الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                قل من يرزقكم من السماوات والأرض قل الله وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين

                                                                                                                                                                                                أمره بأن يقررهم بقوله : من يرزقكم ثم أمره بأن يتولى الإجابة والإقرار عنهم بقوله : يرزقكم الله . وذلك بالإشعار بأنهم مقرون به بقلوبهم ، إلا أنهم ربما أبوا أن يتكلموا به ; لأن الذي تمكن في صدورهم من العناد وحب الشرك قد ألجم أفواههم عن النطق بالحق [ ص: 121 ] مع علمهم بصحته ، ولأنهم إن تفوهوا بأن الله رازقهم ، لزمهم أن يقال لهم : فما لكم لا تعبدون من يرزقكم وتؤثرون عليه من لا يقدر على الرزق ، ألا ترى إلى قوله : قل من يرزقكم من السماء والأرض أمن يملك السمع [يونس : 31 ] حتى قال : فسيقولون الله [يونس : 31 ] ثم قال : فماذا بعد الحق إلا الضلال فكأنهم كانوا يقرون بألسنتهم مرة ، ومرة كانوا يتلعثمون عنادا وضرارا وحذارا من إلزام الحجة ، ونحوه قوله عز وجل : قل من رب السماوات والأرض قل الله قل أفاتخذتم من دونه أولياء لا يملكون لأنفسهم نفعا ولا ضرا [الرعد : 16 ] وأمره أن يقول لهم بعد الإلزام والإلجام الذي لم يزد على إقرارهم بألسنتهم لم يتقاصر عنه وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين ومعناه : وإن أحد الفريقين من الذين يوحدون الرازق من السماوات والأرض بالعبادة ومن الذين يشركون به الجماد الذي لا يوصف بالقدرة ، لعلى أحد الأمرين من الهدى والضلال ، وهذا من الكلام المنصف الذي كل من سمعه من موال أو مناف قال لمن خوطب به : قد أنصفك صاحبك ، وفى درجة بعد تقدمه ما قدم من التقرير البليغ دلالة غير خفية على من هو من الفريقين على الهدى ومن هو في الضلال المبين ، ولكن التعريض والتورية أفضل بالمجادل إلى الغرض ، وأهجم به على الغلبة ، مع قلة شغب الخصم وفل شوكته بالهوينا ونحوه قول الرجل لصاحبه : علم الله الصادق مني ومنك ، وإن أحدنا لكاذب . ومنه بيت حسان [من الوافر ] :

                                                                                                                                                                                                [ ص: 122 ]

                                                                                                                                                                                                أتهجوه ولست له بكفء ؟ فشركما لخيركما الفداء



                                                                                                                                                                                                فإن قلت : كيف خولف بين حرفى الجر الداخلين على الحق والضلال ؟ قلت : لأن صاحب الحق كأنه مستعل على فرس جواد يركضه حيث شاء ، والضال كأنه منغمس في ظلام مرتبك فيه لا يدري أن يتوجه . وفى قراءة أبي : (وإنا أو إياكم إما على هدى أو في ضلال مبين ) .

                                                                                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                                                                                الخدمات العلمية