الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                          صفحة جزء
                                                                          [ ص: 216 ] فصل تنقسم أفعال الصلاة وأقوالها إلى ثلاثة أقسام الأول : ما لا يسقط عمدا ، ولا سهوا وهي الأركان ، لأن الصلاة لا تتم إلا بها فشبهت بركن البيت الذي لا يقوم إلا به ، وبعضهم سماها فروضا . الثاني : ما تبطل بتركه عمدا ويسقط سهوا ، ويسجد له ، ويسمى الواجب . الثالث : ما لا تبطل بتركه مطلقا .

                                                                          وهو السنن ف ( أركانها : ما كان فيها ) احترازا عن الشروط ( ولا تسقط عمدا ) خرج السنن ، و ( لا ) تسقط ( سهوا ) خرج الواجبات ( وهي ) أربعة عشر ركنا ( قيام قادر في فرض ) ولو على الكفاية لقوله تعالى : { وقوموا لله قانتين } " وحديث عمران { صل قائما ، فإن لم تستطع فقاعدا - إلى آخره } " رواه البخاري

                                                                          وخص بالفرض لحديث عائشة مرفوعا { كان صلى الله عليه وسلم يصلي ليلا طويلا قاعدا } " الحديث رواه مسلم ( سوى خائف به ) أي : بالقيام ، كمن بمكان له حائط يستره جالسا فقط ، ويخاف بقيامه نحو عدو . فيجوز أن يصلي جالسا .

                                                                          ( و ) سوى ( عريان ) لا يجد سترة ، فيصلي جالسا ندبا وينضم وتقدم .

                                                                          ( و ) سوى مريض يمكنه قيام لكن لا تمكن مداواته قائما . فيسقط عنه القيام ( لمداواة ) ويصلي جالسا ، دفعا للحرج .

                                                                          ( و ) كذا يصلي جالسا لأجل ( قصر سقف لعاجز عن خروج ) كحبس ونحوه بمكان قصير السقف .

                                                                          ( و ) كذا قادر يصلي على قيام قاعدا ( خلف إمام الحي ) أي : الراتب ( العاجز عن القيام بشرطه ) وهو أن يرجى زوال علته ،

                                                                          ويأتي تفصيله في الجماعة ( وحده ) أي : القيام ( ما لم يصر راكعا ) أي : لا يصير إلى الركوع المجزئ . ولا يضره خفض رأسه على هيئة الإطراق وظاهر كلامهم : يكفي لو قام على رجل واحدة .

                                                                          وفي المذهب : لا يجزئه . ونقل خطاب بن بشير : لا أدري .

                                                                          ( و ) الثاني ( تكبيرة الإحرام ) لحديث أبي سعيد مرفوعا { إذا قمتم إلى الصلاة فاعدلوا صفوفكم ، وسدوا الفرج فإذا قال إمامكم : الله أكبر فقولوا : الله أكبر } " رواه أحمد ،

                                                                          ولم ينقل عنه أنه افتتح الصلاة بغيرها ، وقال { صلوا كما رأيتموني أصلي } " .

                                                                          ( و ) الثالث ( قراءة الفاتحة ) في كل ركعة ، وتقدم موضحا ، ويحتملها إمام عن مأموم . [ ص: 217 ] ويأتي ( و ) الرابع ( ركوع ) إجماعا في كل ركعة لقوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا اركعوا } " وقوله صلى الله عليه وسلم في حديث المسيء في صلاته المتفق عليه { ثم اركع حتى تطمئن راكعا } " . الخامس ( رفع منه ) أي : الركوع ، لقوله في الحديث المذكور : { ثم ارفع } ( إلا ما ) أي : ركوعا ورفعا منه ( بعد ) ركوع ( أول في كسوف ) في كل ركعة ،

                                                                          فالركوع الأول والرفع منه ركن وما بعده ليس بركن .

                                                                          ( و ) السادس ( اعتدال ) لقوله : صلى الله عليه وسلم في الحديث المذكور { : ثم ارفع حتى تعتدل قائما } " والمراد : الاعتدال عما بعد أول في كسوف ، لأن الرفع والاعتدال تابعان للركوع . ولو أخر : إلا ما بعد أول في كسوف : إلى هنا : لكان واضحا في المقصود .

                                                                          ( ولا تبطل ) الصلاة ( إن طال ) اعتداله . لأن في حديث البراء المتفق عليه { أنه صلى الله عليه وسلم طوله قريب قيامه وركوعه } " .

                                                                          ( و ) السابع ( سجود ) إجماعا في كل ركعة مرتين ، لقوله تعالى : " واسجدوا " ولحديث المسيء في صلاته .

                                                                          ( و ) الثامن ( رفع منه ) أي : السجود .

                                                                          ( و ) التاسع ( جلوس بين السجدتين ) لقوله صلى الله عليه وسلم للمسيء في صلاته : { ثم ارفع حتى تطمئن جالسا } " .

                                                                          ( و ) العاشر ( طمأنينة في كل فعل ) مما تقدم ، لأمره صلى الله عليه وسلم للمسيء في صلاته عند ذكر كل فعل منها بالطمأنينة ( وهي ) أي : الطمأنينة ( السكون ، وإن قل ) قال الجوهري : اطمأن الرجل اطمئنانا وطمأنينة أي : سكن .

                                                                          وقيل : بقدر الذكر الواجب ، ليتمكن من الإتيان به .

                                                                          ( و ) الحادي عشر ( تشهد أخير ) لحديث ابن مسعود { كنا نقول ، قبل أن يفرض علينا التشهد : السلام على الله ، السلام على فلان : فقال النبي صلى الله عليه وسلم : قولوا : التحيات لله } " رواه الدارقطني والبيهقي وصححاه . وفيه دلالة على فرضيته من وجهين : أحدهما ، قوله : { قبل أن يفرض علينا التشهد } " ، والثاني قوله صلى الله عليه وسلم : " قولوا " والأمر : للوجوب ،

                                                                          وقد ثبت الأمر به في الصحيحين أيضا .

                                                                          ( و ) الثاني عشر ( جلوس له ) أي : التشهد الأخير ( و ) جلوس ( للتسليمتين ) لأنه ثبت أنه صلى الله عليه وسلم واظب على الجلوس لذلك . وقال { : صلوا كما رأيتموني أصلي } " ( والركن منه ) أي : التشهد الأخير ( اللهم صل على محمد ، بعد ) أي : مع ( ما يجزئ من ) التشهد ( الأول ) ويأتي بها مؤخرة عنه ، وما زاد عليه سنة .

                                                                          ( و ) الثالث عشر ( التسليمتان ) على الصفة التي سبقت لحديث { تحريمها التكبير وتحليلها التسليم } " ويكفي في جنازة وسجود تلاوة [ ص: 218 ] وشكر : تسليمة وظاهر كلامه : أن النفل كالفرض .

                                                                          واختار جماعة منهم المجد يجزئ تسليمة واحدة .

                                                                          وفي المغني والشرح : خلاف ، لأنه يخرج من النفل بتسليمة واحدة ، قال القاضي : في رواية واحدة . ( و ) الرابع عشر ( الترتيب ) بين الأركان على ما تقدم هنا ، وفي صفة الصلاة ، لحديث المسيء في صلاته ، حيث علمه إياها مرتبة بثم المقتضية للترتيب ، وصح أنه صلى الله عليه وسلم { كان يصلي كذلك } " وقال { : صلوا كما رأيتموني أصلي } " . فصل والضرب الثاني من أقوال الصلاة وأفعالها .

                                                                          التالي السابق


                                                                          الخدمات العلمية