الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قوله عز وجل:

قل من يرزقكم من السماوات والأرض قل الله وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين قل لا تسألون عما أجرمنا ولا نسأل عما تعملون قل يجمع بيننا ربنا ثم يفتح بيننا بالحق وهو الفتاح العليم قل أروني الذين ألحقتم به شركاء كلا بل هو الله العزيز الحكيم

أمر الله تبارك وتعالى نبيه صلى الله عليه وسلم - على جهة الاحتجاج، وإقامة الدليل على الرازق لهم من السماوات والأرض [أن يسألهم]: من هو. ثم أمره أن يقتضب الاحتجاج بأن يأتي بجواب السؤال; إذ هم في بهتة ووجمة من السؤال، وإذ لا جواب لهم ولا لمفطور إلا بأن يقول: هو الله. وهذه السبيل في كل سؤال جوابه في غاية الوضوح; لأن المحتج يريد أن يقتضب ويتجاوز إلى حجة أخرى يوردها. ونظائر هذا في القرآن كثير.

وقوله تعالى: وإنا أو إياكم تلطف في الدعوة والمحاورة والمعنى، كما تقول لمن خالفك في مسألة: أحدنا مخطئ، أي: تثبت وتنبه، والمفهوم من كلامك أن مخالفك هو المخطئ، فكذلك هذا معناه: وإنا لعلى هدى أو في ضلال مبين، وإنكم لعلى هدى أو في ضلال مبين، فلنتبينه، والمقصد أن الضلال في حيز المخاطبين، وحذف أحد الخبرين لدلالة الباقي عليه. وقال أبو عبيدة : "أو" في الآية [ ص: 186 ] بمعنى واو النسق، والتقدير: وإنا وإياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين، وهما خبران غير مبتدأين، وهذا القول غير متجه واللفظ لا يساعده، وإن كان المعنى - على كل قول - يقتضي أن الهدى في حيز المؤمنين والضلال في حيز الكفرة.

وقوله تعالى: قل لا تسألون عما أجرمنا الآية، مهادنة ومتاركة، وهي منسوخة بآية السيف.

وقوله تعالى: قل يجمع بيننا الآية... إخبار بالبعث من القبور، وقوله: "يفتح" معناه يحكم، والفتاح: القاضي، وهي مشهورة في لغة اليمن، وهذا كله منسوخ بالسيف.

وقوله تعالى: قل أروني يحتمل أن تكون رؤية قلب، فيكون قوله: "شركاء" مفعولا ثالثا، وهذا هو الصحيح، أي: أروني بالحجة والدليل كيف وجه الشركة، وقالت فرقة: هي رؤية بصر، و"شركاء" حال من الضمير المفعول بـ"ألحقتم" العائد على "الذين"، وهذا ضعيف، لأن استدعاء رؤية العين في هذا لا غناء له. وقوله: "كلا" رد لما تقرر من مذهبهم في الإشراك بالله تعالى، ووصف سبحانه وتعالى نفسه باللائق به من العزة والحكمة.

التالي السابق


الخدمات العلمية