الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                واتخذوا من دون الله آلهة ليكونوا لهم عزا كلا سيكفرون بعبادتهم ويكونون عليهم ضدا

                                                                                                                                                                                                أي : ليتعززوا بآلهتهم ؛ حيث يكونون لهم عند الله شفعاء وأنصارا ينقذونهم من العذاب ، و "كلا " : ردع لهم وإنكار لتعززهم بالآلهة ، وقرأ ابن نهيك : "كلا " ، سيكفرون بعبادتهم أي : سيجحدون كلا سيكفرون بعبادتهم ؛ كقولك : زيدا مررت بغلامه ، وفي محتسب ابن جني : "كلا" بفتح الكاف والتنوين ، وزعم أن معناه كل هذا الرأي والاعتقاد كلا ، ولقائل أن يقول : إن صحت هذه الرواية ، فهي كلا التي هي للردع ، قلب الواقف عليها ألفها نونا كما في قواريرا ، والضمير في " سيكفرون " : للآلهة ، أي : سيجحدون عبادتهم وينكرونها ويقولون : والله ما عبدتمونا وأنتم كاذبون ؛ قال الله تعالى : وإذا رأى الذين أشركوا شركاءهم قالوا ربنا هؤلاء شركاؤنا الذين كنا ندعوا من دونك فألقوا إليهم القول إنكم لكاذبون [النحل : 86 ] ، أو للمشركين : أي : ينكرون لسوء العاقبة أن يكونوا قد عبدوها ، قال الله تعالى : ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا والله ربنا ما كنا مشركين [الأنعام : 23 ] ، عليهم ضدا : في مقابلة : لهم عزا ، والمراد : ضد العز وهو الذل والهوان ، أي : يكونون عليهم ضدا لما قصدوه وأرادوه ، كأنه قيل : ويكونون عليهم ذلا ، لا لهم عزا أو يكونون عليهم عونا ، والضد : العون ، يقال : من أضدادكم ، أي : أعوانكم وكأن العون سمي ضدا ؛ لأنه يضاد عدوك وينافيه بإعانته لك عليه .

                                                                                                                                                                                                فإن قلت : لم وحد ؟

                                                                                                                                                                                                قلت : وحد توحيد قوله -عليه السلام - : "وهم يد على من سواهم " ، لاتفاق [ ص: 54 ] كلمتهم وأنهم كشيء واحد ؛ لفرط تضامهم وتوافقهم ، ومعنى كون الآلهة عون عليهم : أنهم وقود النار وحصب جهنم ؛ ولأنهم عذبوا بسبب عبادتها وإن رجعت الواو في سيكفرون ويكونون إلى المشركين ؛ فإن المعنى : ويكونون عليهم -أي أعداءهم- ضدا ، أي : كفرة بهم ، بعد أن كانوا يعبدونها .

                                                                                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                                                                                الخدمات العلمية