الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                فأما من أوتي كتابه بيمينه فيقول هاؤم اقرءوا كتابيه إني ظننت أني ملاق حسابيه فهو في عيشة راضية في جنة عالية قطوفها دانية كلوا واشربوا هنيئا بما أسلفتم في الأيام الخالية

                                                                                                                                                                                                فأما تفصيل للعرض: ها: صوت يصوت به فيفهم منه معنى "خذ" كأف وحس، وما أشبه ذلك. و "كتابيه" منصوب بهاؤم عند الكوفيين، وعند البصريين ب "اقرءوا"، لأنه أقرب العاملين. وأصله: هاؤم كتابي اقرءوا كتابي، فحذف الأول لدلالة الثاني عليه. ونظيره آتوني أفرغ عليه قطرا [الكهف: 96]. قالوا: ولو كان العامل الأول لقيل: اقرؤه وأفرغه، والهاء للسكت في "كتابيه"، وكذلك في "حسابيه" و "ماليه" و"سلطانيه" وحق هذه الهاءات أن تثبت في الوقف وتسقط في الوصل، وقد استحب إيثار الوقف إيثارا لثباتها في المصحف. وقيل: لا بأس بالوصل والإسقاط. وقرأ ابن محيصن بإسكان الياء بغير هاء. وقرأ جماعة بإثبات الهاء في الوصل والوقف جميعا لاتباع المصحف [ ص: 200 ] "ظننت" علمت. وإنما أجري الظن مجرى العلم، لأن الظن الغالب يقام مقام العلم في العادات والأحكام. ويقال: أظن ظنا كاليقين أن الأمر كيت وكيت "راضية" منسوبة إلى الرضا; كالدارع والنابل. والنسبة نسبتان: نسبة بالحرف، ونسبة بالصيغة. أو جعل الفعل لها مجازا وهو لصاحبها "عالية" مرتفعة المكان في السماء. أو رفيعة الدرجات. أو رفيعة المباني والقصور والأشجار "دانية" ينالها القاعد والنائم. يقال لهم: كلوا واشربوا هنيئا أكلا وشربا هنيئا. أو هنيتم هنيئا على المصدر بما أسلفتم بما قدمتم من الأعمال الصالحة في الأيام الخالية الماضية من أيام الدنيا. وعن مجاهد : أيام الصيام، أي: كلوا واشربوا بدل ما أمسكتم عن الأكل والشرب لوجه الله. وروي: يقول الله عز وجل: يا أوليائي، طالما نظرت إليكم في الدنيا وقد قلصت شفاهكم عن الأشربة; وغارت أعينكم، وخمصت بطونكم، فكونوا اليوم في نعيمكم، وكلوا واشربوا هنيئا بما أسلفتم في الأيام الخالية.

                                                                                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                                                                                الخدمات العلمية