الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قوله عز وجل:

فتنادوا مصبحين أن اغدوا على حرثكم إن كنتم صارمين فانطلقوا وهم يتخافتون أن لا يدخلنها اليوم عليكم مسكين وغدوا على حرد قادرين فلما رأوها قالوا إنا لضالون بل نحن محرومون قال أوسطهم ألم أقل لكم لولا تسبحون قالوا سبحان ربنا إنا كنا ظالمين

"تنادوا" معناه: دعا بعضهم بعضا إلى المضي لميعادهم، وقرأ بعض السبعة: "أن اغدوا" بضم النون، وبعضهم بكسرها، وقد تقدم هذا مرارا، وقوله تعالى: إن كنتم صارمين يحتمل أن يكون من "صرام النخل"، ويحتمل أن يريد: إن كنتم من أهل عزم وإقدام على رأيكم من قولك: "سيف صارم".

و"يتخافتون" معناه: يتكلمون كلاما خفيا، ومنه قوله تعالى: "ولا تخافت بها"، [ ص: 374 ] وكان هذا التخافت خوفا من أن يشعر بهم المساكين، وكان لفظهم الذي يتخافتون به أن لا يدخلنها اليوم عليكم مسكين وقرأ ابن مسعود ، وابن أبي عبلة : "لا يدخلنها" بسقوط "أن".

وقوله تعالى: "على حرد" يحتمل أن يريد به: على منع، من قولهم: "حاردت الإبل" إذا قلت ألبانها فمنعتها، و"حاردت السنة" إذا كانت شهباء لا غلة لها، ومنه قول الشاعر :


وحاردت النكد الجلاد ولم يكن لعقبة قدر المستعيرين معقب



ويحتمل أن يريد بالحرد: القصد، وبذلك فسر بعض اللغويين، وأنشد عليه :


أقبل سيل جاء من عند الله     يحرد حرد الجنة المغله



أي: يقصد قصدها، ويحتمل أن يريد بالحرد: الغضب، يقال: "حرد الرجل يحرد حردا" إذا غضب، ومنه قول الأشهب بن رميلة:


أسود شرى لاقت أسود خفية     تساقوا على حرد دماء الأساود



[ ص: 375 ] وقوله تعالى: "قادرين" يحتمل أن يكون من القدرة، أي: هم قادرون في زعمهم، ويحتمل أن يكون من التقدير، كأنهم قد قدروا على المساكين، أي ضيقوا عليهم، ومنه قوله تعالى: ومن قدر عليه رزقه ، وقوله تعالى: فلما رأوها أي محترقة، حسبوا أنهم قد ضلوا الطريق، وأنها ليست تلك، فلما تحققوها علموا أنها قد أصيبت، فقالوا: "بل نحن محرومون"، أي: قد حرمنا غلتها وبركتها، فقال لهم أعدلهم قولا وعقلا وخلقا، وهو الأوسط، ومنه قوله تعالى: أمة وسطا ، أي: عدلا خيارا، و"تسبحون" قيل: هي عبارة عن طاعة الله تعالى وتعظيمه والعمل بطاعته، وقال مجاهد وأبو صالح هي كانت لفظة الاستثناء عندهم.

قال القاضي أبو محمد رحمه الله:

وهذا يرد عليه قولهم: "سبحان ربنا". فبادر القوم عند ذلك، وتابوا عند ذلك، وسبحوا واعترفوا بظلمهم في اعتقادهم منع الفقراء.

التالي السابق


الخدمات العلمية