الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                          صفحة جزء
                                                                          زكاة السائمة من بهيمة الأنعام سميت بهيمة لأنها لا تتكلم . وبدأ بها اقتداء بالصديق في كتبه لأنس رضي الله عنهما أخرجه البخاري بطوله ، ويأتي بعضه مفرقا . وخرج بالسائمة المعلوفة فلا زكاة فيها لمفهوم حديث بهز بن حكيم عن أبيه عن جده مرفوعا { في كل إبل سائمة في كل أربعين ابنة لبون } رواه أحمد وأبو داود والنسائي ،

                                                                          وحديث الصديق مرفوعا { وفي الغنم في سائمتها إذا كانت أربعين ففيها شاة } الحديث وفي آخره أيضا { إذا كانت سائمة الرجل ناقصة عن أربعين شاة شاة واحدة فليس فيها شيء إلا أن يشاء ربها } فقيد بالسوم وأبدل البعض من الكل وأعاد المقيد مرة أخرى وذلك دليل اشتراطه خصوصا مع اشتماله على مناسبة .

                                                                          ( ولا تجب إلا فيما ) أي سائمة ( لدر ونسل وتسمين ) فلا تجب في سائمة للانتفاع بظهرها كإبل تكرى وتؤجر وبقر حرث ونحوه أكثر الحول كما في الإقناع وغيره ( والسوم ) المشتق منه السائمة ( أن ترعى ) فالسائمة الراعية ، يقال سامت تسوم سوما إذا رعت وأسمتها إذا رعيتها ، ومنه { فيه تسيمون } " ( المباح ) غير المملوك ( أكثر الحول ) نصا لأن علف السوائم يقع عادة في السنة كثيرا

                                                                          ويندر وقوعه في جميعها لعروض موانعه من نحو مطر وثلج فاعتباره في كل العام إجحاف بالفقراء والاكتفاء به في بعض العام إجحاف بالملاك واعتبار الأكثر تعديل بينهما ودفع لأعلى الضررين بأدناهما والأكثر ألحق بالكل في [ ص: 400 ] أحكام كثيرة ( ولا تشترط نيته ) أي السوم ( فتجب ) الزكاة ( في سائمة بنفسها ) كما يجب العشر في زرع حمل السيل بذره إلى أرض فنبت فيها ( أو ) سائمة ( بفعل غاصبها ) بأن أسامها الغاصب فتجب فيها الزكاة كزرع غصب حبه فزرعه فنبت ففيه العشر على مالكه .

                                                                          و ( لا ) تجب ( في معتلفة بنفسها أو بفعل غاصب لها ) أي البهائم ( أو ) بفعل غاصب ( لعلفها ) مالكا كان أو غيره وكذا لو اشترى لها أو زرع لها ما تأكله أو جمعه من مباح فلا زكاة لعدم السوم ( وعدمه ) أي السوم ( مانع ) من وجوب الزكاة لأن وجوده شرط لوجوبها .

                                                                          كما أن السقي بكلفة أكثر الحول مانع من وجوب العشر كله ( فيصح أن تعجل ) الزكاة ( قبل الشروع فيه ) أي السوم لعدم المانع إذن وهو العلف في نصف الحول فأكثر ، وعلى القول بأنه شرط لا يصح كما جزم به في الإقناع في باب إخراج الزكاة ( وينقطع السوم شرعا ) أي في حكم الشرع ( بقطعها ) أي الماشية ( عنه ) أي السوم ( بقصد قطع الطريق بها ) أي الماشية ( ونحوه ) كقصد جلب خمر أو امرأة يزنى بها عليها ( ك ) انقطاع ( حول التجارة بنية قنية عبيدها ) أي التجارة ( لذلك ) أي قطع الطريق ونحوه ( أو ) نية قنية ( ثيابها ) أي التجارة ( الحرير للبس محرم لا ) ينقطع حول السوم ( بنيتها ) أي السائمة ( لعمل ) من حمل أو كراء ونحوه ( قبله ) أي العمل الذي نويت له ، لأن الأصل خلافه ولم يوجد ( ولا شيء في إبل ) سائمة ( حتى تبلغ خمسا ) لحديث { ليس فيما دون خمس ذود صدقة } وبدأ بالإبل تأسيا بكتاب الشارع ، حين فرض زكاة الأنعام لأنها أعظم النعم قيمة وأجساما ، وأكثر أموال العرب ، فإذا بلغت خمسا ( ففيها شاة ) إجماعا لحديث { وإذا بلغت خمسا ففيها شاة } رواه البخاري ، وتكون الشاة ( بصفة ) إبل جودة ورداءة ( غير معيبة ) ففي إبل كرام سمان شاة كريمة سمينة .

                                                                          ( وفي ) الإبل ( المعيبة ) شاة ( صحيحة تنقص قيمتها بقدر نقص الإبل ) كشاة الغنم ، فمثلا لو كانت الإبل مراضا وقومت لو كانت صحاحا بمائة ، وكانت الشاة فيها قيمتها خمسة ، ثم قومت مراضا بثمانين ، كان نقصها بسبب المرض عشرين ، وذلك خمس قيمتها صحاحا لو كانت ، فتجب فيها شاة قيمتها أربعة بقدر نقص الإبل ، وهو الخمس من قيمة الشاة ( ولا يجزي ) عن خمس من إبل ( بعير ) [ ص: 401 ] نصا ذكر أو أنثى ( ولا بقرة ) ولو أكثر قيمة من الشاة لأنها غير المنصوص عليه من غير جنسه

                                                                          أشبه ما لو أخرج بعيرا أو بقرة عن أربعين شاة ( ولا ) يجزئ ( نصفا شاتين ) لأنه تشقيص على الفقراء يلزم منه سوء الشركة ( ثم ) إن زادت إبل على خمس ف ( في كل خمس شاة إلى خمس وعشرين فتجب ) في عشر شاتان ، وفي خمس عشرة ثلاث شياه ; وفي عشرين أربع شياه فإذا بلغت خمسا وعشرين وجبت ( بنت مخاض ) لحديث البخاري { فإذا بلغت خمسا وعشرين إلى خمس وثلاثين ففيها بنت مخاض } ( وهي ) أي بنت المخاض ( ما تم لها سنة ) سميت بذلك لأن أمها قد حملت . والمخاض الحامل وهو تعريف لها بغالب أحوالها لأنه شرط ،

                                                                          ( فإن كانت ) بنت المخاض ( عنده ) أي : المزكي ( وهي ) أي : بنت المخاض التي عنده ( أعلى من الواجب ) عليه ( خير ) مالكها ( بين إخراجها ) عنه ( و ) بين ( شراء ما ) أي بنت مخاض ( بصفته ) أي : الواجب ويخرجها ولا يجزئه ابن لبون إذن لوجود بنت المخاض صحيحة في ماله ( وإن كانت ) بنت المخاض ( معيبة أو ليست في ماله فذكر ) ابن لبون ( أو خنثى ولد لبون وهو ما تم له سنتان ) سمي بذلك لأن أمه قد وضعت غالبا فهي ذات لبن .

                                                                          ( ولو نقصت قيمته ) أي ولد اللبون ( عنها ) أي : عن قيمة بنت المخاض لعموم قوله في حديث أنس { فإن لم يكن فيها ابنة مخاض ففيها ابن لبون ذكر } رواه أبو داود ( أو حق ما تم له ثلاث سنين ) سمي بذلك لأنه استحق أن يحمل عليه ويركب ويقال للأنثى : حقة لذلك ولاستحقاقها طرق الفحل لها ( أو جذع ) بالذال المعجمة : ( ما تم له أربع سنين ) سمي بذلك لأنه يجذع إذا سقطت سنة ذكره في المغني وغيره .

                                                                          وقال الجوهري : هو اسم له في زمن ليس بسن تنبت ولا تسقط ( أو ثني ما تم له خمس سنين ) سمي بذلك لأنه ألقى ثنيته ( و ) الحق والجذع والثني ( أولى ) بالإجزاء عن بنت المخاض من ابن اللبون لزيادة سنه ( بلا جبران ) في الكل لظاهر الخبر ولا يجبر نقص الذكورية بزيادة السن في غير هذا الموضع فلا يجزئ حق عن بنت لبون ولا جذع عن حقة ولا ثني عن جذعة مطلقا ، لظاهر الحديث ولأنه لا نص فيه .

                                                                          ولا يصح قياسه على ابن اللبون مكان بنت المخاض لأن زيادة سنة عليها يمتنع بها من صغار السباع ويرعى الشجر [ ص: 402 ] بنفسه ولا يوجد هذا في الحق مع بنت اللبون لأنهما يشتركان فيه ( أو ) يخرج من عدم بنت مخاض صحيحة ( بنت لبون ) عنها ( ويأخذه ) أي : الجبران ويأتي ( ولو وجد ابن لبون ) لعموم الخبر ، ويأتي ( وفي ست وثلاثين بنت لبون وفي ست وأربعين حقة ، وفي إحدى وستين جذعة ) وهي أعلى سن يجب في الزكاة ( وتجزئ ثنية و ) ما ( فوقها ) عن بنت لبون أو حقة أو جذعة ( بلا جبران ) لأنه لم يرد في الثنية ( وفي ست وسبعين بنتا لبون وفي إحدى وتسعين حقتان ) إجماعا ( وفي إحدى وعشرين ومائة ثلاث بنات لبون ) لحديث البخاري عن أنس فيما كتب له الصديق لما وجهه إلى اليمن .

                                                                          التالي السابق


                                                                          الخدمات العلمية