الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : والله يدعو إلى دار السلام . الآية . أخرج أبو نعيم والدمياطي في "معجمه" من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس : والله يدعو إلى دار السلام يقول : يدعو إلى عمل الجنة والله السلام والجنة داره .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 649 ] وأخرج عبد الرزاق ، وابن جرير ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ عن قتادة : والله يدعو إلى دار السلام . قال : السلام هو الله، وداره الجنة .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي العالية في قوله : ويهدي من يشاء قال : يهديهم للمخرج من الشبهات والفتن والضلالات .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أحمد ، وابن جرير ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، والحاكم وصححه، وابن مردويه ، والبيهقي في "شعب الإيمان" عن أبي الدرداء قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما من يوم طلعت شمسه إلا وكل بجنبتيها ملكان يناديان نداء يسمعه خلق الله كلهم إلا الثقلين : يا أيها الناس هلموا إلى ربكم إن ما قل وكفى خير مما كثر وألهى . ولا آبت شمسه إلا وكل بجنبتيها ملكان يناديان نداء يسمعه خلق الله كلهم غير الثقلين : اللهم أعط منفقا خلفا وأعط ممسكا تلفا . فأنزل الله في ذلك كله قرآنا في قول الملكين : يا أيها الناس هلموا إلى ربكم : والله يدعو إلى دار السلام ويهدي من يشاء إلى صراط مستقيم وأنزل في قولهما : اللهم أعط منفقا خلفا وأعط ممسكا تلفا : والليل إذا يغشى والنهار إذا تجلى إلى قوله : للعسرى [ ص: 650 ] وأخرج ابن جرير ، والحاكم وصححه، وابن مردويه ، والبيهقي في "الدلائل"، عن سعيد بن أبي هلال : سمعت أبا جعفر محمد بن علي وتلا هذه الآية : والله يدعو إلى دار السلام ويهدي من يشاء إلى صراط مستقيم فقال : حدثني جابر قال : خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما فقال : إني رأيت في المنام كأن جبريل عند رأسي وميكائيل عند رجلي، يقول أحدهما لصاحبه : اضرب له مثلا . فقال : اسمع سمعت أذناك، واعقل عقل قلبك، إنما مثلك ومثل أمتك كمثل ملك اتخذ دارا ثم بنى فيها بيتا، ثم جعل فيها مأدبة، ثم بعث رسولا يدعو الناس إلى طعامه، فمنهم من أجاب الرسول، ومنهم من ترك، فالله هو الملك، والدار الإسلام، والبيت الجنة، وأنت يا محمد رسول، فمن أجابك دخل الإسلام، ومن دخل الإسلام دخل الجنة، ومن دخل الجنة أكل منها .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن مردويه عن ابن مسعود قال استقبلني النبي صلى الله عليه وسلم، فانطلقنا حتى أتينا موضعا لا ندري ما هو فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه في حجري، ثم إن هنينا أتوا، عليهم ثياب بيض طوال وقد أغفى رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال عبد الله : فأرعبت منهم . فقالوا : لقد أعطي هذا العبد خيرا، إن عينه نائمة [ ص: 651 ] والقلب يقظان . ثم قال بعضهم لبعض : هلم فلنضرب له مثلا . قال بعضهم لبعض : اضربوا له ونتأول نحن، أو نضرب نحن وتتأولون أنتم . فقال بعضهم : مثله كمثل سيد اتخذ مأدبة، ثم ابتنى بنيانا حصينا، ثم أرسل إلى الناس، فمن لم يأت طعامه عذبه عذابا شديدا . قال الآخرون : أما السيد فهو رب العالمين، وأما البنيان فهو الإسلام، والطعام الجنة، وهذا الداعي، فمن اتبعه كان في الجنة، ومن لم يتبعه عذب عذابا أليما . ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم استيقظ فقال : ما رأيت يا ابن أم عبد؟ فقلت : رأيت كذا وكذا . فقال : أفخفي علي مما قالوا شيء؟! وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : هم نفر من الملائكة .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن مردويه عن أنس قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : إن سيدا بنى دارا، واتخذ مأدبة، وبعث داعيا، فمن أجاب الداعي دخل الدار، وأكل من المأدبة ورضي عنه السيد، ألا وإن السيد الله، والدار الإسلام، والمأدبة الجنة، والداعي محمد صلى الله عليه وسلم .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي حاتم ، عن الحسن قال : ما من ليلة إلا ينادي مناد : يا صاحب الخير هلم، ويا صاحب الشر أقصر . فقال رجل للحسن : أتجدها في كتاب الله؟ قال : نعم : والله يدعو إلى دار السلام [ ص: 652 ] وأخرج أحمد ، في "الزهد"، وابن جرير ، وابن أبي حاتم ، عن قتادة في قوله : والله يدعو إلى دار السلام قال : ذكر لنا أن في التوراة مكتوبا : يا باغي الخير هلم، ويا باغي الشر انته .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أبو الشيخ ، عن الحسن ، أنه كان إذا قرأ : والله يدعو إلى دار السلام قال : لبيك ربنا وسعديك .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية