج النسائي، وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : كان آصف كاتب سليمان، وكان يعلم الاسم الأعظم، وكان يكتب كل شيء بأمر سليمان، ويدفنه تحت كرسيه، فلما مات سليمان أخرجته الشياطين، فكتبوا بين كل سطرين سحرا وكفرا، وقالوا : هذا الذي كان سليمان يعمل بها . فأكفره جهال الناس، وسبوه، ووقف علماؤهم، فلم يزل جهالهم يسبونه حتى أنزل الله على محمد : واتبعوا ما تتلو الشياطين الآية .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : لما ذهب ملك سليمان ارتد فئام من [ ص: 500 ] الجن والإنس واتبعوا الشهوات، فلما رجع إلى سليمان ملكه، وقام الناس على الدين، ظهر على كتبهم فدفنها تحت كرسيه، وتوفي حدثان ذلك، فظهر الجن والإنس على الكتب بعد وفاة سليمان، وقالوا : هذا كتاب من الله نزل على سليمان أخفاه منا . فأخذوه فجعلوه دينا، فأنزل الله : واتبعوا ما تتلو الشياطين أي الشهوات التي كانت الشياطين تتلو، وهي المعازف واللعب وكل شيء يصد عن ذكر الله .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال : كان سليمان إذا أراد أن يدخل الخلاء أو يأتي شيئا من شأنه، أعطى الجرادة- وهي امرأته- خاتمه فلما أراد الله أن يبتلي سليمان بالذي ابتلاه به أعطى الجرادة ذات يوم خاتمه فجاء الشيطان في صورة سليمان فقال لها : هاتي خاتمي . فأخذه فلبسه، فلما لبسه دانت له الشياطين والجن والإنس فجاءها سليمان فقال : هاتي خاتمي . فقالت : كذبت لست سليمان . فعرف أنه بلاء ابتلي به، فانطلقت الشياطين فكتبت في تلك الأيام كتبا فيها سحر وكفر، ثم دفنوها تحت كرسي سليمان، ثم أخرجوها فقرءوها على الناس، وقالوا : إنما كان سليمان يغلب الناس بهذه الكتب، فبرئ الناس من سليمان وأكفروه، حتى بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم وأنزل عليه وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 501 ] وأخرج ابن جرير عن شهر بن حوشب قال : قال اليهود : انظروا إلى محمد، يخلط الحق بالباطل، يذكر سليمان مع الأنبياء، إنما كان ساحرا يركب الريح، فأنزل الله واتبعوا ما تتلو الشياطين الآية .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، عن أبي العالية قال : إن اليهود سألوا النبي صلى الله عليه وسلم زمانا عن أمور من التوراة، لا يسألونه عن شيء من ذلك إلا أنزل الله عليه ما سألوا عنه، فيخصمهم، فلما رأوا ذلك قالوا : هذا أعلم بما أنزل علينا منا، وإنهم سألوه عن السحر وخاصموه به، فأنزل الله : واتبعوا ما تتلو الشياطين الآية، وأن الشياطين عمدوا إلى كتاب فكتبوا فيه السحر والكهانة وما شاء الله من ذلك، فدفنوه تحت مجلس سليمان، وكان سليمان لا يعلم الغيب، فلما فارق سليمان الدنيا استخرجوا ذلك السحر، وخدعوا به الناس، وقالوا : هذا علم كان سليمان يكتمه، ويحسد الناس عليه فأخبرهم النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الحديث، فرجعوا من عنده وقد حزنوا وأدحض الله حجتهم .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 502 ] وأخرج سعيد بن منصور عن خصيف قال : كان لسليمان إذا نبتت الشجرة قال : لأي داء أنت؟ فتقول : لكذا وكذا . فلما نبتت شجرة الخرنوبة قال : لأي شيء أنت؟ قالت : لمسجدك أخربه، فلم يلبث أن توفي، فكتب الشياطين كتابا، فجعلوه في مصلى سليمان، فقالوا : نحن ندلكم على ما كان سليمان يداوي به، فانطلقوا فاستخرجوا ذلك الكتاب، فإذا فيه سحر ورقى فأنزل الله : واتبعوا ما تتلو الشياطين إلى قوله وما أنزل على الملكين وذكر أنها في قراءة أبي (وما يتلى على الملكين) ببابل هاروت وماروت وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر سبع مرار فإن أبى إلا أن يكفر علماه، فيخرج منه نور حتى يسطع في السماء، قال : المعرفة التي كان يعرف .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر عن أبي مجلز قال : أخذ سليمان من كل دابة عهدا، فإذا أصيب رجل فسأل بذلك العهد، خلي عنه، فزاد الناس السجع والسحر، وقالوا : هذا كان يعمل به سليمان، فقال الله : وما كفر سليمان الآية .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 503 ] وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله : وما تتلو قال : ما تتبع .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير عن عطاء في قوله : ما تتلو الشياطين قال : نراه ما تحدث .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير عن ابن جريج في قوله : على ملك سليمان يقول : في ملك سليمان .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير عن قتادة في قوله : وما كفر سليمان يقول : ما كان عن مشورته ولا رضا منه، ولكنه شيء افتعلته الشياطين دونه يعلمون الناس السحر وما أنزل على الملكين فالسحر سحران، سحر تعلمه الشياطين وسحر يعلمه هاروت وماروت .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير عن السدي في قوله : وما أنزل على الملكين قال : هذا سحر خاصموه به؛ فإن كلام الملائكة فيما بينهم إذا علمته الإنس فصنع وعمل به كان سحرا .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير عن مجاهد قال : أما السحر فإنما تعلمه الشياطين، وأما الذي يعلمه الملكان فالتفريق بين المرء وزوجه .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 504 ] وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس في قوله : وما أنزل على الملكين قال : التفريق بين المرء وزوجه .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله : وما أنزل على الملكين قال : لم ينزل الله السحر .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي حاتم عن علي في الآية قال : هما ملكان من ملائكة السماء .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرجه ابن مردويه من وجه آخر عنه مرفوعا .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي حاتم عن عبد الرحمن بن أبزى، أنه كان يقرؤها (وما أنزل على الملكين داود وسليمان) .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك ، أنه قرأ (وما أنزل على الملكين) وقال : هما علجان من أهل بابل .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج البخاري في " تاريخه "، وابن المنذر عن ابن عباس وما أنزل على الملكين [ ص: 505 ] يعني جبريل وميكائيل ببابل هاروت وماروت يعلمان الناس السحر .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي حاتم عن عطية وما أنزل على الملكين قال : ما أنزل على جبريل وميكائيل السحر .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية