الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود الآية .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 346 ] أخرج ابن إسحاق ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، وابن مردويه ، والبيهقي في (الدلائل)، وابن عساكر ، عن عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت قال : لما حاربت بنو قينقاع رسول الله صلى الله عليه وسلم تشبث بأمرهم عبد الله بن أبي ابن سلول، وقام دونهم، ومشى عبادة بن الصامت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وتبرأ إلى الله وإلى رسوله من حلفهم، وكان أحد بني عوف بن الخزرج، وله من حلفهم مثل الذي كان لهم من عبد الله بن أبي، فخلعهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال : أتولى الله ورسوله والمؤمنين، وأبرأ إلى الله ورسوله من حلف هؤلاء الكفار وولايتهم، وفيه وفي عبد الله بن أبي نزلت الآيات في المائدة : يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض إلى قوله : فإن حزب الله هم الغالبون .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن مردويه ، عن ابن عباس قال : أسلم عبد الله بن أبي ابن سلول ثم إنه قال : إنه بيني وبين قريظة والنضير حلف، وإني أخاف الدوائر، فارتد كافرا، وقال عبادة بن الصامت : أبرأ إلى الله من حلف قريظة والنضير، وأتولى الله ورسوله والذين آمنوا، فأنزل الله : يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء إلى قوله : فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم يعني : عبد الله بن أبي، يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة إلى قوله : فأصبحوا خاسرين يعني عبد الله بن أبي، وقوله : إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون يعني : عبادة بن الصامت، وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال : ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أنزل إليه ما اتخذوهم أولياء ولكن كثيرا منهم فاسقون .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن مردويه ، من طريق عبادة بن الوليد، عن أبيه، عن جده عبادة بن الصامت قال : في نزلت هذه الآية حين أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فتبرأت إليه من حلف يهود، وظاهرت رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمين عليهم .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي شيبة ، وابن جرير ، عن عطية بن سعد، قال : جاء عبادة بن الصامت من بني الحارث بن الخزرج إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله، إن لي موالي من يهود، كثير عددهم، وإني أبرأ إلى الله ورسوله من ولاية يهود، وأتولى الله ورسوله، فقال عبد الله بن أبي : إني رجل أخاف الدوائر، لا أبرأ من ولاية موالي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن أبي : يا أبا الحباب، ما بخلت به من ولاية يهود على عبادة بن الصامت، فهو إليك دونه)، قال : قد قبلت . [ ص: 348 ] فأنزل الله : يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض إلى قوله : فترى الذين في قلوبهم مرض .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير ، عن الزهري قال : لما انهزم أهل بدر قال المسلمون لأوليائهم من يهود : آمنوا قبل أن يصيبكم الله بيوم مثل يوم بدر، فقال مالك بن صيف : غركم أن أصبتم رهطا من قريش لا علم لهم بالقتال، أما لو أمررنا العزيمة أن نستجمع عليكم لم يكن لكم يد أن تقاتلونا، فقال عبادة : يا رسول الله، إن أوليائي من اليهود كانت شديدة أنفسهم، كثيرا سلاحهم، شديدة شوكتهم، وإني أبرأ إلى الله ورسوله من ولايتهم، ولا مولى لي إلا الله ورسوله، فقال عبد الله بن أبي : لكني لا أبرأ من ولاء يهود إني رجل لا بد لي منهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (يا أبا الحباب، أرأيت الذي نفست به من ولاء يهود على عبادة فهو لك دونه؟) قال : إذن أقبل، فأنزل الله تعالى ذكره : يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض إلى أن بلغ إلى قوله : والله يعصمك من الناس .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، عن السدي قال : لما كانت وقعة أحد اشتد على طائفة من الناس وتخوفوا أن يدال عليهم الكفار، فقال رجل لصاحبه : أما أنا فألحق بفلان اليهودي فآخذ منه أمانا، وأتهود معه، فإني أخاف أن تدال [ ص: 349 ] علينا اليهود، وقال الآخر : أما أنا فألحق بفلان النصراني ببعض أرض الشام، فآخذ منه أمانا، وأتنصر معه، فأنزل الله تعالى فيه ينهاهما : يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، عن عكرمة في قوله : يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض في بني قريظة إذ غدروا، ونقضوا العهد بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم في كتابهم إلى أبي سفيان بن حرب يدعونه وقريشا ليدخلوهم حصونهم، فبعث النبي صلى الله عليه وسلم أبا لبابة بن عبد المنذر إليهم أن يستنزلهم من حصونهم، فلما أطاعوا له بالنزول وأشار إلى حلقه الذبح الذبح، وكان طلحة، والزبير يكاتبان النصارى وأهل الشام، وبلغني أن رجالا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كانوا يخافون العوز والفاقة، فيكاتبون اليهود من بني قريظة، والنضير، فيدسون إليهم الخبر من النبي صلى الله عليه وسلم يلتمسون عندهم القرض أو النفع، فنهوا عن ذلك .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي شيبة ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس قال : كلوا من ذبائح بني تغلب، وتزوجوا من نسائهم، فإن الله يقول : يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم [ ص: 350 ] منكم فإنه منهم . فلو لم يكونوا منهم إلا بالولاية لكانوا منهم .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير ، عن ابن عباس في هذه الآية : يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء الآية، قال : إنها في الذبائح من دخل في دين قوم فهو منهم .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي حاتم ، والبيهقي في (شعب الإيمان) عن عياض، أن عمر أمر أبا موسى الأشعري أن يرفع إليه ما أخذ، وما أعطى في أديم واحد، وكان له كاتب نصراني، فرفع إليه ذلك فعجب عمر وقال : إن هذا لحفيظ، هل أنت قارئ لنا كتابا في المسجد جاء من الشام؟ فقال : إنه لا يستطيع أن يدخل المسجد، قال عمر : أجنب هو؟ قال : لا، بل نصراني، قال : فانتهرني وضرب فخذي، ثم قال : أخرجوه، ثم قرأ : يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء الآية .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد بن حميد ، عن حذيفة قال : ليتق أحدكم أن يكون يهوديا أو نصرانيا وهو لا يشعر، وتلا : ومن يتولهم منكم فإنه منهم .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية