الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قوله تعالى : يا أيها الذين آمنوا لا تقولوا راعنا قال قطرب : " هي كلمة أهل الحجاز على وجه الهزء " . وقيل : إن اليهود كانت تقولها كما قال الله في موضع آخر : ويقولون سمعنا وعصينا واسمع غير مسمع وراعنا ليا بألسنتهم وطعنا في الدين وكانوا يقولون ذلك عن مواطأة بينهم يريدون الهزء ، كما قال الله تعالى : وإذا جاءوك حيوك بما لم يحيك به الله لأنهم كانوا يقولون " السام عليك " يوهمون بذلك أنهم يسلمون عليه ، فأطلع الله نبيه صلى الله عليه وسلم على ذلك من أمرهم ونهى المسلمين أن يقولوا مثله .

وقوله : راعنا وإن كان يحتمل المراعاة والانتظار ، فإنه لما احتمل الهزء على النحو الذي كانت اليهود تطلقه نهوا عن إطلاقه لما فيه من احتمال المعنى المحظور إطلاقه ، وجائز أن يكون الإطلاق مقتضيا [ ص: 72 ] لمعنى الهزء وإن احتمل الانتظار ، ومثله موجود في اللغة ، ألا ترى أن اسم الوعد يطلق على الخير والشر ؟ قال الله تعالى : النار وعدها الله الذين كفروا وقال تعالى : ذلك وعد غير مكذوب ومتى أطلق عقل به الخير دون الشر ؛ فكذلك قوله راعنا فيه احتمال الأمرين ، وعند الإطلاق يكون بالهزء أخص منه بالانتظار وهذا يدل على أن كل لفظ احتمل الخير والشر فغير جائز إطلاقه حتى يقيد بما يفيد الخير ، ويدل على أن الهزء محظور في الدين ، وكذلك اللفظ المحتمل له ولغيره هو محظور ؛ والله أعلم بمعاني كتابه .

التالي السابق


الخدمات العلمية