الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 153 ] قوله تعالى : يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص

                                                                                                                                                                                                                                      أخرج ابن أبي حاتم ، عن سعيد بن جبير قال : إن حيين من العرب اقتتلوا في الجاهلية قبل الإسلام بقليل، فكان بينهم قتل وجراحات حتى قتلوا العبيد والنساء، فلم يأخذ بعضهم من بعض حتى أسلموا، فكان أحد الحيين يتطاول على الآخر في العدة والأموال، فحلفوا ألا يرضوا حتى يقتل بالعبد منا الحر منهم، وبالمرأة منا الرجل منهم، فنزل فيهم : يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى وذلك أنهم كانوا لا يقتلون الرجل بالمرأة، ولكن يقتلون الرجل بالرجل، والمرأة بالمرأة، فأنزل الله : النفس بالنفس فجعل الأحرار في القصاص سواء فيما بينهم من العمد؛ رجالهم ونساؤهم، وجعل العبيد مستوين فيما بينهم من العمد؛ رجالهم ونساؤهم .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والبيهقي في "سننه"، عن ابن عباس قال : كانوا لا يقتلون الرجل بالمرأة، ولكن يقتلون الرجل بالرجل، والمرأة بالمرأة، فأنزل الله : النفس بالنفس فجعل الأحرار في القصاص سواء فيما بينهم في العمد؛ رجالهم ونساؤهم، في النفس وما دون النفس، وجعل العبيد مستوين في العمد؛ في النفس وما دون النفس؛ رجالهم [ ص: 154 ] ونساؤهم .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، عن الشعبي قال : نزلت هذه الآية في قبيلتين من قبائل العرب اقتتلتا قتال عمية على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، فقالوا : نقتل بعبدنا فلان بن فلان، ونقتل بأمتنا فلانة بنت فلان . فأنزل الله : الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير ، وابن مردويه ، عن أبي مالك قال : كان بين حيين من الأنصار قتال، كان لأحدهما على الآخر الطول، فكأنهم طلبوا الفضل، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم ليصلح بينهم، فنزلت هذه الآية : الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى قال ابن عباس : فنسختها : النفس بالنفس .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير ، عن قتادة قال : لم يكن لمن قبلنا دية، إنما هو القتل أو العفو، فنزلت هذه الآية في قوم كانوا أكثر من غيرهم، فكانوا إذا قتل من الكثير عبد قالوا : لا نقتل به إلا حرا . وإذا قتلت منهم امرأة قالوا : لا نقتل بها إلا رجلا . فأنزل الله : الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى . [ ص: 155 ] وأخرج عبد بن حميد ، وأبو داود في «ناسخه»، وأبو القاسم الزجاجي في «أماليه»، والبيهقي في "سننه"، عن قتادة في الآية قال : كان أهل الجاهلية فيهم بغي وطاعة للشيطان، فكان الحي منهم إذا كان فيهم عدد وعدة، فقتل لهم عبد قتله عبد قوم آخرين، فقالوا : لن نقتل به إلا حرا . تعززا وتفضلا على غيرهم في أنفسهم، وإذا قتلت لهم أنثى قتلتها امرأة، قالوا : لن نقتل بها إلا رجلا . فأنزل الله هذه الآية يخبرهم أن العبد بالعبد، والحر بالحر، والأنثى بالأنثى، وينهاهم عن البغي، ثم أنزل سورة "المائدة"، فقال : وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس الآية .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج النحاس في «ناسخه»، عن ابن عباس : الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى . قال : نسختها : وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية