الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 479 ] بسم الله الرحمن الرحيم

                                                                                                                                                                                                                                      93 - سورة الضحى .

                                                                                                                                                                                                                                      مكية وآياتها إحدى عشرة .

                                                                                                                                                                                                                                      أخرج ابن الضريس والنحاس، وابن مردويه والبيهقي عن ابن عباس قال : نزلت سورة الضحى بمكة .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الحاكم وصححه، وابن مردويه والبيهقي في شعب الإيمان من طريق أبي الحسن البزي المقري قال : سمعت عكرمة بن سليمان يقول : قرأت على إسماعيل بن قسطنطين فلما بلغت والضحى قال : كبر عند خاتمة كل سورة حتى تختم فإني قرأت على عبد الله بن كثير فلما بلغت والضحى قال : كبر حتى تختم وأخبره عبد الله بن كثير أنه قرأ على مجاهد فأمره بذلك وأخبره مجاهد أن ابن عباس أمره بذلك وأخبره ابن عباس أن أبي بن كعب أمره بذلك وأخبره أبي أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره بذلك .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أحمد، وعبد بن حميد والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي، وابن جرير وابن المنذر، والطبراني والبيهقي وأبو نعيم كلاهما في دلائل النبوة عن جندب البجلي قال : اشتكى النبي [ ص: 480 ] صلى الله عليه وسلم

                                                                                                                                                                                                                                      فلم يقم ليلتين أو ثلاثا فأتته امرأة فقالت : يا محمد ما أرى شيطانك إلا قد تركك لم يقربك ليلتين أو ثلاثا فأنزل الله والضحى والليل إذا سجى ما ودعك ربك وما قلى .


                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الفريابي وسعيد بن منصور، وعبد بن حميد ، وابن جرير، والطبراني ، وابن مردويه عن جندب قال : أبطأ جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم فقال المشركون : قد ودع محمد فنزلت ما ودعك ربك وما قلى .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الطبراني عن جندب قال : احتبس جبريل عن النبي صلى الله عليه وسلم فقالت بعض بنات عمه : ما أرى صاحبك إلا قد قلاك، فنزلت : والضحى إلى وما قلى .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الترمذي وصححه، وابن أبي حاتم واللفظ له عن جندب قال : رمي رسول الله صلى الله عليه وسلم بحجر في إصبعه فقال :

                                                                                                                                                                                                                                      هل أنت إلا إصبع دميت وفي سبيل الله ما لقيت

                                                                                                                                                                                                                                      فمكث ليلتين أو ثلاثا لا يقوم فقالت له امرأة : ما أرى [ ص: 481 ] شيطانك إلا قد تركك فنزلت والضحى والليل إذا سجى ما ودعك ربك وما قلى .


                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الحاكم عن زيد بن أرقم قال : لما نزلت تبت يدا أبي لهب وتب ما أغنى إلى وامرأته حمالة الحطب فقيل لامرأة أبي لهب : إن محمدا قد هجاك، فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو جالس في الملإ فقالت : يا محمد علام تهجوني قال : إني والله ما هجوتك ما هجاك إلا الله، فقالت : هل رأيتني أحمل حطبا أو رأيت في جيدي حبلا من مسد ثم انطلقت، فمكث رسول الله صلى الله عليه وسلم أياما لا ينزل عليه فأتته فقالت : ما أرى صاحبك إلا قد ودعك وقلاك فأنزل الله والضحى والليل إذا سجى ما ودعك ربك وما قلى .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير عن عبد الله بن شداد أن خديجة قالت للنبي صلى الله عليه وسلم : ما أرى ربك إلا قد قلاك فأنزل الله والضحى والليل إذا سجى ما ودعك ربك وما قلى .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر عن عروة قال : أبطأ جبريل عن النبي صلى الله عليه وسلم فجزع جزعا شديدا فقالت خديجة : أرى ربك قد قلاك مما يرى من جزعك فنزلت والضحى إلى آخرها .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 482 ] وأخرج الحاكم، وابن مردويه والبيهقي في الدلائل من طريق عروة عن خديجة قالت : لما أبطأ على رسول الله صلى الله عليه وسلم الوحي جزع من ذلك فقلت له مما رأيت من جزعه : لقد قلاك ربك مما يرى من جزعك فأنزل الله ما ودعك ربك وما قلى .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير ، وابن مردويه من طريق العوفي عن ابن عباس قال : لما نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم القرآن أبطأ عنه جبريل أياما فعير بذلك فقال المشركون : ودعه ربه وقلاه فأنزل الله والضحى والليل إذا سجى يعني أقبل ما ودعك ربك وما قلى .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير نحوه من مرسل قتادة والضحاك .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد الرزاق ، وعبد بن حميد ، وابن جرير، وابن المنذر عن قتادة في قوله : والضحى قال : ساعة من ساعات النهار والليل إذا سجى قال : سكن بالناس .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الفريابي، وعبد بن حميد ، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد والليل إذا سجى قال : إذا استوى .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد الرزاق عن الحسن إذا سجى قال : إذا لبس الناس .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 483 ] وأخرج ابن جرير عن ابن عباس إذا سجى قال : إذا أقبل .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير والليل إذا سجى قال : إذا أقبل فغطى كل شيء .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر، وابن أبي حاتم ، وابن مردويه عن ابن عباس إذا سجى قال : إذا ذهب ما ودعك ربك قال : ما تركك وما قلى قال : ما أبغضك .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي شيبة في مسنده والطبراني ، وابن مردويه عن أم حفص عن أمها وكانت خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن جروا دخل بيت النبي صلى الله عليه وسلم فدخل تحت

                                                                                                                                                                                                                                      السرير فمات فمكث النبي صلى الله عليه وسلم أربعة أيام لا ينزل عليه الوحي فقال : يا خولة ما حدث في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم جبريل لا يأتيني، فقلت يا نبي الله ما أتى علينا يوم خير منا اليوم فأخذ برده فلبسه وخرج فقلت في نفسي : لو هيأت البيت وكنسته فأهويت بالمكنسة تحت السرير فإذا بشيء ثقيل فلم أزل حتى بدا لي الجرو ميتا فأخذته بيدي فألقيته خلف الدار فجاء النبي صلى الله عليه وسلم ترعد لحيته وكان إذا نزل عليه أخذته الرعدة فقال : يا خولة دثريني فأنزل الله عليه والضحى والليل إذا سجى إلى قوله : فترضى .


                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 484 ] وأخرج الطبراني في الأوسط والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : عرض علي ما هو مفتوح لأمتي بعدي فسرني فأنزل الله وللآخرة خير لك من الأولى .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد ، وابن جرير وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم وصححه، وابن مردويه والبيهقي وأبو نعيم كلاهما في الدلائل عن ابن عباس قال : عرض على رسول الله صلى الله عليه وسلم ما هو مفتوح على أمته من بعده كفرا كفرا فسر بذلك فأنزل الله ولسوف يعطيك ربك فترضى فأعطاه في الجنة ألف قصر من لؤلؤ ترابه المسك في كل قصر ما ينبغي له من الأزواج والخدم .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير من طريق السدي عن ابن عباس في قوله : ولسوف يعطيك ربك فترضى قال : من رضا محمد ألا يدخل أحد من أهل بيته النار .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 485 ] وأخرج البيهقي في شعب الإيمان من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله : ولسوف يعطيك ربك فترضى قال : رضاه أن يدخل أمته كلهم الجنة .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الخطيب في تلخيص المتشابه من وجه آخر عن ابن عباس في قوله : ولسوف يعطيك ربك فترضى قال : لا يرضى محمد وأحد من أمته في النار .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج مسلم عن ابن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم تلا قول الله في إبراهيم فمن تبعني فإنه مني وقول عيسى إن تعذبهم فإنهم عبادك الآية، فرفع

                                                                                                                                                                                                                                      يديه وقال : اللهم أمتي أمتي وبكى فقال الله : يا جبريل اذهب إلى محمد فقل له : إنا سنرضيك في أمتك ولا نسوؤك .


                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن المنذر، وابن مردويه وأبو نعيم في الحلية من طريق حرب بن سريج قال : قلت لأبي جعفر محمد بن علي بن الحسين : أرأيت هذه الشفاعة التي يتحدث بها أهل العراق أحق هي قال : إي والله حدثني عمي محمد ابن الحنفية عن علي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : أشفع لأمتي حتى يناديني ربي أرضيت يا محمد فأقول : نعم يا رب رضيت، ثم أقبل علي فقال : إنكم تقولون يا معشر أهل العراق إن أرجى آية في كتاب الله [ ص: 486 ] يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا قلت : إنا لنقول ذلك، قال فكلنا أهل البيت نقول : إن أرجى آية في كتاب الله ولسوف يعطيك ربك فترضى وهي الشفاعة .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن أنه سئل عن قوله : ولسوف يعطيك ربك فترضى قال : هي الشفاعة .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنا أهل البيت اختار الله لنا الآخرة على الدنيا ولسوف يعطيك ربك فترضى .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج العسكري في المواعظ، وابن لال، وابن مردويه ، وابن النجار، عن جابر بن عبد الله قال : دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على فاطمة وهي تطحن بالرحى وعليها كساء من جلد الإبل فلما نظر إليها قال : يا فاطمة تعجلي مرارة الدنيا لنعيم الآخرة غدا فأنزل الله ولسوف يعطيك ربك فترضى .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن مردويه عن عكرمة قال : لما نزلت هذه الآية : وللآخرة خير لك من الأولى قال العباس بن عبد المطلب : لا يدع الله نبيه فيكم إلا قليلا لما [ ص: 487 ] هو خير له .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله : ولسوف يعطيك ربك فترضى قال : ذلك يوم القيامة في الجنة .

                                                                                                                                                                                                                                      وفي قوله : ألم يجدك يتيما فآوى إلى قوله : فأغنى قال : كانت هذه منازل رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يبعثه الله .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي حاتم والبيهقي في الدلائل، وابن عساكر من طريق موسى بن علي بن رباح عن أبيه قال : كنت عند مسلمة بن مخلد وعنده عبد الله بن عمرو بن العاص فتمثل مسلمة ببيت من شعر أبي طالب فقال : لو أن أبا طالب رأى ما نحن فيه اليوم من نعمة الله وكرامته لعلم أن ابن أخيه سيد قد جاء بخير كثير فقال عبد الله : ويومئذ قد كان سيدا كريما قد جاء بخير كثير فقال مسلمة : ألم يقل الله ألم يجدك يتيما فآوى ووجدك ضالا فهدى ووجدك عائلا فأغنى فقال عبد الله : أما اليتيم فقد كان يتيما من أبويه وأما العيلة فكل ما كان بأيدي العرب إلى القلة .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج البيهقي في الدلائل عن ابن شهاب قال : بعث عبد المطلب ابنه عبد الله يمتار له تمرا من يثرب فتوفي عبد الله وولدت آمنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان في حجر جده عبد المطلب .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 488 ] وأخرج ابن أبي حاتم والطبراني والحاكم وصححه وابن مردويه، والبيهقي وأبو نعيم كلاهما في الدلائل، وابن عساكر عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : سألت ربي مسألة ووددت أني لم أكن سألته قلت : قد كانت قبلي الأنبياء منهم من سخرت له الريح ومنهم من كان يحيي الموتى فقال تعالى : يا محمد ألم أجدك يتيما فآويتك ألم أجدك ضالا فهديتك ألم أجدك عائلا فأغنيتك ألم أشرح لك صدرك ألم أضع عنك وزرك ألم أرفع لك ذكرك قلت : بلى يا رب .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : سألت ربي شيئا وددت أني لم أكن سألته قلت : يا رب كل الأنبياء فذكر سليمان بالريح وذكر موسى فأنزل الله ألم يجدك يتيما فآوى .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن مردويه والديلمي عن ابن عباس قال : لما نزلت والضحى على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يمن علي ربي وأهل أن يمن ربي .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : ووجدك ضالا فهدى الآية .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس في قوله : ووجدك ضالا فهدى [ ص: 489 ] قال : وجدك بين ضالين فاستنقذك من ضلالتهم .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية