الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن الله أعلم بإيمانهن فإن علمتموهن مؤمنات فلا ترجعوهن إلى الكفار لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن وآتوهم ما أنفقوا ولا جناح عليكم أن تنكحوهن إذا آتيتموهن أجورهن ولا تمسكوا بعصم الكوافر واسألوا ما أنفقتم وليسألوا ما أنفقوا ذلكم حكم الله يحكم بينكم والله عليم حكيم

                                                                                                                                                                                                                                      يا أيها الذين آمنوا بيان لحكم من يظهر الإيمان بعد بيان حكم فريقي الكافرين. إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات من بين الكفار. فامتحنوهن فاختبروهن بما يغلب على ظنكم موافقة قلوبهن للسانهن في الإيمان.

                                                                                                                                                                                                                                      يروى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول للتي يمتحنها: بالله الذي لا إله إلا هو ما خرجت من بغض زوج، بالله ما خرجت رغبة عن أرض إلى أرض، بالله ما خرجت التماس دنيا ، بالله ما خرجت إلا حبا لله ورسوله. الله أعلم بإيمانهن لأنه المطلع على ما في قلوبهن، والجملة اعتراض. فإن علمتموهن بعد الامتحان. مؤمنات علما يمكنكم تحصيله وتبلغه طاقتكم بعد اللتيا والتي من الاستدلال بالعلائم والدلائل والاستشهاد بالأمارات والمخايل وهو الظن الغالب وتسميته علما للإيذان بأنه جار مجرى العلم في وجوب العمل به. فلا ترجعوهن إلى الكفار أي: إلى أزواجهن الكفرة لقوله تعالى: لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن فإنه تعليل للنهي عن رجعهن إليهم، والتكرير إما لتأكيد الحرمة أو لأن الأول لبيان زوال النكاح الأول والثاني لبيان امتناع النكاح الجديد. وآتوهم ما أنفقوا أي: وأعطوا أزواجهن مثل ما دفعوا إليهن من المهور وذلك أن صلح الحديبية كان على أن من جاءنا منكم رددناه فجاءت سبيعة بنت الحارث الأسلمية مسلمة والنبي عليه الصلاة والسلام بالحديبية فأقبل زوجها مسافر المخزومي. وقيل: صيفي بن الراهب فقال: يا محمد اردد علي امرأتي فإنك قد شرطت أن ترد علينا من أتاك منا فنزلت لبيان أن الشرط إنما كان في الرجال دون النساء فاستحلفها رسول الله صلى الله عليه وسلم فحلفت فأعطى زوجها ما أنفق وتزوجها عمر رضي الله عنه. ولا جناح عليكم أن تنكحوهن فإن إسلامهن حال بينهن وبين أزواجهن الكفار. إذا آتيتموهن أجورهن شرط إيتاء المهر في نكاحهن إيذانا بأن ما أعطي أزواجهن لا يقوم مقام المهر. ولا تمسكوا بعصم الكوافر جمع عصمة وهي ما يعتصم به من عقد وسبب أي: لا يكن بينكم وبين المشركات ولا علقة زوجية. قال ابن عباس رضي الله عنهما: من كانت له امرأة كافرة بمكة فلا يعتدن بها من نسائه لأن اختلاف الدارين قطع عصمتها منه. وعن النخعي رحمه الله هي المسلمة تلحق بدار الحرب فتكفر. وعن مجاهد أمرهم بطلاق الباقيات مع الكفار ومفارقتهن، وقرئ "ولا تمسكوا" بالتشديد و"لا تمسكوا" بحذف إحدى [ ص: 240 ] التاءين من تتمسكوا. واسألوا ما أنفقتم من مهور نسائكم اللاحقات بالكفار. وليسألوا ما أنفقوا من مهور أزواجهم المهاجرات. ذلكم الذي ذكر. حكم الله . وقوله تعالى: يحكم بينكم كلام مستأنف أو حال من "حكم الله" على حذف الضمير أي: يحكمه الله أو جعل لكم حاكما على المبالغة. "والله حكيم " يشرع ما تقتضيه الحكمة البالغة.

                                                                                                                                                                                                                                      روي أنه لما نزلت الآية أدى المؤمنون ما أمروا به من مهور المهاجرات إلى أزواجهن المشركين وأبى المشركون أن يؤدوا شيئا من مهور الكوافر إلى أزواجهن المسلمين فنزل قوله تعالى:

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية