الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                ودوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواء فلا تتخذوا منهم أولياء حتى يهاجروا في سبيل الله فإن تولوا فخذوهم واقتلوهم حيث وجدتموهم ولا تتخذوا منهم وليا ولا نصيرا إلا الذين يصلون إلى قوم بينكم وبينهم ميثاق أو جاءوكم حصرت صدورهم أن يقاتلوكم أو يقاتلوا [ ص: 123 ] قومهم ولو شاء الله لسلطهم عليكم فلقاتلوكم فإن اعتزلوكم فلم يقاتلوكم وألقوا إليكم السلم فما جعل الله لكم عليهم سبيلا ستجدون آخرين يريدون أن يأمنوكم ويأمنوا قومهم كل ما ردوا إلى الفتنة أركسوا فيها فإن لم يعتزلوكم ويلقوا إليكم السلم ويكفوا أيديهم فخذوهم واقتلوهم حيث ثقفتموهم وأولئكم جعلنا لكم عليهم سلطانا مبينا

                                                                                                                                                                                                فتكونون عطف على تكفرون : ولو نصب على جواب التمني لجاز ، والمعنى : ودوا كفركم فكونكم معهم شرعا واحدا فيما هم عليه من الضلال واتباع دين الآباء . فلا تتولوهم وإن آمنوا حتى يظاهروا إيمانهم بهجرة صحيحة هي لله ولرسوله - لا لغرض من أغراض الدنيا - مستقيمة ليس بعدها بداء ولا تعرب فإن تولوا : عن الإيمان المظاهر بالهجرة الصحيحة المستقيمة ، فحكمهم حكم سائر المشركين يقتلون حيث وجدوا في الحل والحرم ، وجانبوهم مجانبة كلية ، وإن بذلوا لكم الولاية والنصرة فلا تقبلوا منهم إلا الذين يصلون استثناء من قوله : فخذوهم واقتلوهم : ومعنى يصلون إلى قوم : ينتهون إليهم ويتصلون بهم ، وعن أبي عبيدة : هو من الانتساب ، وصلت إلى فلان واتصلت به إذا انتميت إليه ، وقيل : إن الانتساب لا أثر له في منع القتال ، فقد قاتل رسول الله صلى الله عليه وسلم بمن معه هو من أنسابهم ، والقوم هم الأسلميون ، كان بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد ، وذلك أنه وادع وقت خروجه إلى مكة هلال بن عويمر الأسلمي على أن لا يعينه ولا يعين عليه ، وعلى أن من وصل إلى هلال ولجأ إليه فله من الجوار مثل الذي لهلال ، وقيل : القوم بنو بكر بن زيد مناة كانوا في الصلح أو جاءوكم : لا يخلو من أن يكون معطوفا على صفة قوم ، كأنه قيل : إلا الذين يصلون إلى قوم معاهدين ، أو قوم ممسكين عن القتال لا لكم ولا عليكم ، أو على صلة الذين ، كأنه قيل : إلا الذين يتصلون بالمعاهدين ، أو الذين لا يقاتلونكم والوجه العطف على الصلة لقوله : فإن اعتزلوكم فلم يقاتلوكم وألقوا إليكم السلم فما جعل الله لكم عليهم سبيلا بعد قوله : فخذوهم واقتلوهم حيث وجدتموهم : فقرر أن كفهم عن القتال أحد سببي استحقاقهم لنفي التعرض عنهم وترك الإيقاع بهم . فإن قلت : كل واحد من الاتصالين له تأثير في صحة الاستثناء ، واستحقاق إزالة التعرض الاتصال بالمعاهدين والاتصال بالمكافين ، لأن الاتصال بهؤلاء أو هؤلاء دخول في حكمهم ، فهلا جوزت أن يكون العطف على صفة "قوم" ، ويكون قوله : فإن اعتزلوكم : تقريرا لحكم اتصالهم بالمكافين واختلاطهم بهم وجريهم على سنتهم؟ قلت : هو جائز ، ولكن الأول أظهر وأجرى على أسلوب الكلام ، وفي قراءة أبي : "بينكم وبينهم [ ص: 124 ] ميثاق جاءوكم حصرت صدورهم" بغير "أو" ووجهه أن يكون "جاءوكم" بيانا لـ “يصلون" ، أو بدلا أو استئنافا ، أو صفة بعد صفة لـ “قوم" . "حصرت صدورهم" في موضع الحال بإضمار قد ، والدليل عليه قراءة من قرأ : "حصرة صدورهم" ، و "حصرات صدورهم" ، و "حاصرات صدورهم" ، وجعله المبرد صفة لموصوف محذوف على : أو جاءوكم قوما "حصرت صدورهم" ، وقيل : هو بيان لـ “جاءوكم" ، وهم بنو مدلج جاءوا رسول الله صلى الله عليه وسلم غير مقاتلين ، والحصر : الضيق والانقباض "أن يقتلوكم" : عن أن يقاتلوكم . أو كراهة أن يقاتلوكم . فإن قلت : كيف يجوز أن يسلط الله الكفرة على المؤمنين؟ قلت : ما كانت مكافتهم إلا لقذف الله الرعب في قلوبهم ولو شاء لمصلحة يراها من ابتلاء ونحوه لم يقذفه ، فكانوا متسلطين مقاتلين غير مكافين ، فذلك معنى التسليط ، وقرئ : "فلقتلوكم" ، بالتخفيف والتشديد فإن اعتزلوكم فإن لم يتعرضوا لكم وألقوا إليكم السلم أي : الانقياد والاستسلام ، وقرئ بسكون اللام مع فتح السين فما جعل الله لكم عليهم سبيلا فما أذن لكم في أخذهم وقتلهم ستجدون آخرين : هم قوم من بني أسد وغطفان ، وكانوا إذا أتوا المدينة أسلموا وعاهدوا ليأمنوا المسلمين ، فإذا رجعوا إلى قومهم كفروا ونكثوا عهودهم كل ما ردوا إلى الفتنة كلما دعاهم قومهم إلى قتال المسلمين أركسوا فيها قلبوا فيها أقبح قلب وأشنعه ، وكانوا شرا فيها من كل عدو حيث ثقفتموهم حيث تمكنتم منهم سلطانا مبينا حجة واضحة لظهور عداوتهم وانكشاف حالهم في الكفر والغدر ، وإضرارهم بأهل الإسلام أو تسلطا ظاهرا حيث أذنا لكم في قتلهم .

                                                                                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                                                                                الخدمات العلمية