الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : طوبى لهم .

                                                                                                                                                                                                                                      أخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن ابن عباس في قوله : ( طوبى لهم ) قال : فرح وقرة عين .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي شيبة وهناد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن عكرمة في قوله : ( طوبى لهم ) قال : نعم ما لهم .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير ، وأبو الشيخ ، عن الضحاك في قوله : ( طوبى لهم ) قال : غبطة لهم .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن قتادة في قوله : ( طوبى لهم ) قال : حسنى لهم ، وهي كلمة من كلام العرب .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير ، عن قتادة في قوله : ( طوبى لهم ) قال : هذه كلمة عربية يقول الرجل طوبى لك أي أصبت خيرا .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير ، وأبو الشيخ ، عن إبراهيم في قوله : ( طوبى لهم ) قال : الخير والكرامة الذي أعطاهم الله .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 437 ]

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي شيبة ، وابن جرير ، وابن المنذر ، عن مجاهد في قوله : ( طوبى لهم ) قال : الجنة .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير ، عن عكرمة في قوله : ( طوبى لهم ) قال : الجنة .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس قال طوبى اسم الجنة بالحبشية .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير ، عن ابن عباس قال : لما خلق الله الجنة وفرغ منها قال : ( الذين آمنوا وعملوا الصالحات طوبى لهم وحسن مآب ) وذلك حين أعجبته .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ ، عن سعيد بن مسجوح قال : ( طوبى ) اسم الجنة بالهندية .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن المنذر ، عن سعيد بن جبير قال : ( طوبى ) اسم الجنة بالهندية .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وأبو الشيخ ، عن ابن عباس قال : ( طوبى ) اسم شجرة في الجنة .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 438 ]

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد الرزاق ، وابن أبي الدنيا في «صفة الجنة» ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن أبي هريرة قال : ( طوبى ) شجرة في الجنة يقول الله لها : تفتقي لعبدي عما شاء ، فتتفتق له عن الخيل بسروجها ولجمها وعن الإبل برحالها وأزمتها وعما شاء من الكسوة .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير من طريق معاوية بن قرة عن أبيه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : طوبى شجرة غرسها الله بيده ونفخ فيها من روحه تنبت بالحلي والحلل وإن أغصانها لترى من وراء سور الجنة .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أحمد ، وابن جرير ، وابن أبي حاتم ، والطبراني ، وابن مردويه والبيهقي في «البعث والنشور» عن عتبة بن عبد قال : جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : ما حوضك الذي تحدث عنه فقال هو كما بين صنعاء إلى بصرى ثم يمدني الله بكراع لا يدرى بشر ممن خلق أي طرفيه ، فقال الأعرابي فيها فاكهة قال : نعم فيها شجرة تدعى طوبى هي تطابق الفردوس ، قال : [ ص: 439 ]

                                                                                                                                                                                                                                      أي شجر أرضنا تشبه قال : ليس تشبه شيئا من شجر أرضك ، ولكن أتيت الشام قال : لا ، قال : فإنها تشبه شجرة بالشام تدعى الجوزة تنبت على ساق واحدة ثم ينتشر أعلاها ، قال : ما عظم أصلها قال : لو ارتحلت جذعة من إبل أهلك ما أحطت بأصلها حتى تنكسر ترقوتاها هرما ، قال فهل فيها عنب قال : نعم ، قال : ما عظم العنقود منه قال : مسيرة شهر للغراب الأبقع .


                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أحمد وأبو يعلى ، وابن جرير ، وابن أبي حاتم ، وابن حبان ، وابن مردويه والخطيب في «تاريخه» عن أبي سعيد الخدري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : أن رجلا قال : يا رسول الله طوبى لمن رآك وآمن بك قال : ( طوبى لمن رآني وآمن بي ثم طوبى ثم طوبى ثم طوبى لمن آمن بي ولم يرني ، قال رجل : وما طوبى ، قال : شجرة في الجنة مسيرة مائة عام ثياب أهل الجنة تخرج من أكمامها .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 440 ]

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي الدنيا في «صفة الجنة» ، وابن أبي حاتم ، عن أبي أمامة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما منكم من أحد يدخل الجنة إلا انطلق به إلى طوبى فتفتح له أكمامها فيأخذ من أي ذلك شاء ، إن شاء أبيض وإن شاء أحمر وإن شاء أخضر وإن شاء أصفر وإن شاء أسود ، مثل شقائق النعمان وأرق وأحسن .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي حاتم ، عن ابن سيرين قال : طوبى شجرة في الجنة أصلها في حجرة علي وليس في الجنة حجرة إلا وفيها غصن من أغصانها .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن أبي جعفر رجل من أهل الشام قال : إن ربك أخذ لؤلؤة فوضعها ثم دملجها ثم فرشها وسط الجنة فقال لها امتدي حتى تبلغي مرضاتي ، ففعلت ثم أخذ شجرة فغرسها وسط اللؤلؤة ثم قال لها : [ ص: 441 ]

                                                                                                                                                                                                                                      امتدي ففعلت فلما استوت تفجرت من أصولها أنهار الجنة وهي طوبى .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي حاتم ، عن فرقد السبخي قال : أوحى الله إلى عيسى ابن مريم في الإنجيل : يا عيسى جد في أمري ولا تهزل واسمع قولي وأطع أمري ، يا ابن البكر البتول إني خلقتك من غير فحل وجعلتك وأمك آية للعالمين فإياي فاعبد وعلي فتوكل وخذ الكتاب بقوة ، قال عيسى : أي رب أي كتاب آخذ بقوة ، قال : خذ كتاب الإنجيل بقوة ففسره لأهل السريانية وأخبرهم أني أنا الله لا إله إلا أنا الحي القيوم البديع الدائم الذي لا زوال له فآمنوا بالله ورسوله النبي الأمي الذي يكون في آخر الزمان فصدقوه واتبعوه صاحب الجمل والمدرعة والهراوة والتاج الأكحل العين المقرون الحاجبين صاحب الكساء الذي إنما نسله من المباركة - يعني خديجة - يا عيسى لها بيت من لؤلؤ من قصب موصل بالذهب لا يسمع فيه أذى ولا نصب لها ابنة - يعني فاطمة ولها ابنان يستشهدان - يعني الحسن والحسين - طوبى [ ص: 442 ]

                                                                                                                                                                                                                                      لمن سمع كلامه وأدرك زمانه وشهد أيامه ، قال عيسى : يا رب وما طوبى قال : شجرة في الجنة أنا غرستها بيدي وأسكنتها ملائكتي أصلها من رضوان وماؤها من تسنيم .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن مجاهد قال : طوبى شجرة في الجنة حملها أمثال ثدي النساء فيه حلل أهل الجنة .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي الدنيا في «العزاء» ، وابن أبي حاتم ، عن خالد بن معدان قال : إن في الجنة شجرة يقال لها طوبى ضروع كلها ترضع صبيان أهل الجنة فمن مات من الصبيان الذين يرضعون رضع من طوبى وإن سقط المرأة يكون في نهر من أنهار الجنة يتقلب فيه حتى تقوم القيامة فيبعث ابن أربعين سنة .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير ، وأبو الشيخ ، عن شهر بن حوشب قال : طوبى شجرة في الجنة كل شجرة في الجنة منها أغصانها من وراء سور الجنة .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير ، عن شمر بن عطية في قوله ( طوبى لهم ) قال : هي شجرة في الجنة يقال لها طوبى .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير ، وأبو الشيخ ، عن وهب بن منبه قال : إن في الجنة شجرة يقال لها طوبى يسير الراكب في ظلها مائة عام ما يقطعها زهرها رياط [ ص: 443 ]

                                                                                                                                                                                                                                      وورقها برود وقضبانها عنبر وبطحاؤها ياقوت وترابها كافور ووحلها مسك يخرج من أصلها أنهار الخمر واللبن والعسل وهي مجلس من مجالس أهل الجنة ومتحدث بينهم ، فبينما هم في مجلسهم إذ أتتهم ملائكة من ربهم يقودون نجبا مزمومة بسلاسل من ذهب وجوهها كالمصابيح من حسنها ووبرها كخز المرعزى من لينه عليها رحال ألواحها من ياقوت ودفوفها من ذهب وثيابها من سندس وإستبرق فينيخونها ويقولون : ربنا أرسلنا إليكم لتزوروه ، فيركبونها فهي أسرع من الطائر وأوطأ من الفراش نجبا من غير مهنة يسير الرجل إلى جنب أخيه وهو يكلمه ويناجيه لا تصيب أذن راحلة منها أذن صاحبتها ولا برك راحلة برك صاحبتها حتى أن الشجرة لتتنحى عن طرقهم لئلا تفرق بين الرجل وأخيه ، فيأتون إلى الرحمن الرحيم فيسفر لهم عن وجهه الكريم حتى ينظروا إليه فإذا رأوه قالوا : اللهم أنت السلام ومنك السلام وحق لك الجلال والإكرام ، ويقول عز وجل عند ذلك : أنا السلام ومني السلام وعليكم حقت رحمتي ومحبتي مرحبا بعبادي الذين خشوني بالغيب وأطاعوا أمري ، فيقولون : ربنا إنا لم نعبدك حق عبادتك ولم نقدرك حق قدرك فأذن لنا في السجود قدامك ، فيقول الله عز وجل : إنها ليست بدار [ ص: 444 ]

                                                                                                                                                                                                                                      نصب ولا عبادة ولكنها دار ملك ونعيم وإني قد رفعت عنكم نصب العبادة فسلوني ما شئتم فإن لكل رجل منكم أمنيته ، فيسألونه حتى إن أقصرهم أمنية ليقول : رب تنافس أهل الدنيا في دنياهم فتضايقوا فيها ، رب فآتني كل شيء كانوا فيه من يوم خلقتها إلى أن انتهت الدنيا فيقول الله عز وجل : لقد قصرت بك أمنيتك ولقد سألت دون منزلتك هذا لك مني وسأتحفك بمنزلتي لأنه ليس في عطائي نكد ولا تصريد ثم يقول : اعرضوا على عبادي ما لم تبلغ أمانيهم ولم يخطر على بال ، فيعرضون عليهم حتى تقصر بهم أمانيهم التي في أنفسهم فيكون فيما يعرضون عليهم : براذين مقرنة على كل أربعة منهم سرير من ياقوتة واحدة على كل منها قبة من ذهب مفرغة في كل قبة منها فرش من فرش الجنة مظاهرة في كل قبة منها جاريتان من الحور العين على كل جارية منهن ثوبان من ثياب الجنة وليس في الجنة ألوان إلا وهو فيهما ولا ريح طيبة إلا وقد عبقتا به ينفذ ضوء وجوههما غلظ القبة حتى يظن من يراهما أنهما من دون القبة يرى مخهما من فوق سوقهما كالسلك الأبيض من ياقوتة حمراء يريان له من الفضل على صاحبته كفضل الشمس على الحجارة أو أفضل ، ويرى هو لهما مثل ذلك ثم يدخل إليهما فيحييانه ويقبلانه ويعانقانه ويقولان له : والله ما ظننا أن الله يخلق مثلك ، ثم يأمر الله الملائكة [ ص: 445 ]

                                                                                                                                                                                                                                      فيسيرون بهم صفا في الجنة حتى ينتهي كل رجل منهم إلى منزلته التي أعدت له .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي حاتم من وجه آخر عن وهب بن منبه عن محمد بن علي بن الحسين ابن فاطمة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن في الجنة شجرة يقال لها طوبى لو سخر الراكب الجواد أن يسير في ظلها لسار فيه مائة عام قبل أن يقطعه وورقها برود خضر وزهرها رياط صفر وأقناؤها سندس وإستبرق وثمرها حلل خضر وصمغها زنجبيل وعسل وبطحاؤها ياقوت أحمر وزمرد أخضر وترابها مسك وعنبر وكافور أصفر وحشيشها زعفران مونع والألنجوج يأججان من غير وقود يتفجر من أصلها أنهار ، السلسبيل والمعين والرحيق وظلها مجلس من مجالس أهل الجنة يألفونه [ ص: 446 ]

                                                                                                                                                                                                                                      ومتحدث يجمعهم ، فبينما هم يوما في ظلها يتحدثون إذ جاءتهم ملائكة يقودون نجبا جبلت من الياقوت ثم نفخ فيها الروح مزمومة بسلاسل من ذهب كأن وجوهها المصابيح نضارة ووبرها خز أحمر ومرعز أبيض مختلطان ، لم ينظر الناظرون إلى مثله حسنا وبهاء ذللا من غير مهانة نجبا من غير رياضة عليها رحال ألواحها من الدر والياقوت مفضضة باللؤلؤ والمرجان فأناخوا إليهم تلك النجائب ثم قالوا لهم : ربكم يقرئكم السلام ويستزيركم لتنظروا إليه وينظر إليكم وتحيونه ويحييكم وتكلمونه ويكلمكم ويزيدكم من فضله وسعته إنه ذو رحمة واسعة وفضل عظيم ، فيتحول كل رجل منهم على راحلته حتى انطلقوا صفا واحدا معتدلا لا يفوت منه شيء شيئا ولا تفوت أذن ناقة أذن صاحبتها ولا بركة ناقة بركة صاحبتها ولا يمرون بشجرة من أشجار الجنة إلا أتحفتهم بثمرها ورحلت لهم عن طريقها كراهية أن ينثلم صفهم أو تفرق بين رجل ورفيقه [ ص: 447 ]

                                                                                                                                                                                                                                      فلما دفعوا إلى الجبار تعالى سفر لهم عن وجهه الكريم وتجلى لهم في عظمته العظيم يحييهم بالسلام ، فقالوا : ربنا أنت السلام ومنك السلام لك حق الجلال والإكرام ، قال لهم ربهم : إني أنا السلام ومني السلام ولي حق الجلال والإكرام فمرحبا بعبادي الذين حفظوا وصيتي ورعوا عهدي وخافوني بالغيب وكانوا مني على كل حال مشفقين ، قالوا : أما وعزتك وعظمتك وجلالك وعلو مكانك ما قدرناك حق قدرك ولا أدينا إليك كل حقك فأذن لنا بالسجود لك ، قال لهم ربهم : إني قد وضعت عنكم مؤنة العبادة وأرحت لكم أبدانكم طالما نصبتم لي الأبدان وأعنيتم لي الوجوه فالآن أفضيتم إلى روحي ورحمتي وكرامتي فسلوني ما شئتم وتمنوا علي أمانيكم فإني لن أجزيكم اليوم بقدر أعمالكم ولكن بقدر رحمتي وكرامتي وطولي وجلالي وعلو مكاني وعظمة شأني ، فما يزالون في الأماني والعطايا والمواهب حتى أن المقصر منهم في أمنيته ليتمنى مثل جميع الدنيا منذ يوم خلقها الله إلى يوم يفنيها ، قال لهم ربهم : لقد قصرتم في أمانيكم ورضيتم بدون ما يحق لكم فقد أوجبت لكم ما سألتم وتمنيتم وألحقت بكم [ ص: 448 ]

                                                                                                                                                                                                                                      وزدتكم ما قصرت عنه أمانيكم ، فانظروا إلى مواهب ربكم الذي وهبكم ، فإذا بقباب في الرفيق الأعلى وغرف مبنية من الدر والمرجان أبوابها من ذهب وسررها من ياقوت وفرشها من سندس وإستبرق ومنابرها من نور يفور من أبوابها وأعراصها نور مثل شعاع الشمس عنده مثل الكوكب الدري في النهار المضيء وإذا بقصور شامخة في أعلى عليين من الياقوت يزهر نورها ، فلولا أنه مسخر إذن لالتمع الأبصار فما كان من تلك القصور من الياقوت الأبيض فهو مفروش بالحرير الأبيض ، وما كان منها من الياقوت الأحمر فهو مفروش بالعبقري الأحمر، وما كان منها من الياقوت الأخضر فهو مفروش بالسندس الأخضر ، وما كان منها من الياقوت الأصفر فهو مفروش بالأرجوان الأصفر مبوبة بالزمرد الأخضر والذهب الأحمر والفضة البيضاء ، قواعدها وأركانها من الجوهر وشرفها قباب من لؤلؤ وبروجها غرف من المرجان ، فلما انصرفوا إلى ما أعطاهم ربهم قربت لهم براذين من ياقوت أبيض منفوخ فيها الروح بجنبها الولدان المخلدون بيد كل وليد منهم حكمة برذون من تلك البراذين ولجمها وأعنتها من فضة بيضاء منظومة بالدر والياقوت سروجها [ ص: 449 ]

                                                                                                                                                                                                                                      سرر موضونة مفروشة بالسندس والإستبرق فانطلقت بهم تلك البراذين تزف بهم وتطأ رياض الجنة ، فلما انتهوا إلى منازلهم وجدوا الملائكة قعودا على منابر من نور ينتظرونهم ليزوروهم ويصافحوهم ويهنوهم كرامة ربهم ، فلما دخلوا قصورهم وجدوا فيها جميع ما تطاول به عليهم ربهم مما سألوا وتمنوا وإذا على باب كل قصر من تلك القصور أربعة جنان جنتان ذواتا أفنان وجنتان مدهامتان وفيهما عينان نضاختان وفيهما من كل فاكهة زوجان وحور مقصورات في الخيام فلما تبوؤوا منازلهم واستقروا قرارهم قال لهم ربهم : هل وجدتم ما وعد ربكم حقا قالوا : نعم وربنا ، قال : هل رضيتم ثواب ربكم قالوا : ربنا رضينا فارض عنا ، قال : برضاي عنكم حللتم داري ونظرتم إلى وجهي وصافحتم ملائكتي فهنيئا هنيئا لكم عطاء غير مجذوذ ليس فيه تنغيص ولا تصريد فعند ذلك قالوا : الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن وأحلنا دار المقامة من فضله لا يمسنا فيها نصب ولا يمسنا فيها لغوب إن ربنا لغفور شكور .


                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 450 ]

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد بن حميد عن زيد مولى بني مخزوم قال : سمعت أبا هريرة يقول : إن في الجنة لشجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها واقرؤوا إن شئتم ( وظل ممدود ) فبلغ ذلك كعبا فقال : صدق والذي أنزل التوراة على موسى والفرقان على محمد ، لو أن رجلا ركب حقة أو جذعة ثم دار بأصل تلك الشجرة ما بلغها حتى يسقط هرما ، إن الله عز وجل غرسها بيده ونفخ فيها من روحه وإن أفنانها من وراء سور الجنة وما في الجنة نهر إلا يخرج من أصل تلك الشجرة .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير ، عن مغيث بن سمي قال : طوبى شجرة في الجنة لو أن رجلا ركب قلوصا جذعا أو جذعة ثم دار بها لم يبلغ المكان الذي ارتحل منه حتى يموت هرما ، وما من أهل الجنة منزل إلا غصن من تلك الشجرة متدل عليهم فإذا أرادوا أن يأكلوا من الثمرة تدلى إليهم فيأكلون ما شاؤوا ، ويجيء الطير فيأكلون منه قديدا وشويا ما شاؤوا ثم يطير .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي شيبة عن أبي صالح قال : طوبى شجرة في الجنة لو أن راكبا [ ص: 451 ]

                                                                                                                                                                                                                                      ركب حقة أو جذعة فأطاف بها ما بلغ ذلك الموضع الذي ركب فيه حتى يقتله الهرم .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن مردويه ، عن ابن عمر قال : ذكر عند النبي صلى الله عليه وسلم طوبى فقال النبي صلى الله عليه وسلم : يا أبا بكر هل بلغك ما طوبى قال : الله ورسوله أعلم ، قال : طوبى شجرة في الجنة لا يعلم طولها إلا الله فيسير الراكب تحت غصن من أغصانها سبعين خريفا ، ورقها الحلل يقع عليها الطير كأمثال البخت ، قال أبو بكر : إن ذلك الطير ناعم قال : أنعم منه من يأكله وأنت منهم يا أبا بكر إن شاء الله .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن مردويه ، عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : طوبى شجرة في الجنة غرسها الله بيده ونفخ فيها من روحه وإن أغصانها لترى من وراء سور الجنة تنبت الحلي والثمار متهدلة على أفواهها .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج سعيد بن منصور ، وابن أبي شيبة وهناد بن السري في «الزهد» ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن مغيث بن سمي قال : طوبى شجرة في الجنة ليس في الجنة دار إلا يظلها غصن من أغصانها فيه من ألوان الثمر ، ويقع عليها طير أمثال البخت فإذا اشتهى الرجل طائرا دعاه فيقع على خوانه فيأكل من أحد جانبيه شواء والآخر قديدا ثم يصير طائرا فيطير [ ص: 452 ]

                                                                                                                                                                                                                                      فيذهب .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي الدنيا في «العزاء» ، وابن أبي حاتم ، عن خالد بن معدان قال : إن في الجنة لشجرة يقال لها طوبى كلها ضروع فمن مات من الصبيان الذين يرضعون رضع من طوبى .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي حاتم ، عن سعيد بن جبير في قوله : ( طوبى لهم ) قال : غبطة ( وحسن مآب ) قال : حسن مرجع .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أبو الشيخ ، عن السدي ( وحسن مآب ) قال : حسن منقلب .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير ، عن الضحاك مثله .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية