الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 495 ] ولما أرشد السياق قطعا إلى التقدير: فلا شريك له في شيء من ذلك ولا ولده ولا يقدر أحد منهم على التخلف عن الرجوع إليه كما أنه لا يقدر أحد على مدافعة قضائه وقدره، عطف عليه قوله: ولا يملك أي بوجه من الوجوه في وقت ما الذين يدعون أي يجعلونهم في موضع الدعاء بعبادتهم لهم، وبين سفول رتبتهم بقوله تعالى: من دونه من أدنى رتبة من رتبته من الأصنام والملائكة والبشر وغيرهم الشفاعة أي فلا يكون منهم شفيع كما زعموا أنهم شفعاؤهم إلا من شهد أي منهم بالحق أي التوحيد الذي يطابقه الواقع إذا انكشف أتم انكشاف وكذا ما يتبعه فإنه يكون أهلا لأن يشفع كالملائكة والمسيح عليهم الصلاة والسلام، والمعنى أن أصنامهم التي ادعوا أنها تشفع لهم لا تشفع غير أنه تعالى ساقه على أبلغ ما يكون لأنه كالدعوى.

                                                                                                                                                                                                                                      ولما كان ذلك مركوزا حتى في فطر الكفار فلا يفزعون في وقت الشدائد إلا إلى الله، ولكنهم لا يلبثون أن يعملوا من الإشراك بما يخالف ذلك، فكأنه لا علم لهم قال: وهم أو والحال أن [ ص: 496 ] من شهد يعلمون أي على بصيرة مما شهدوا به، فلذلك لا يعملون بخلاف ما شهدوا إلا جهلا منهم بتحقيق معنى التوحيد، فلذلك يظنون أنهم لم يخرجوا عنه وإن أشركوا، أو يكون المعنى: وهم من أهل العلم، والأصنام ليسوا كذلك، وكأنه أفرد أولا إشارة إلى أن التوحيد فرض عين على كل أحد بخصوصه وإن خالفه كل غير، وجمع ثانيا إيذانا بالأمر بالمعروف ليجتمع الكل على العلم والتوحيد هو الأساس الذي لا تصح عبادة إلا به، وتحقيقه هو العلم الذي لا علم يعدله، قال الرازي في اللوامع: وجميع الفرق إنما ضلوا حيث لم يعرفوا معنى الواحد على الوجه الذي ينبغي إذ الواحد قد يكون مبدأ العدد، وقد يكون مخالطا للعدد، وقد يكون ملازما للعدد، والله تعالى منزه عن هذه الوحدات - انتهى.

                                                                                                                                                                                                                                      ففي الآية تبكيت لهم في أنهم يوحدون في أوقات، فإذا أنجاهم الذي وحدوه جعلوا شكرهم له في الرخاء إشراكهم به، ومنع لهم من ادعاء هذه الرتبة، وهي الشهادة بالحق لأنهم انسلخوا بإشراكهم عن العلم، وأن الملائكة لا تشفع لهم لأن ذلك يؤدي إلى أن تكون قد عملت بخلاف ما تعلم، وذلك ينتج الانسلاخ [ ص: 497 ] من العلم المؤهل للشفاعة، وقال ابن الجوزي : وفي الآية دليل على أن شرط جميع الشهادات أن يكون الشاهد عالما بما يشهد به.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية