الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                        وإذ نجيناكم من آل فرعون يسومونكم سوء العذاب يذبحون أبناءكم ويستحيون نساءكم وفي ذلكم بلاء من ربكم عظيم وإذ فرقنا بكم البحر فأنجيناكم وأغرقنا آل فرعون وأنتم تنظرون وإذ واعدنا موسى أربعين ليلة ثم اتخذتم العجل من بعده وأنتم ظالمون ثم عفونا عنكم من بعد ذلك لعلكم تشكرون وإذ آتينا موسى الكتاب والفرقان لعلكم تهتدون وإذ قال موسى لقومه يا قوم إنكم ظلمتم أنفسكم باتخاذكم العجل فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم ذلكم خير لكم عند بارئكم فتاب عليكم إنه هو التواب الرحيم وإذ قلتم يا موسى لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة فأخذتكم الصاعقة وأنتم تنظرون ثم بعثناكم من بعد موتكم لعلكم تشكرون وظللنا عليكم الغمام وأنزلنا عليكم المن والسلوى كلوا من طيبات ما رزقناكم وما ظلمونا ولكن كانوا أنفسهم يظلمون

                                                                                                                                                                                                                                        (49 - 54) هذا شروع في تعداد نعمه على بني إسرائيل على وجه التفصيل فقال: وإذ نجيناكم من آل فرعون أي: من فرعون وملئه وجنوده وكانوا قبل ذلك يسومونكم أي: يولونهم ويستعملونهم، سوء العذاب أي: أشده بأن كانوا يذبحون أبناءكم خشية نموكم، ويستحيون نساءكم أي: فلا يقتلونهن، فأنتم بين قتيل ومذلل بالأعمال الشاقة، مستحيي على وجه المنة عليه والاستعلاء عليه، فهذا غاية الإهانة، فمن الله عليهم بالنجاة التامة وإغراق عدوهم وهم ينظرون لتقر أعينهم.

                                                                                                                                                                                                                                        وفي ذلكم أي: الإنجاء بلاء أي: إحسان من ربكم عظيم فهذا مما يوجب عليكم الشكر والقيام بأوامره.

                                                                                                                                                                                                                                        ثم ذكر منته عليهم بوعده لموسى أربعين ليلة لينزل عليهم التوراة المتضمنة للنعم العظيمة والمصالح العميمة، ثم إنهم لم يصبروا قبل استكمال الميعاد حتى عبدوا العجل من بعده، أي: ذهابه.

                                                                                                                                                                                                                                        وأنتم ظالمون عالمون بظلمكم، قد قامت عليكم الحجة، فهو أعظم جرما وأكبر إثما.

                                                                                                                                                                                                                                        ثم إنه أمركم بالتوبة على لسان نبيه موسى بأن يقتل بعضكم بعضا فعفا الله عنكم بسبب ذلك لعلكم تشكرون الله.

                                                                                                                                                                                                                                        (55) وإذ قلتم يا موسى لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة وهذا غاية [ ص: 63 ] الظلم والجراءة على الله وعلى رسوله، فأخذتكم الصاعقة إما الموت أو الغشية العظيمة، وأنتم تنظرون وقوع ذلك، كل ينظر إلى صاحبه.

                                                                                                                                                                                                                                        (56) ثم بعثناكم من بعد موتكم لعلكم تشكرون .

                                                                                                                                                                                                                                        ثم ذكر نعمته عليكم في التيه والبرية الخالية من الظلال وسعة الأرزاق، فقال:

                                                                                                                                                                                                                                        (57) وظللنا عليكم الغمام وأنزلنا عليكم المن وهو اسم جامع لكل رزق حسن يحصل بلا تعب، ومنه الزنجبيل والكمأة والخبز وغير ذلك.

                                                                                                                                                                                                                                        والسلوى طائر صغير يقال له السمانى، طيب اللحم، فكان ينزل عليهم من المن والسلوى ما يكفيهم ويقيتهم كلوا من طيبات ما رزقناكم أي: رزقا لا يحصل نظيره لأهل المدن المترفهين، فلم يشكروا هذه النعمة، واستمروا على قساوة القلوب وكثرة الذنوب.

                                                                                                                                                                                                                                        وما ظلمونا يعني بتلك الأفعال المخالفة لأوامرنا لأن الله لا تضره معصية العاصين، كما لا تنفعه طاعات الطائعين،ولكن كانوا أنفسهم يظلمون فيعود ضرره عليهم.

                                                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية