الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                          صفحة جزء
                                                                          ( فيرفع يديه إلى صدره ) حال قنوته ( يبسطهما وبطونهما نحو السماء ولو ) كان ( مأموما ) لحديث سلمان مرفوعا [ ص: 240 ] { إن الله يستحي أن يبسط العبد يده يسأله فيهما خيرا فيردهما خائبتين } " رواه الخمسة إلا النسائي .

                                                                          وعن مالك بن يسار مرفوعا { إذا سألتم الله فاسألوه ببطون أكفكم ، ولا تسألوه بظهورها } " رواه أبو داود وقال أحمد : كان ابن مسعود يرفع يديه في القنوت إلى صدره ببطونهما

                                                                          مما يلي السماء ( ويقول جهرا : اللهم إنا نستعينك ونستهديك ونستغفرك ) أي : نطلب منك العون والهداية والمغفرة ( ونتوب ) أي : نرجع ( إليك ونؤمن ) أي : نصدق ( بك ، ونتوكل عليك ) أي : نعتمد ونظهر عجزنا ( ونثني عليك الخير ) أي : نصفك به ( كله ) ونمدحك .

                                                                          والثناء في الخير خاصة ، وبتقديم النون يستعمل في الخير والشر ( ونشكرك ، ولا نكفرك ) أي : لا نجحد نعمتك ونسترها لاقترانه بالشكر ( اللهم إياك نعبد ) .

                                                                          قال البيضاوي : العبادة أقصى غاية الخضوع والتذلل ، ولا يستحقها إلا الله وقال الفخر إسماعيل ، وأبو البقاء : العبادة ما أمر به شرعا من غير اطراد عرفي ، ولا اقتضاء عقلي .

                                                                          وسمي العبد عبدا : لذلته وانقياده لمولاه ( ولك نصلي ونسجد ) لا لغيرك ( وإليك نسعى ونحفد ) بفتح النون وكسر الفاء بالدال المهملة ، خلافا لما في شرحه ، أي : نسرع ونبادر ( نرجو ) أي : نؤمل ( رحمتك ) أي : سعة عطائك ( ونخشى عذابك ) أي : نخافه قال تعالى : { نبئ عبادي أني أنا الغفور الرحيم وأن عذابي هو العذاب الأليم } .

                                                                          ( إن عذابك الجد ) بكسر الجيم أي : الحق لا اللعب ( بالكفار ملحق ) بكسر الحاء على المشهور أي : لاحق وبفتحها على معنى : أن الله يلحقه الكفار .

                                                                          قال الخلال : سألت ثعلبا عن ملحق وملحق ؟ فقال : العرب تقولهما جميعا وهذا القنوت من أوله إلى هنا : مروي عن عمر ،

                                                                          وفي أوله " بسم الله الرحمن الرحيم " وفي آخره " اللهم عذب كفرة أهل الكتاب الذين يصدون عن سبيلك " وهما سورتان : في مصحف أبي .

                                                                          قال ابن سيرين : كتبهما أبي في مصحفه ، إلى قوله " ملحق " زاد غير واحد " ونخلع ونترك من يكفرك " ( اللهم اهدنا فيمن هديت ) أي : ثبتنا على الهداية ، أو زدنا منها وهي الدلالة والبيان قال تعالى : { وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم } " وأما قوله { إنك لا تهدي من أحببت ، ولكن الله يهدي من يشاء } " فهي من الله التوفيق والإرشاد ( وعافنا فيمن عافيت ) من الأسقام والبلاء .

                                                                          والمعافاة : أن يعافيك الله من الناس ، [ ص: 241 ] ويعافيهم منك ( وتولنا فيمن توليت ) الولي : ضد العدو من تليت الشيء إذا اعتنيت به ، كما ينظر الولي حال اليتيم لأن الله ينظر في أمر وليه بالعناية .

                                                                          ويجوز أن يكون من وليت الشيء إذا لم يكن بينك وبينه واسطة ، بمعنى أن الولي يقطع الوسائط بينه وبين الله تعالى حتى يصير في مقام المراقبة والمشاهدة وهو مقام الإحسان ( وبارك لنا ) البركة الزيادة ، أو حلول الخير الإلهي في الشيء ( فيما أعطيت ) أي : أنعمت به والعطية الهبة .

                                                                          ( وقنا شر ما قضيت إنك تقضي ولا يقضى عليك ) لا راد لأمره ، ولا معقب لحكمه ( إنه لا يذل من واليت ، ولا يعز من عاديت تباركت ربنا وتعاليت ) رواه أحمد ، ولفظه له ، وتكلم فيه أبو داود ورواه الترمذي وحسنه من حديث الحسن بن علي .

                                                                          قال { : علمني النبي صلى الله عليه وسلم كلمات أقولهن في قنوت الوتر : اللهم اهدني - إلى - وتعاليت } " وليس فيه { ولا يعز من عاديت } " ورواه البيهقي وأثبتها فيه ، وجمع ، والرواية بالإفراد ليشارك الإمام المأموم في الدعاء ( اللهم إنا نعوذ برضاك من سخطك ، وبعفوك من عقوبتك ، وبك منك ) أظهر العجز والانقطاع وفزع إليه منه فاستعاذ به منه .

                                                                          ( لا نحصي ثناء عليك ) أي : لا نطيقه ( أنت كما أثنيت على نفسك ) اعتراف بالعجز عن الثناء ، ورد إلى المحيط علمه بكل شيء ، جملة وتفصيلا ، روى الخمسة عن علي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في آخر وتره { اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك ، وبمعافاتك من عقوبتك ، وأعوذ بك منك لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك } " ورواته ثقات .

                                                                          قال الترمذي : لا نعرف عن النبي صلى الله عليه وسلم في القنوت شيئا أحسن من هذا ، وله أن يزيد ما شاء مما يجوز به الدعاء في الصلاة ، .

                                                                          قال المجد : فقد صح عن عمر " أنه كان يقنت بقدر مائة آية " ( ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ) لحديث الحسن بن علي السابق وفي آخره " وصلى الله على سيدنا محمد " رواه النسائي .

                                                                          وعن عمر " الدعاء موقوف بين السماء والأرض لا يصعد منه شيء حتى تصلي على نبيك " رواه الترمذي .

                                                                          التالي السابق


                                                                          الخدمات العلمية