الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : يا أيها النبي إنا أحللنا لك أزواجك الآية .

                                                                                                                                                                                                                                      أخرج ابن سعد ، وابن راهويه ، وعبد بن حميد والترمذي وحسنه، وابن جرير ، وابن أبي حاتم ، والطبراني ، والحاكم وصححه، وابن مردويه ، والبيهقي عن أم هانئ بنت أبي طالب قالت : خطبني رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعتذرت [ ص: 83 ] إليه فعذرني فأنزل الله : يا أيها النبي إنا أحللنا لك أزواجك إلى قوله : هاجرن معك قالت : فلم أكن أحل له؛ لأني لم أهاجر معه، كنت من الطلقاء .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي حاتم ، وابن مردويه من وجه آخر عن أم هانئ قالت : نزلت في هذه الآية : وبنات عماتك ، اللاتي هاجرن معك أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يتزوجني فنهي عني؛ إذ لم أهاجر .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن سعد عن أبي صالح مولى أم هانئ قال : خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم أم هانئ بنت أبي طالب فقالت : يا رسول الله إني مؤتمة، وبني صغار، فلما أدرك بنوها عرضت نفسها عليه، فقال : أما الآن فلا، إن الله تعالى أنزل علي : يا أيها النبي إنا أحللنا لك أزواجك إلى قوله : هاجرن معك ولم تكن من المهاجرات .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير ، وابن مردويه عن ابن عباس في قوله : يا أيها النبي إنا أحللنا لك أزواجك إلى قوله : خالصة لك من دون المؤمنين . [ ص: 84 ] قال : فحرم الله عليه سوى ذلك من النساء، وكان قبل ذلك ينكح في أي النساء شاء لم يحرم ذلك عليه، وكان نساؤه يجدن من ذلك وجدا شديدا، أن ينكح في أي الناس أحب، فلما أنزل الله : إني قد حرمت عليك من النساء سوى ما قصصت عليك، أعجب ذلك نساءه .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الفريابي ، وعبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله : إنا أحللنا لك أزواجك قال : هن أزواجه الأول اللاتي كن قبل أن تنزل هذه الآية . وفي قوله : اللاتي آتيت أجورهن قال : صدقاتهن، وما ملكت يمينك قال : هي الإماء التي أفاء الله عليه .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن المنذر عن الشعبي في الآية قال : رخص له في بنات عمه، وبنات عماته، وبنات خاله، وبنات خالاته اللاتي هاجرن معه، أن يتزوج منهن، ولا يتزوج من غيرهن، ورخص له في امرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الفريابي وعبد بن حميد ، وابن أبي حاتم عن مجاهد في [ ص: 85 ] قوله : إن وهبت نفسها للنبي قال : بغير صداق، أحل له ذلك ولم يكن ذلك أحل إلا له : خالصة لك من دون المؤمنين قال : خاصة للنبي صلى الله عليه وسلم .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي حاتم ، وابن مردويه والبيهقي في "السنن"، عن عائشة قالت : التي وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم، خولة بنت حكيم .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد الرزاق ، وابن سعد ، وابن أبي شيبة ، وعبد بن حميد والبخاري ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وابن مردويه والبيهقي عن عروة، أن خولة بنت حكيم بن الأوقص كانت من اللاتي وهبن أنفسهن لرسول الله صلى الله عليه وسلم .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن سعد عن عكرمة في قوله : وامرأة مؤمنة الآية . قال : نزلت في أم شريك الدوسية .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 86 ] وأخرج ابن سعد عن منير بن عبد الله الدوسي، أن أم شريك، غزية بنت جابر بن حكيم الدوسية عرضت نفسها على النبي صلى الله عليه وسلم وكانت جميلة فقبلها، فقالت عائشة : ما في امرأة حين وهبت نفسها لرجل خير . قالت أم شريك : فأنا تلك . فسماها الله مؤمنة، فقال : وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي فلما نزلت هذه الآية قالت عائشة : إن الله ليسرع لك في هواك .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي شيبة ، وابن أبي حاتم ، عن محمد بن كعب، وعمر بن الحكم، وعبد الله بن عبيدة قالوا : تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث عشرة امرأة، ست من قريش : خديجة، وعائشة ، وحفصة، وأم حبيبة، وسودة، وأم سلمة وثلاث من بني عامر بن صعصعة، وامرأتان من بني هلال بن عامر : ميمونة بنت الحارث، وهي التي وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم، وزينب أم المساكين، وامرأة من بني بكر بن كلاب من القرطاء، وهي التي اختارت الدنيا، وامرأة من بني الجون، وهي التي استعاذت منه، وزينب بنت جحش الأسدية، والسبيتان : صفية بنت حيي، وجويرية بنت الحارث الخزاعية .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن سعد ، وابن أبي شيبة ، وعبد بن حميد ، وابن جرير وابن [ ص: 87 ] المنذر، والطبراني عن علي بن الحسين في قوله : وامرأة مؤمنة : إن أم شريك الأزدية التي وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن سعد عن ابن أبي عون : أن ليلى بنت الخطيم وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم ووهبن نساء أنفسهن، فلم نسمع أن النبي صلى الله عليه وسلم قبل منهن أحدا .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي شيبة ، وابن جرير ، عن الشعبي : أنها امرأة من الأنصار وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم، وهي مما أرجى .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، والطبراني ، وابن مردويه والبيهقي في "السنن"، عن ابن عباس قال : لم يكن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة وهبت نفسها .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد الرزاق ، وسعيد بن منصور ، وابن أبي شيبة ، وعبد بن حميد ، [ ص: 88 ] وابن المنذر ، والبيهقي ، عن سعيد بن المسيب قال : لا تحل الهبة لأحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد الرزاق ، وابن سعد ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم عن الزهري، وإبراهيم النخعي في قوله : خالصة لك من دون المؤمنين قالا : لا تحل الهبة لأحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي شيبة ، عن طاوس قال : لا يحل لأحد أن يهب ابنته بغير مهر إلا للنبي صلى الله عليه وسلم .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي شيبة عن مكحول، والزهري قالا : لم تحل الموهوبة لأحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد الرزاق ، وعبد بن حميد عن ابن شهاب قال : لا يحل لرجل أن يهب ابنته بغير صداق، قد جعل الله ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم خاصة دون المؤمنين .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد الرزاق ، وابن أبي شيبة ، وعبد بن حميد عن عطاء في امرأة وهبت نفسها لرجل قال : لا يصلح إلا بصداق، لم يكن ذلك إلا للنبي صلى الله عليه وسلم .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 89 ] وأخرج البخاري ، وابن مردويه عن أنس قال : جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت : يا نبي الله هل لك في حاجة؟ فقالت ابنة أنس : ما كان أقل حياءها، فقال : هي خير منك، رغبت في النبي صلى الله عليه وسلم فعرضت نفسها عليه .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي شيبة ، وعبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن أبي حاتم ، وابن مردويه ، عن عروة قال : كنا نتحدث أن أم شريك كانت في من وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم وكانت امرأة صالحة .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير عن ابن عباس : وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي قال : هي ميمونة بنت الحارث .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد الرزاق ، وابن سعد ، وعبد بن حميد ، وابن المنذر ، عن عكرمة قال : وهبت ميمونة بنت الحارث نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج مالك، وعبد الرزاق ، وأحمد ، والبخاري ، ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي ، وابن المنذر ، وابن مردويه عن سهل بن سعد الساعدي : أن امرأة جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فوهبت نفسها له، فصمت فقال رجل : يا رسول الله زوجنيها إن لم يكن لك بها حاجة . قال : ما عندك تعطيها؟ قال : ما عندي إلا إزاري، قال : إن أعطيتها إزارك جلست لا إزار لك [ ص: 90 ] فالتمس شيئا . قال : ما أجد شيئا . فقال : التمس ولو خاتما من حديد . فلم يجد، فقال : هل معك من القرآن شيء؟ قال : نعم، سورة كذا وسورة كذا لسور سماها فقال : قد زوجناكها بما معك من القرآن .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي شيبة ، وابن جرير ، وابن المنذر عن مجاهد في قوله : إن وهبت نفسها للنبي قال : فعلت ولم يفعل .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد بن حميد ، وابن أبي حاتم عن عكرمة في قوله : خالصة لك من دون المؤمنين قال : لا تحل الموهوبة لغيرك، ولو أن امرأة وهبت نفسها لرجل لم تحل له حتى يعطيها شيئا .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد بن حميد ، وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله : خالصة لك من دون المؤمنين يقول : ليس لامرأة أن تهب نفسها لرجل بغير أمر ولي ولا مهر، إلا للنبي صلى الله عليه وسلم، كانت خاصة له صلى الله عليه وسلم من دون الناس، يزعمون أنها نزلت في ميمونة بنت الحارث، أنها هي التي وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية