الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                        تفسير سورة والضحى

                                                                                                                                                                                                                                        وهي مكية

                                                                                                                                                                                                                                        بسم الله الرحمن الرحيم

                                                                                                                                                                                                                                        والضحى والليل إذا سجى ما ودعك ربك وما قلى وللآخرة خير لك من الأولى ولسوف يعطيك ربك فترضى ألم يجدك يتيما فآوى ووجدك ضالا فهدى ووجدك عائلا فأغنى فأما اليتيم فلا تقهر وأما السائل فلا تنهر وأما بنعمة ربك فحدث

                                                                                                                                                                                                                                        أقسم تعالى بالنهار إذا انتشر ضياؤه بالضحى، وبالليل إذا سجى وادلهمت ظلمته، على اعتناء الله برسوله صلى الله عليه وسلم قلى ما ودعك ربك أي: ما تركك منذ اعتنى بك، ولا أهملك منذ رباك ورعاك، بل لم يزل يربيك أكمل تربية، ويعليك درجة بعد درجة.

                                                                                                                                                                                                                                        وما قلى ك الله أي: ما أبغضك منذ أحبك، فإن نفي الضد دليل على ثبوت ضده، والنفي المحض لا يكون مدحا، إلا إذا تضمن ثبوت كمال، فهذه حال الرسول صلى الله عليه وسلم الماضية والحاضرة، أكمل حال وأتمها، محبة الله له واستمرارها، وترقيته في درجات الكمال، ودوام اعتناء الله به.

                                                                                                                                                                                                                                        وأما حاله المستقبلة، فقال: وللآخرة خير لك من الأولى أي: كل [ ص: 1977 ] حالة متأخرة من أحوالك، فإن لها الفضل على الحالة السابقة.

                                                                                                                                                                                                                                        فلم يزل صلى الله عليه وسلم يصعد في درجات المعالي ويمكن الله له دينه، وينصره على أعدائه، ويسدده أحواله، حتى مات، وقد وصل إلى حال ما يصل إليها الأولون والآخرون، من الفضائل والنعم، وقرة العين، وسرور القلب.

                                                                                                                                                                                                                                        ثم بعد ذلك، لا تسأل عن حاله في الآخرة، من تفاصيل الإكرام، وأنواع الإنعام، ولهذا قال: ولسوف يعطيك ربك فترضى وهذا أمر لا يمكن التعبير عنه بغير هذه العبارة الجامعة الشاملة.

                                                                                                                                                                                                                                        ثم امتن عليه بما يعلمه من أحواله الخاصة فقال: ألم يجدك يتيما فآوى أي: وجدك لا أم لك، ولا أب، بل قد مات أبوه وأمه وهو لا يدبر نفسه، فآواه الله، وكفله جده عبد المطلب، ثم لما مات جده كفله الله عمه أبا طالب، حتى أيده بنصره وبالمؤمنين.

                                                                                                                                                                                                                                        ووجدك ضالا فهدى أي: وجدك لا تدري ما الكتاب ولا الإيمان، فعلمك ما لم تكن تعلم، ووفقك لأحسن الأعمال والأخلاق.

                                                                                                                                                                                                                                        ووجدك عائلا أي: فقيرا فأغنى بما فتح عليك من البلدان، التي جبيت لك أموالها وخراجها.

                                                                                                                                                                                                                                        فالذي أزال عنك هذه النقائص، سيزيل عنك كل نقص، والذي أوصلك إلى الغنى، وآواك ونصرك وهداك، قابل نعمته بالشكران.

                                                                                                                                                                                                                                        ولهذا قال: فأما اليتيم فلا تقهر أي: لا تسئ معاملة اليتيم، ولا يضق صدرك عليه، ولا تنهره، بل أكرمه، وأعطه ما تيسر، واصنع به كما تحب أن يصنع بولدك من بعدك.

                                                                                                                                                                                                                                        وأما السائل فلا تنهر أي: لا يصدر منك كلام للسائل يقتضي رده عن مطلوبه، بنهر وشراسة خلق، بل أعطه ما تيسر عندك أو رده بمعروف وإحسان . ويدخل في هذا السائل للمال، والسائل للعلم، ولهذا كان المعلم مأمورا بحسن الخلق مع المتعلم، ومباشرته بالإكرام والتحنن عليه، فإن في ذلك معونة له على مقصده، وإكراما لمن كان يسعى في نفع العباد والبلاد.

                                                                                                                                                                                                                                        [ ص: 1978 ] وأما بنعمة ربك وهذا يشمل النعم الدينية والدنيوية فحدث أي: أثن على الله بها، وخصها بالذكر إن كان هناك مصلحة.

                                                                                                                                                                                                                                        وإلا فحدث بنعم الله على الإطلاق، فإن التحدث بنعمة الله، داع لشكرها، وموجب لتحبيب القلوب إلى من أنعم بها، فإن القلوب مجبولة على محبة المحسن.

                                                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية