الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين

                                                                                                                                                                                                                                      إذ تستغيثون ربكم بدل من (إذ يعدكم) معمول لعامله، فالمراد: تذكير استمدادهم منه سبحانه والتجائهم إليه تعالى حين ضاقت عليهم الحيل، وعيت بهم العلل، وإمداده تعالى حينئذ، وقيل: متعلق بقوله تعالى: "ليحق الحق" على الظرفية، وما قيل من أن قوله تعالى: "ليحق" مستقبل - لأنه منصوب بأن فلا يمكن عمله في إذ لأنه ظرف لما مضى - ليس بشيء؛ لأن كونه مستقبلا إنما هو بالنسبة إلى زمان ما هو غاية له من الفعل المقدر لا بالنسبة إلى زمان الاستغاثة حتى لا يعمل فيه، بل هما في وقت واحد إنما عبر عن زمانها بإذ نظرا إلى زمان النزول، وصيغة الاستقبال في (تستغيثون) لحكاية الحال الماضية لاستحضار صورتها العجيبة، وقيل: متعلق بمضمر مستأنف، أي: اذكروا وقت استغاثتكم، وذلك أنهم لما علموا أنه لا بد من القتال جعلوا يدعون الله تعالى قائلين: أي رب، انصرنا على عدوك، يا غياث المستغيثين أغثنا.

                                                                                                                                                                                                                                      وعن عمر - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نظر إلى المشركين وهم ألف، وإلى أصحابه وهم ثلاثمائة وبضعة عشر فاستقبل القبلة ومد يديه يدعو: [ ص: 8 ] "اللهم أنجز لي ما وعدتني، اللهم إن تهلك هذه العصابة لا تعبد في الأرض" فما زال كذلك حتى سقط رداؤه، فأخذه أبو بكر - رضي الله عنه - فألقاه على منكبه والتزمه من ورائه، وقال: يا نبي الله، كفاك مناشدتك ربك، فإنه سينجز لك ما وعدك .

                                                                                                                                                                                                                                      فاستجاب لكم عطف على (تستغيثون) داخل معه في حكم التذكير لما عرفت أنه ماض، وصيغة الاستقبال لاستحضار الصورة أني ممدكم أي: بأني فحذف الجار وسلط عليه الفعل، فنصب محله، وقرئ بكسر الهمزة على إرادة القول، أو على إجراء (استجاب) مجرى قال؛ لأن الاستجابة من مقولة القول بألف من الملائكة مردفين أي: جاعلين غيرهم من الملائكة رديفا لأنفسهم، فالمراد بهم: رؤساؤهم المستتبعون لغيرهم، وقد اكتفى ههنا بهذا البيان الإجمالي وبين في سورة آل عمران مقدار عددهم، وقيل: معناه متبعين أنفسهم ملائكة آخرين، أو متبعين المؤمنين، أو بعضهم بعضا، من أردفته إذا جئت بعده، أو متبعين بعضهم بعض المؤمنين، أو أنفسهم المؤمنين من أردفته إياه فردفه.

                                                                                                                                                                                                                                      وقرئ (مردفين) بفتح الدال، أي: متبعين أو متبعين بمعنى: أنهم كانوا مقدمة الجيش أو ساقتهم، وقرئ (مردفين) بكسر الراء وضمها وتشديد الدال، وأصلهما مرتدفين، بمعنى: مترادفين، فأدغمت التاء في الدال فالتقى الساكنان، فحركت الراء بالكسر على الأصل، أو بالضم على الإتباع، وقرئ (بآلاف) ليوافق ما في سورة آل عمران، ووجه التوفيق بينه وبين المشهور أن المراد بالألف: الذين كانوا على المقدمة، أو الساقة،أو وجوههم وأعيانهم، أو من قاتل منهم، واختلف في مقاتلتهم، وقد روي أخبار تدل على وقوعها.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية