الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم .

                                                                                                                                                                                                                                      أخرج مالك في ((الموطأ))، و وكيع ، والشافعي في ((الأم))، وعبد الرزاق ، والبخاري ، وعبد بن حميد ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وابن مردويه ، والبيهقي في "سننه" من طرق، عن عائشة قالت : أنزلت هذه الآية : لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم في قول الرجل : لا والله، وبلى والله، وكلا والله، زاد ابن جرير : يصل بها كلامه .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أبو داود ، وابن جرير ، وابن حبان ، وابن مردويه ، والبيهقي من طريق عطاء بن أبي رباح أنه سئل عن اللغو في اليمين، فقال : قالت عائشة : إن [ ص: 626 ] رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ((هو كلام الرجل في يمينه كلا والله، وبلى والله)) .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد الرزاق ، وعبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، عن عائشة لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم قالت : هم القوم يتدارءون في الأمر لا تعقد عليه قلوبهم .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، عن عائشة قالت : إنما اللغو في المزاحة والهزل وهو قول الرجل : لا والله، وبلى والله، فذاك لا كفارة فيه، إنما الكفارة فيما عقد عليه قلبه أن يفعله ثم لا يفعله .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير ، عن الحسن قال : مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوم ينتضلون، ومع النبي صلى الله عليه وسلم رجل من أصحابه، فرمى رجل من القوم فقال : أصبت والله وأخطأت والله، فقال الذي مع النبي صلى الله عليه وسلم : حنث الرجل يا رسول الله ، فقال : ((كلا، أيمان الرماة لغو ولا كفارة فيها ولا عقوبة)) .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أبو الشيخ من طريق عطاء عن عائشة وابن عباس وابن عمر وابن عمرو ، أنهم كانوا يقولون : اللغو : لا والله وبلى والله . [ ص: 627 ] وأخرج سعيد بن منصور ، وابن جرير ، وابن المنذر ، والبيهقي من طريق عكرمة، عن ابن عباس قال : لغو اليمين : لا والله وبلى والله .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج سعيد بن منصور ، وعبد بن حميد ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم والبيهقي من طريق طاوس، عن ابن عباس قال : لغو اليمين أن تحلف وأنت غضبان .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي حاتم ، والبيهقي عن عائشة ، أنها كانت تتأول هذه الآية : لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم وتقول : هو الشيء يحلف عليه أحدكم لا يريد منه إلا الصدق فيكون على غير ما حلف عليه .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير ، عن أبي هريرة قال : لغو اليمين حلف الإنسان على الشيء يظن أنه الذي حلف عليه، فإذا هو غير ذلك .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير من طريق عطية العوفي ، عن ابن عباس قال : اللغو أن يحلف الرجل على الشيء يراه حقا وليس بحق .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر من طريق علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس في قوله : لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم قال : هذا في الرجل يحلف على أمر إضرار أن يفعله أو لا يفعله، فيرى الذي خير منه، فأمر الله أن [ ص: 628 ] يكفر عن يمينه ويأتي الذي هو خير ، قال : ومن اللغو أن يحلف الرجل على أمر فيه الصدق وقد أخطأ في ظنه، فهذا الذي عليه الكفارة ولا إثم فيه .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي حاتم من طريق سعيد بن جبير، عن ابن عباس لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم قال : لغو اليمين أن تحرم ما أحل الله لك، فذلك ما ليس عليك فيه كفارة ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم قال : ما تعمدت قلوبكم فيه المأثم فهذا عليك فيه الكفارة .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج وكيع ، وعبد الرزاق ، وابن أبي حاتم ، عن سعيد بن جبير في قوله : لا يؤاخذكم الله قال : هو الرجل يحلف على المعصية يعني أن لا يصلي ولا يصنع الخير .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد الرزاق ، وعبد بن حميد ، وابن أبي حاتم ، عن إبراهيم النخعي : لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم قال : هو الرجل يحلف على الشيء ثم ينسى فلا يؤاخذه الله به، ولكن يكفر .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد بن حميد ، وأبو الشيخ من طريق قتادة ، عن سليمان بن يسار لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم قال : الخطأ غير العمد . [ ص: 629 ] وأخرج عبد بن حميد ، عن أبي قلابة في قول الرجل : لا والله، وبلى والله ، قال : إنها لمن لغة العرب، ليست بيمين .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد بن حميد ، عن إبراهيم لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم

                                                                                                                                                                                                                                      قال : هو الرجل يحلف على الشيء يرى أنه صادق وهو كاذب، فذاك اللغو لا يؤاخذ الله به، ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم قال : يحلف على الشيء وهو يعلم أنه كاذب، فذاك الذي يؤاخذ به .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن المنذر ، عن الضحاك قال : كان قوم حلفوا على تحريم الحلال فقالوا : أما إذ حلفنا وحرمنا على أنفسنا فإنه ينبغي لنا أن نبر ، فقال الله : أن تبروا وتتقوا وتصلحوا بين الناس ولم يجعل لها كفارة، فأنزل الله : يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك ، قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم فأمر النبي عليه الصلاة والسلام بالكفارة لتحريم ما حرم على نفسه الجارية التي كان حرمها على نفسه، أمره أن يكفر يمينه ويعاود جاريته، ثم أنزل الله : لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي حاتم ، عن سعيد بن جبير في قوله : والله غفور يعني ذا تجاوز عن اليمين التي حلف عليها حليم إذ لم يجعل فيها الكفارة، ثم نزلت الكفارة .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية